يا حسين ..
ربما يكون حسين عبد الغني قائد النصر، ثاني أفضل صفقة انتقال من ناد آخر في تاريخ النصر، بعد استقطاب فهد الهريفي من نادي النخيل، وعندما أتى الفتى الذهبي قبل أعوام للفريق العاصمي أحدث تحديا وتغييرا كبيرا في شكل الأصفر، يومها قال عامر السلهام مدير الصفقة: لدينا فريق شاب يحتاج إلى قائد خبير، وأظن أننا وجدنا ضالتنا في اللاعب الكبير.
جاء الظهير الأيسر النموذج في تاريخ الكرة السعودية، إلى مضارب بني الأصفر، وكان حلا، بل كان جزءا من الحل لفريق شاب يتلمس طريق العودة إلى مجده المفقود، أسهم، وعمل في الملعب وخارجه وتحول إلى أيقونة خاصة في المدرج الأصفر، فهل أصبح الآن جزءا من المشكلة لا الحل؟
ليست حادثة الطرد في مباراة ودية كافية لنقول ذلك، فبطاقة المغادرة الحمراء في أي مباراة جزء أصيل من اللعبة لا ينفصل عنها وجزء من تاريخ حسين ذاته، حدث يمكن تجاوزه وتفهمه باستيعاب تعقيدات اللعبة وظروفها وتوابعها، ولا يمكن إطلاق حكم عام بناء على تفصيل جزئي وحيد في القضية ذاتها. ولكن القضية الأهم أن عبد الغني نفسه لم يعد عبد الغني، افتقد لأبسط مميزاته، كراته اللولبية التي تصطاد رؤوس المهاجمين في فريقه وتتحول إلى أهداف في الخصوم انعدمت، قدرته على سد الطريق المارة به إلى مرمى فريقه ضعفت وأصبحت معبرا دائما للمنافسين، فماذا تغير؟!
إذا كان عبد الغني قد كبر - كما قد يقول قائل - فهذا سبب مشكوك في دقته، الظهير الأيسر الموهوب حقق أول دوري في تاريخه وهو ابن السابعة والثلاثين، وكان سببا مباشرا في تلك البطولة، وكرر الإنجاز في العام التالي بمساهمة أقل، ولكنه في العام الماضي لم يكن حسين خير من يروض الكرة ويأمرها فتطيع، عصته مرات وسخرت منه في مرات أكثر وأكثر، وثبت أنه بدنيا وذهنيا لم يعد كما قبل، وأن أجراس الرحيل تتعالى حوله.
العاطفيون المغموسون بالحب حتى أكعابهم، سيقولون إنه حسين لم يتغير ولم يتبدل، وأولئك يضرونه ولا يفيدونه، بعض العقلانيين يختارون الإنكار على حسين بالقلب أيضا ويمتنعون عن الإفصاح محبة وتقديرا، أما من يحبون حسين بقلوبهم ولا يلغون عقولهم فيقولون: يا حسين، لست حسيننا الذي نعرفه.
أصل المشكلة والحل، هو الاعتراف بوجودها، وذلك لا يعني أحدا بقدر ما يعني عبد الغني ذاته، وفهمه الحقيقي لكرة القدم وتغيراتها، كرة القدم لا تعرف من حسين إلا تاريخه حتى أمس، أما حاضره بدءا من اليوم فهو معني بكتابته، ولذلك على الرجل المسكون بالتحدي أن يعترف أولا أنه لم يعد كما كان ويبحث عن الحل.
اللاعبون العالميون عندما يكبرون، ويريدون الاستمرار، يبحثون في كرة القدم عن مكان أقل واجبات بدنية من أمكنتهم المعروفة، يتوافق وقدراتهم البدنية الحالية، الأسطورة مالديني على سبيل المثال ترك الظهير وتحول إلى قلب دفاع في آخر سنياته، وهو الذي اعتزل فوق الأربعين، الموهوب النادر يوسف الثنيان تحول من الجناح المرن إلى وسطي يدير الفريق بمخه أكثر من بدنه أواخر عمره الرياضي، وإذا أراد حسين الاستمرار فعليه أن يودع الركن الأيسر في الملعب ويتقدم خطوات للأمام ويعترف بأنه لم يعد اللاعب الذي سيتحمل جهد الـ 90 دقيقة كاملة كما سبق، وأنه لا بد أن يجلس بعضا منها على كنبة البدلاء، وإذا سفّه عبد الغني هذا الرأي، فليعلم أنه يسحب كل يوم شيئا من رصيده ولا يضيف إليه.
يا حسين.. لا يمكن الوقوف أمام عجلة الزمن، ومن يحاول ستطحنه، لكل مرحلة تغيراتها، وشكلها، وظروفها، إما الاعتزال، وإلا فالتغيير وفق المتغيرات، إني لك ناصح محب أمين.