فنزويلا (1)

أخيرا احتلت دولة فنزويلا الصدارة في الأخبار بعد الانهيار الاقتصادي، حيث إنها تعاني أسوأ انحدار في تاريخها.
وهذه الأزمة الاقتصادية في حد ذاتها ليست جديدة، فوفقا لورقة عمل صادرة عن جامعة هارفارد عام 1999، كانت فنزويلا تعتبر دولة نموذجية منذ الخمسينيات حتى أوائل الثمانينيات، حيث كانت إحدى الدول الأربع في أمريكا اللاتينية المصنفة من قبل البنك الدولي في فئة الاقتصادات فوق الدخل المتوسط، أيضا كانت فنزويلا مستقرة سياسيا وأقرب للوسط الديمقراطي في قلب منطقة مليئة بالأنظمة المتسلطة أو القلاقل السياسة.
وعند تاريخ كتابة الورقة (في 1998) أصبحت الدولة عكس ما كانت عليه، حيث تردت اقتصاديا خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات إلى مستويات متدنية من انهيار العملة وأزمة ديون في الثمانينيات إلى فوضى اقتصادية شاملة (ومتدرجة) في التسعينيات شملت ارتفاع معدلات التضخم بشدة وتذبذب النمو الاقتصادي (GDP) والاعتماد على تصدير النفط بشكل شبه مطلق، وتجمد الدخل الفردي وارتفاع مستويات البطالة ومعدل الدين العام على الرغم من تقليص الإنفاق الحكومي. وكنتيجة لما سبق انخفضت نسبة الأجور الفعلية Real Wages بأكثر من 70 في المائة عما كانت عليه من 20 سنة، وأصبح أكثر من ثلثي السكان يعيش في مستويات الفقر، والأدهى أن احتمالات الوقوع تحت خط الفقر على الرغم من الحصول على التعليم المدرسي (12 عاما) قفزت من 2.4 في المائة إلى 18.5 في المائة خلال 10 سنوات فقط، وذلك على الرغم من كون التعليم سلاحا ضد الفقر.
مضى نحو 18 عاما منذ صدور تلك الورقة البحثية، فأين فنزويلا اليوم؟
تعاني الدولة حاليا أسوأ منحدر اقتصادي في تاريخها.
أصبح من المعتاد عدم وجود الطعام عن الفرد العادي، وأصبحت ثلاثة أرباع متاجر السوبر ماركت خالية من الأطعمة وتتم مهاجمتها من العصابات بحثا عن الطعام.
أعلنت الحكومة حالة الطوارئ، حيث يتم نقل الطعام بعربات في حراسة مشددة!
طوابير طويلة للحصول على بعض الأرز والزيت والطهو.
لا تزال الدولة التي تعتمد على النفط وصناعاته بشكل رئيس، حيث يشكل أكثر من 50 في المائة من الناتج المحلي ونحو 95 في المائة من إجمالي الصادرات تعاني تبعات تغير الأنظمة السياسية والاقتصادية الفاشلة، وليس بسبب عدم محاولة الإصلاح.
فقد حاولت كل إدارة رئاسية منذ الثمانينيات تفعيل إصلاحات اقتصادية متنوعة من العلاج بالصدمة shock therapy والتدرج الاقتصادي gradualism والتفاوض مع الأحزاب المعارضة والدعم الحكومي للسلع direct subsidy وتطبيق التحكم في الأسعار price controls وفشلت جميع المحاولات في أن تحدث نجاحا مستمرا أو تنتج أي تغيير على الإطلاق. ومنذ الخمسينيات تمتعت البلاد بنمو متواصل ومستوى عال من الرفاهية المعيشية الذي استقطب عددا كبيرا من المهاجرين من الأقطاب المختلفة، فمثلا يشكل اللبنانيون المهاجرون نحو نصف مليون مهاجر من سكان البلاد.
وهنا يجدر بنا التوقف في المقال القادم عند بعض التفاصيل للتعرف على أسباب ما يحدث من أزمة اقتصادية مرعبة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي