مستقبل صنعاء .. رهين «غدر صالح» وأسير «تبعية الحوثي»
متى تنتهي حرب اليمن؟.. سؤال يلوح كثيرا في الآونة الأخيرة على مستوى دولي منذ تحركات الوساطة الأممية بين أطراف الصراع، ومنذ محاولات التحالف العربي بقيادة السعودية إعطاء فرصة أكبر للمباحثات السياسية، بعد السيطرة على مساحات واسعة من البلاد، وكمرحلة من مراحل عملية إعادة الأمل التي لم يغب عن بال قادتها، نظريا وعملياتيا، طبيعة اليمن الجغرافية والاجتماعية المعقدة. فكان آخر هذه الفرص عمل التحالف بقيادة المملكة والشرعية على إنقاذ مباحثات الكويت في اللحظة الأخيرة رغم تعنت الطرف الآخر، وسعيه لإنشاء "مجلس سياسي" في تجاهل تام لمجريات المباحثات؛ لإفشال هذه التشاورات وفقا للانطباع الذي تركه هذا الإعلان لدى الكثيرين، ما استلزم إصدار مشروع اتفاق أممي يقضي بوضع حد لهذه العبثية، وهو المشروع الذي رحبت به الحكومة الشرعية، في حين رفضته جماعتا الحوثي وصالح. وفي هذا الإطار، سعت مجموعة من المختصين الغربيين لتحليل ديناميات السلام والصراع في اليمن في محاولة لتحديد أي مستقبل ينتظر هذا البلد.
وفرة السلاح
ومن أبرز هؤلاء المختصين مانويل ألميدا (متخصص في الشرق الأوسط) الذي نشر تحليلا على موقع ناشونال إنترست في أكتوبر 2015 يتساءل فيه: "متى تنتهي حرب اليمن؟"، وكذلك دراسة لـ تانيا جرانزو (الباحثة في جامعة توبنجن الألمانية) عنونت بـ"النضال العنيف مقابل النضال اللا عنفي .. دراسة للاستراتيجيات المختلفة في اليمن"، ونشرت في دورية (الحروب الأهلية) في أكتوبر 2015. خصوصية مجتمعية:
كثيرًا ما عانى اليمن انقسامات تاريخية ودينية وقبلية، إذ لم يشهد لحظات وحدوية حقيقية، ويرجع ذلك إلى عدد من الاعتبارات التي تأتي على رأسها الانقسامات الجغرافية، حيث يتركز الزيديون في شمال اليمن، ولديهم رغبة مستمرة في تطبيق نظام الإمامة، إلى أن تم الإعلان عن جمهورية اليمن العربية في شمال اليمن، في حين ظل جنوب اليمن - خاصة ميناء عدن- تحت سيطرة الحكم البريطاني إلى أن استقل، وتم الإعلان عن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في جنوب اليمن، وظل اليمن يعيش عقودًا من التوترات إلى أن تمت الوحدة.
إضافة إلى ضعف السلطة المركزية، وتوافر السلاح للمواطنين، فبحسب إحصائية للإنتربول في 2013 تحتل اليمن المركز الثاني على مستوى العالم في عدد الأسلحة، ما يزيد من احتمالية تصاعد الصراعات، إضافة إلى ارتفاع نسبة الشبان الذين يُمكن الاستعانة بهم كمقاتلين، والطبيعة الجبلية الوعرة، مما يسهّل تخفي الجماعات المسلحة، ويصعِّب على الدولة مهمة تعقبهم.
فساد صالح والحوثي
أضف إلى ذلك محاولات الانفصال المستمرة التي تعانيها اليمن، فلم يقتصر الأمر على الحوثيين كجماعة دائمًا ما سعت إلى الانفصال، ولكن هناك "الحراك الجنوبي" الذي سعى أيضا لذلك، مع اختلاف الأساليب التي اتبعها كلا الفريقين، فالزيديون كان لديهم تخوف مستمر من خسارة حكمهم، ما دفع (بدر الدين الحوثي) لتأسيس حركة الشباب المؤمن للحفاظ على الهوية الزيدية، وانضم إليها عددٌ من الشبان ذوي المكانة الاجتماعية.
#2#
وتولى (حسين الحوثي) قيادة الحركة في 1997، وهو أحد أبناء بدر الدين الحوثي، ولديه مرجعية مكنته من قيادة الحركة، حتى انضم إليها 15 ألف شاب، وفي 2004 بدأ الصدام المسلح بين علي عبد الله صالح والحوثيين بذريعة تقاربه مع الولايات المتحدة، ما أسفر عن مقتل حسين الحوثي وعدد من أنصاره، وهو ما أدى إلى الدخول في ست جولات من الصدام المسلح بين الحوثيين وعلي عبد الله صالح، بدأت في 2004 وحتى 2010، إلى أن تطورت الأوضاع وسقطت العاصمة صنعاء في يد الحوثيين في 2014.
ولم يختلف الأمر بالنسبة للحراك الجنوبي، فتهميش الجنوب أثار استياء سكانه، خاصة بعد تدهور مستوى الخدمات بعد الوحدة، وارتفاع معدلات التضخم والفقر، ما دفع إلى بداية تنظيم عدد من المظاهرات والاحتجاجات في 2007م للمطالبة بالانفصال، وهو ما واجهته الحكومة بعنف، ما أسفر عن وقوع عدد من الضحايا، وارتفاع نسب الاعتقالات.
تدخلات إيران
ألقت خصوصية المجتمع اليمني بظلالها على الأحداث الأخيرة التي مرت بها اليمن، فحمل الحوثيين للسلاح ومواجهة الدولة لم يكن وليد اللحظة، ولكن نتيجة لتطورات امتدت عقودًا طويلة، حيث الدعم الإيراني كان محفزًا لإكمال الصورة التي وصلت إليها الأوضاع، وكان ذلك في الحقيقة نتيجة منطقية لعقود من الفساد والاستبداد في ظل حكم صالح، وفشل الدولة في إدارة التعددية.
وقد أدى وصول الحوثيين للعاصمة صنعاء واستيلاؤهم على الحكم إلى دفع قوات التحالف العربي بقيادة السعودية للقيام بهجمات جوية على مواقع الحوثيين، وصولا إلى الإعلان عن توقف عاصفة الحزم وبداية عملية إعادة الأمل لتقديم المساعدات الإنسانية وتدخل الأمم المتحدة لمحاولة وضع خطة سلام لإنهاء الأوضاع في اليمن.
دفع ذلك إلى التساؤل عن إمكانية إنهاء حالة الحرب، خاصةً في ظل ما تم من توصل إلى خطة سلام تم التفاوض حولها في العاصمة العمانية، التي تبلورت في قرار مجلس الأمن 2166 وينص على انتهاء الأعمال العدائية، وانسحاب كل من الميليشيات الحوثية والقوات الموالية لعلي عبد الله صالح من المدن اليمنية، وإعادة الأسلحة والمعدات العسكرية التي تم الاستيلاء عليها من الجيش اليمني، وتحويل الحوثيين إلى حزب سياسي، وإعادة الرئيس "عبد ربه منصور هادي" إلى السلطة، وهو ما كان حينها يُعد تطورًا واعدًا في مسيرة البحث عن حل للصراع المأساوي في اليمن، وفتح الباب أمام إيجاد تسوية سياسية للصراع الدائر في اليمن.
فقدان الثقة
لا يزال هناك من يؤمل أن تنفرج الأوضاع في اليمن، وأن تشهد حلا سياسيا للصراع، خاصةً في ظل تصاعد المؤشرات تؤكد التسوية المرتقبة، في ظل ما حققته القوات الموالية للحكومة وقوات التحالف العربي لمكاسب على أرض الواقع، ولكن هناك حالة من فقدان الثقة في التزام الحوثيين بتلك القرارات، خاصة بعد نقضهم للكثير من المواثيق، إضافة إلى ما قاموا به مسبقًا من عدم الالتزام باتفاقية السلام التي تم وضعها قبل ذلك بتوافق كل الفصائل داخل اليمن.
ولم تكن تلك العقبة الوحيدة أمام إنهاء حالة الحرب، بل كان هناك دومًا وجود علي عبد الله صالح، خاصة في ظل رفضه أي محاولة تُفضي إلى استقرار الأوضاع، إضافة إلى عدم دعمه لخطة السلام، ووجود قوات موالية له داخل الجيش يستعين بهم للانتقام من السياسيين.
ورغم تجدد القتال مرةً أخرى بين الحوثيين وقوات التحالف العربي بعد أن وصف البعض قبول الحوثيين بقرار مجلس الأمن 2216 بأنه خدعة ومناورة جديدة، ما دفع عبد الملك الحوثي إلى دعوة الحوثيين إلى الدخول في القتال مرة أخرى، وبالفعل بدأت الاشتباكات تتجدد، لكن تمكنت قوات التحالف العربية من تحقيق تقدم واضح، إلى أن تمت دعوة قوات التحالف العربي في 19 أكتوبر لاستئناف المشاورات، والدخول في جولة جديدة من المحادثات بشأن الأوضاع في اليمن.
مستقبل اليمن
رحبت السعودية والرئيس عبد ربه منصور هادي باستئناف المشاورات، إلى أن قام الحوثيون بقصف عشوائي لعدد من الأحياء السكنية بمدينة تعز، وسقوط الضحايا، ما دفع الرئيس اليمني إلى دعوة المجتمع الدولي لإدانة العدوان، وأعلن كذب وزيف الحوثيين، وأنهم ليس لديهم نية لتنفيذ قرار مجلس الأمن كما ادعوا، وتجددت الاشتباكات مرة أخرى بين الحوثيين وقوات التحالف العربي حتى دعت الأمم المتحدة إلى محادثات مرة أخرى.
ولا تزال الاشتباكات تتوالى، خاصةً مع تمكين القوات الشرعية المدعومة بآليات عسكرية من المساهمة في حفظ أمن عدن، وإعادة الشرعية للحكومة والرئيس اليمني عبر بوابة صنعاء.
وإجمالا، يُمكن القول إن مستقبل العملية السياسية في اليمن يتوقف على الحوثيين، ومدى رغبتهم في التخلي عن المسار المسلح، وتأييدهم لقرارات الشرعية الدولية التي تم التوصل إليها لتهدئة الأوضاع؛ والانصياع لإرادة الشعب بالتفاهم مع الحكومة الشرعية حول مستقبل اليمن لخير اليمن وأبنائه.