«الـ 20» تراهن على الابتكار في إنعاش الاقتصاد العالمي

«الـ 20» تراهن على الابتكار في إنعاش الاقتصاد العالمي
الرئيس الصيني يلقي كلمة افتتاحية في قاعة المؤتمرات في هانغجو. تصوير: بندر الجلعود - «الاقتصادية»
«الـ 20» تراهن على الابتكار في إنعاش الاقتصاد العالمي
ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يتابع جلسات القمة في هانغجو. تصوير: بندر الجلعود - «الاقتصادية»

تأتي قمة الـ 20 هذا العام في الصين في وقت شديد الأهمية بالنسبة للاقتصاد العالمي الذي يعاني مشكلات حادة على أكثر من صعيد.

الصين وباعتبارها الدولة المضيفة، تسعى إلى أن تكون القمة الحالية امتدادا للنمط الفكري الذي هيمن دائما على توجهات القمم السابقة للمجموعة، وهو الدفاع عن الحرية الاقتصادية وحرية التجارة العالمية، إلا أنها ترمي أيضا إلى أن تكون القمة مميزة وتاريخية وهو ما تبدى في شعار القمة "نحو اقتصاد عالمي ابتكاري ونشط ومترابط وشامل".

الشعار الذي يجعل من "الابتكار" عنوانا ليس فقط لمرحلة اقتصادية جديدة، وإنما حجر الأساس لإنعاش الاقتصاد الدولي، يطرح عديدا من التساؤلات التى تتمحور في أغلبها حول تفاصيل تلك الرؤية لاقتصاد عالمي ابتكاري، وأيضا ما يتعلق بقدرة المجموعة الدولية على الاستثمار في مجال البحث والتطوير.

وأوضح لـ "الاقتصادية"، الدكتور ستيورت هنري أستاذ المنظمات الدولية في جامعة كينت، أنه وفقا للبيانات الدولية فإن الاستثمار في مجال البحث والتطوير في 19 دولة عضو في المجموعة يمثل نحو 87 في المائة من الإجمالي العالمي، وعدد الباحثين في دول المجموعة لكل مليون شخص يبلغ 2.09 وذلك ضعف المستوى العالمي، كما أن رسوم الملكية الفكرية فيها تمثل 76 في المائة تقريبا من الإجمالي الدولي، وفي الحقيقة فإن المجموعة هي أهم تكتل تكنولوجي في العالم.

وأضاف هنري أن تلك القدرات تتفاوت بين بلدان المجموعة، والأمر يتطلب إيجاد آلية ذات طابع مؤسسي لضمان استفادة دول المجموعة كافة من تلك الإمكانات الابتكارية المتاحة لديها.
من جهته، قال لـ "الاقتصادية"، البروفيسور جون هاريسون أستاذ الاقتصاد الدولي، إن القمة من خلال تركيزها على حلول ابتكارية للاقتصاد العالمي يجب ألا تقف عند حدود الإمكانات المادية فلا بد من طرح رؤية اقتصادية جديدة لكيفية العبور بالاقتصاد الدولي من وضعه الراهن.

ومن هذا المنطلق يؤكد هاريسون أن المراهنة على عمل جماعي واحد مشترك وتفصيلي وملزم لدول المجموعة يتضمن درجة عالية من التفاؤل لا توجد له أسس واقعية، فعلى سبيل المثال استبق أوباما القمة بتوجيه تحذيرات للصين حول سلوكها في بحر الصين الجنوبي، وبعيدا عن الرسميات والابتسامات فلا شك أن تصريحا من هذا القبيل سيسمم الأجواء نسبيا.

ويستطرد هاريسون قائلا: لكن هذا لا يمنع من وجود أشكال من التعاون متعدد الشركاء دون أن يضم الأعضاء كافة، فمثلا الصين وبما تملكه من قدرات اقتصادية عملاقة تدفع بعديد من المختصين الغربيين إلى القول بأن القرن الحالي سيصطبغ بملامح صينية بامتياز، يمكنها التعاون مع السعودية باعتبارها قوة اقتصادية إقليمية ذات أبعاد دولية نتيجة هيمنتها على سوق النفط العالمية، وهذه القمة تحديدا ستشهد هذا النوع من العلاقات، خاصة في ظل الأطروحات الاقتصادية لولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي سيشارك في القمة، التى ستسمح له بالاتصال المباشر مع القادة الدوليين. وأشار هاريسون إلى أنه على الرغم من أن "الرؤية الاقتصادية" لولي ولي العهد قد حظيت بقبول ودعم دولي واسع النطاق، إلا أن القمة في ظل شعارها الراهن بالبحث عن حلول ابتكارية لإخراج الاقتصاد الدولي من أزمته، ستمثل الأطروحات السعودية نموذجا لبعض الحلول الابتكارية لتطوير الاقتصادات المحلية في البلدان الناشئة من خلال كسر أنماط الاقتصاد التقليدي، معتبرا أن دمج الأفكار السعودية رغم طابعها المحلي مع الإمكانات الصينية بقدرتها الدولية سيتيح فرصة لتوسيع نطاق التعاون في مراحل لاحقة لتأخذ طابعا أكثر اتساعا وشمولا يتجاوز الرياض وبكين.

لكن هذا المنطق الاقتصادي المحض للتعامل مع المجموعة يواجه تحديا حقيقيا في ضوء المشكلات السياسية الراهنة بين الأعضاء، حيث تبدو سماء القمة ملبدة بغيوم الخلافات السياسية بين الصين وأعضاء آخرين وبين روسيا والبلدان الأوروبية والولايات المتحدة بشأن عدد من القضايا الدولية الشائكة.
#2#
وتعتقد الباحثة تريسي هيلتون أن مصلحة المجموعة تكمن في الإبقاء عليها ناديا لأهم اللاعبين الاقتصاديين في العالم، وأن تتفادى التطرق إلى المشكلات السياسية.
وتضيف هيلتون لـ "الاقتصادية"، أنه ما من شك أن السياسة تؤثر في الاقتصاد، فالخلاف الروسي - الأمريكي - الأوروبي حول أوكرانيا وضم موسكو لشبه جزيرة القرم، استتبعته عقوبات اقتصادية فرضت على روسيا، كان لها تداعيات سلبية على الاقتصاد الروسي، لكن إدراج المسائل السياسية الخلافية على جدول أعمال قمة الـ 20، سيؤدي حتما لمناقشات سياسة عقيمة تستنزف الوقت وتستهلكه على حساب مناقشة القضايا المالية، وسبل التحول الهيكلي للمنظومة الاقتصادية، وكيفية مكافحة التهرب الضريبي. لكن حصر جدول أعمال القمة في الشأن الاقتصادي، لا يعد ضمانة في نظر البعض على تحقيق النجاح المنشود، فالخلافات الاقتصادية وإن كانت أقل حدة ووضوحا بين المشاركين من خلافاتهم السياسية، فإن تباين الرؤية الاقتصادية يمكن أن يعصف بالكثير من أوجه التعاون المبتغاة ويقلصها.

ويبدي عديد من المختصين الغربيين اعتراضهم صراحة على ما يصفونه بالدور الذي تتبرع الصين في القيام به دائما وتصوير اقتصادها الوطني ضحية العولمة، ويتهم هؤلاء بكين بإغلاق أسواقها في وجه الاستثمارات الدولية بينما تعد هي أكبر مستثمر في العالم.
لكن بعض المختصين يعتقدون أن الصين ستسعى بكل السبل الممكنة لنزع أي اعتراضات دولية على سلوكها الاقتصادي وتفادي أي قضايا جدلية قد تعكر صفو القمة. يقول لـ "الاقتصادية"

سيمون كيربي دبلوماسي سابق، إن الصينيين أظهروا مهارة عالية تؤشر على نجاح القمة قبل أن تنطلق، فقبل ساعات من الافتتاح ألقى الرئيس الصيني شي جين بينج كلمة أمام منتدى للأعمال، وضع فيها إطارا للقمة التى يصعب أن يختلف فيها أحد معه وهو مسار التنمية السلمية، وتلك رسالة إلى واشنطن ودول الجوار بأن الصين ستحل جميع الخلافات الثنائية بصورة سلمية. وأشار كيربي إلى أن الجانب الثاني يتمثل في أن بكين، وقبل يوم واحد من القمة، أزالت الانتقادات الدولية التي تتعرض لها في قضية الانبعاثات الكربونية بالتوقيع على اتفاقية باريس للمناخ، وبذلك ضمنت إلى حد كبير تحييد لوبي البيئة العالمي، فلا يستطيع استخدام مناسبة دولية مثل قمة الـ 20 لشن هجوم على الصين بشأن الانبعاثات الكربونية، وفتح ملف الصناعات الصينية الملوثة للبيئة، والضغط على بكين لإغلاق المزيد من المصانع.

ويؤشر ذلك على حرص السلطات الصينية على أن تنصب القمة على القضايا غير الخلافية التي تحظى بقبول واتفاق عام. إذ سيرسخ هذا النهج رغبة بكين في أن تؤهلها القمة لتتويج لقيادة الاقتصاد العالمي، الذي يتطلب في ظل ظروفه الراهنة البحث عن نقاط الاتفاق والتعاون، بدلا من التطرق لجوانب الخلاف والشقاق، ولربما يدفع ذلك إلى أن تكون قضية التهرب الضريبي إحدى النقاط التي سيتطرق إليها الزعماء الدوليون خاصة الرئيس الأمريكي ورئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي، إذ سيتم تعزيز تبادل المعلومات الدولية بشأن التهرب الضريبي وخاصة بعد ما بات يعرف بـ "وثائق بنما".

إلا أن البعض يخشى من أن تلقي قضية فرض الاتحاد الأوروبي ضرائب متأخرة على عملاق التكنولوجيا الأمريكية شركة "أبل" ضرائب متأخرة بقيمة 14.5 مليار دولار بظلالها على قضية التهرب الضريبي، باعتبار أن مسألة التهرب الضريبي تشوبها شوائب سياسية.

الأكثر قراءة