توحيد خطاب المسؤولية الاجتماعية
كنت أود ألا أعود للكتابة عن المسؤولية الاجتماعية خلال شهر من آخر مقال تطرقت فيه عنه. ولكن ما وصلني من شركة استشارية أجنبية تقوم بعمل استبيان عن دور وتوجه القطاع غير الربحي (ويسمى القطاع "الثالث" أو مؤسسات المجتمع المدني) في إيجاد حلول للتحديات التنموية وقياس أثرها، كان هو مدعاة التكرار.
أتساءل لماذا أصبحت قضية المسؤولية الاجتماعية مشكلة عويصة في بلدي؟ ما أسباب تراجعنا وتخلفنا عن تحقيق إنجازات من خلالها؟ ولماذا لا تزال الساحة بلا قائد كفؤ؟ والأهم وأدهى هو عدم وجود تعريف واحد متفق عليه. من المسؤول أو المستفيد من أن تبقى المسؤولية الاجتماعية محدودة في نطاق خدمة المجتمع في حيز تزيد التكلفة فيه على المنفعة.
كل هذا لم يكن سبب قلقي عندما سمعت بالدراسة المقبلة عن المسؤولية الاجتماعية في السعودية بل كان تركيزها على قياس الأثر الاجتماعي والبيئي لتلك البرامج هو السبب. وعلى الرغم من أن قياس الأثر مطلب لكل القائمين على تلك البرامج والداعمين لها، إلا أنه يجب أن يتم في إطاره الصحيح أي ضمن أولويات وطنية داعمة لبرنامج التحول الوطني، محفزة للشراكات المحورية للتنمية التي نرجوها ومعززا دور القطاع الخاص الذي هو المعني بدعم تلك البرامج. وهذا لن يتم في مرحلة تغيير جذري يتسم بالضبابية والتوقعات الكبيرة من القطاع الخاص.
على الرغم من المبالغ الهائلة التي أهدرت باسم المسؤولية الاجتماعية في تدريب الملايين من الشباب تبقى البطالة في ازدياد مطرد حتى أن قليلا من الشركات الداعمة لتلك البرامج يوظف مخرجات برامجه! لطالما رأينا برامج تحدد الهدف وتصيبه ولكن هي القلة. والسبب ليس الجهل أو نقص في المهارات بقدر ما هو عدم وضوح الرؤية وغياب تحديد الأولويات وعدم وجود مرجعية.
الأسباب ما زالت قائمة ولكن لو أردنا اختزالها في شيء فهو أن هناك مرتكزات ومبادئ أساسية تم الاتفاق عليها، رغم أن هذا التوجه ما زال يتبلور. ولكن مما لا شك فيه هو أن ما يطبق من مبادرات تحت مسمى "المسؤولية الاجتماعية" يجب أن يعدل إلى "خدمة مجتمع" وهذا قبل أن نبدأ بالقياس.
وخدمة المجتمع غاية نبيلة ولو حتى على نطاق الشركات. ولكن تنفيذها بفعالية يتطلب رؤية، معرفة وتخصصا، مهارات، إدارة وإرادة، ومتابعة مستمرة وتفرغا إضافة إلى توافر الميزانية. ولكن عدم توافر مؤسسات المجتمع المدني المتخصصة "والذي هو بمنزلة الشريك المنفذ" لدينا حتى قريبا، نقل دور هذه المؤسسات إلى القطاع الخاص الذي كان عليه أن يخرج بمبادرات ولكن كان عليه أن يقوم بتنفيذها، أيضا! وهذا قبل أن يتم القياس.
وإذا اتفقنا على أن "خدمة المجتمع" هو ما نعنيه، ولعب دورا فعالا في الإسهام في حلول للتحديات التنموية هو ما ننشده، واتفقنا كذلك على أهمية مواءمة تلك البرامج لتحديد هدف اجتماعي أو بيئي كشرط، وتحديد معاير قياس ومتابعة كل ذلك يكون نقطة الانطلاق ووجودها مؤشر لمرتكزات المبادرات الناجحة. وهو ما نود نشره لتفعيل دور القطاع الخاص في "التنمية" ومن خلال الشراكات مع القطاع الثالث. تلك قد تكون المرتكزات التي نتخذها نقطة البداية في تقييم تلك البرامج. وهذا قبل أن نبدأ القياس!