خطيب عرفة: العالم ابتلي في هذا العصر بآفة الإرهاب

خطيب عرفة: العالم ابتلي في هذا العصر بآفة الإرهاب
من صلاتي الظهر والعصر في عرفات أمس. «واس»

أكد الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي أن أمن الحرمين وسلامة الحجاج خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها برفع شعارات سياسية أو نعرات طائفية، محذرا من تكدير صفو شعائر ومشاعر البلد الحرام.
ودعا في خطبة عرفة أمس في مسجد نمرة قادة الأمة الإسلامية إلى توحيد كلمتهم والابتعاد عن أسباب الفرقة والشتات.
وأكد أنه على القادة المسلمين أن يستشعروا عظم الأمانة والمسؤولية وأن عليهم معالجة كل ما يطرأ من مسببات الفرقة والاختلاف بالاحتواء والحوار والإنصاف ورفع الظلم عن المظلومين، لافتا إلى أن العدل قاعدة الشرع الحميدة وهو الميزان المستقيم ورسالة المرسلين وأمر رب العالمين.
وأضاف: "أمتنا المسلمة اليوم تمر بظروف صعبة من تاريخها تلتزم منا شعوبا وقادة في دول العالم الإسلامي تضامنا في قلوبنا ومشاعرنا وتنسيقا في مواقفنا وتصوراتنا وتكاملا في جهودنا لمواجهة مشكلاتنا وقضايانا، وعلى رأسها قضية فلسطين والمسجد الأقصى المبارك ومأساة إخواننا في بلاد الشام والعراق واليمن وغيرها، وإننا أحوج ما نكون للحوار طريقا لمناقشة قضايانا والتناصح بالخير سبيلا لتعزيز أخوتنا، وإن علينا أن ندرك أن إصلاح مجتمعاتنا وحفظ أمن أمتنا ووحدتها وصيانة مقدراتها منوط بتعاون الشعوب مع قادتهم والرعايا مع رعاتهم وبالالتفاف حولهم ".
وذكر أن الإسلام أرسى قيمة العدل في كل نظمه وتشريعاته لأن فيه قوام البشرية وصلاحها وسعادتها وفيه خيرها وهدايتها وفلاحها، وبالعدل يكثر الخير ويعم النماء وتطمئن نفوس الخلق وتستقر أحوال الناس.
وأشار إلى أن من فضل الله على هذه البلاد أن هيأ لها قيادة حكيمة تشرفت بخدمة الحرمين الشريفين ورعايتهما، ووفرت منظومة متكاملة من الخدمات والتسهيلات وبذلت الغالي والنفيس لينعم قاصدوهما بالأمن والأمان ويوأدوا مناسكهم بكل يسر وسهولة واطمئنان، سائلا الله أن يجزي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، ويبارك في مساعيه، وأن يوفقه ونائبيه وأعوانهم.
ونوه الشيخ السديس بجهود رجال الأمن البواسل، الذين يبذلون جهودا عظمى في الحفاظ على أمن الحرمين الشريفين وأمن قاصديهما، والحفاظ على الثغور والحدود، داعيا الله أن يجزيهم خيرا ويبارك في جهودهم، وأن يسددهم في القول والعمل، وأن يجعل مساعيهم مساعي خير وصلاح، وأن يعظم أجورهم ومثوبتهم.
وأشاد بجهود العاملين في خدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما والإفتاء، والعاملين في شؤون الدعوة والإرشاد والصحة وغيرها من المجالات كافة.
وأوضح أن العالم ابتلي في هذا العصر بآفة الإرهاب الذي عم شره الأمم والأعراق ولا يمكن أن ينسب لأمة، مشيرا إلى أن الأمة الإسلامية ابتليت ببعض أبنائها الذين أغوتهم الشياطين فصرفتهم عن منهج الإسلام المعتدل. وقال مخاطبا الشباب "إن من عظيم ما ابتلي به العالم في عصرنا هذا صور من الإفساد في الأرض متمثلة في آفة الإرهاب الذي عم شره أمما شتى وأعراقا مختلفة ومذاهب متعددة لا يمكن أن ينسب إلى أمة أو دين أو ثقافة أو وطن أو تلصق تهمة الإرهاب بالإسلام، ومن ذلك ما ابتليت به أمة الإسلام من بعض أبنائها وشبابها الذين أغوتهم الشياطين وتنكبوا الصراط المستقيم فصرفتهم عن منهج الإسلام المعتدل فسارعوا إلى التكفير الذي هو وبيل العاقبة، ومما تتصدع القلوب المؤمنة وتفزع منه النفوس المسلمة، لقد كفّروا المسلمين واستباحوا دماءهم المعصومة وخفروا الذمم المحرمة وسعوا في الأرض بالفساد تدميرا وتفجيرا وقتلا للأبرياء وترويعا للآمنين من المسلمين وغير المسلمين وصموا آذانهم عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع علماء الأمة التي تحرم هذه الأعمال الخبيثة والأعمال المنكرة".
وأشار إلى أن الله شرف الإنسان وأكرمه في استخلافه في الأرض، مبينا أن هذا الاستخلاف قائم على أساس الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحقيق العدل بين الناس، حيث أرسل الله الرسل تترى لأداء هذه المهمة العظيمة وإقامة الحجة على الناس، "رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل" وأيدهم ربهم بالآيات البينات الدالة على صدقهم.
ولفت الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس إلى أن الإسلام جاء بدين الحق الذي لا يجوز أن يرتاب فيه مسلم وهو الدين الذي لا يقبل الله دينا غيره، مشيرا إلى أن نبي الأمة عليه الصلاة والسلام جاء ليحث الناس على الخير والصلاح والنجاة والفلاح.
وقال إن نبيكم صلى الله عليه وسلم وقف هذا الموقف العظيم وخطب عليه الصلاة والسلام في مثل هذا الموقف خطبة عظيمة أرسى فيها قواعد الإسلام وهدم مبادئ الجاهلية وعظم حرمات المسلمين، خطب الناس وودعهم بعد أن استقر التشريع وكمل الدين وتمت النعمة ورضي الله هذا الإسلام دينا للإنسانية كلها.
وأكد أن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ألقى في هذا اليوم المبارك كلمات جامعة موجزة ترسخ المبادئ الكبرى لهذا الدين فثبت عليه الصلاة والسلام في نفوس المسلمين أصول الديانة وقواعد الشريعة ونبه بالقضايا الكبرى على الجزئيات الصغرى، ولقد جاهد عليه الصلاة والسلام من أجل إخراج الناس من الظلمات إلى النور لتولد بإذن ربه أمة جديدة ذات أهداف واضحة ومبادئ سامية فهداهم من ضلال وجمعهم بعد فرقتهم وعلمهم بعد جهل.
وأشار إلى أن رسول الهدى محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم أعلن في خطبة الوداع حقوق الإنسان وحدد معالم الحريات وأسس منطلقات الكرامة الإنسانية لبني البشر.
وذكر أن الإسلام حفظ للإنسان ضرورياته الخمس التي لا تقوم الحياة إلا بها فحرم الاعتداء على دينه ونفسه وماله وعرضه وعقله وذلك ليعيش آمنا مطمئنا يعمل لدنياه وآخرته ويعيش المجتمع كله في تماسك كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، ليصلح بذلك حال الناس وتستقيم أمورهم، كما أوصى عليه أفضل الصلاة والتسليم في خطبته العظيمة بالمرأة المسلمة خيرا وأبان حقوقها وواجباتها وما لها وما عليها.
وأضاف "لقد بين الإسلام أن الناس متساوون في التكاليف حقوقا وواجبات لا فرق بين عربي ولا عجمي إلا بالتقوى لا تفاضل بالنسب ولا تمايز في لون".
وأكد الشيخ السديس أن الإسلام انفرد بنظامه الاقتصادي المتميز الذي راعى فيه بين حاجات الناس البشرية ومتطلباتهم الفطرية بتوازن ليس له نظير، مشيرا إلى أن الإسلام وضع أسسا واضحة المعالم للتعاملات المالية القائمة على الصدق والعدل والإحسان والناهية عن الظلم والجهل والغرر والغش والخداع.
وقال إن الإسلام حرم الربا ونهى عن أكل أموال الناس بالباطل، موضحا أن لقاعدة التكافل الإسلامي مكانة بارزة في المجتمع المسلم فهو لا يقف عند النفع المادي بل يتعداه إلى جميع حاجات المجتمع أفرادا وجماعات مادية كانت تلك الحاجات أو معنوية.
وأشار إلى أن الإسلام يشمل أوجه البر والخير كلها، وحث على بر الوالدين والإحسان إليهما، ونهى عن قطيعة الرحم وجاء الوعيد الشديد على ذلك، وحث على حق الجوار "والجار ذي القربى والجار الجنب"، وحفظ الإسلام النفوس وصان الدماء وجعل من ذلك قضية من أخطر القضايا فنهى الإسلام عن الثارات وعالج كل ما يطرأ بين الأفراد من مشكلات بحدود وأشكال شرعية واضحات ومحكمات مسلمات تردع المجرمين وتأخذ على أيدي المفسدين وتقيم العدل في الأرض وأمرهم بالالتزام بتلك الأحكام العظيمة.
ولفت الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي إلى أن الإسلام جاء بالمنهج الوسط القائم على حفظ المصالح ودرء المفاسد، ودعا إلى البناء والتنمية والأخذ بكل أسباب التقدم والتطور وجمع بين الأصالة والمعاصرة، ونهى عن كل مسالك الفساد والإفساد وجعل مصالح الأمة العليا فوق كل اعتبار ورتب الوعيد الشديد في الدنيا والآخرة على من تجاوز تلك المصالح أو عبث بأمن الأمة واستقرارها ومقدراتها ومكتسباتها، ونهى عن التعدي عليها.
وأفاد الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس بأن الإسلام جاء بإعزاز شريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لافتا إلى أن الإسلام دين المعاملة ودين الإنصاف والرحمة ودين السلوك القويم والتصرف الراشد السليم، وأن الإسلام انتشر من خلال المعاملة الحسنة المتمثلة في القيم التي أسسها الإسلام واتصف بها أبناؤه من العدل والإحسان والصدق والأمانة ومكارم الأخلاق، منبها إلى أن القدوة الصالحة الحسنة أمر بالغ الأهمية في بناء الإسلام الأخلاقي ومنطلقاته السلوكية.
وأضاف "الله الله في تسخير الإعلام ووسائله ومواقعه في نصرة الدين والدفاع عن الإسلام وبيان محاسنه والتزام الكلمة والأمانة ومصداقية الحرف وأمانة الكلمة والتزام الحقيقة والموضوعية والبعد عن الإثارة والشائعات والبلبلة، اجعلوها تبني ولا تهدم وتجمع ولا تفرق وتقوي ولا تضعف، حجاج بيت الله الحرام إنكم في البلد الحرام فاستحضروا عظمته وحرمته فلقد اختص الله سبحانه وتعالى هذا البلد الحرام بخصائص ليست لغيره فهو آمن حرام إلى يوم القيامة ومن دخله كان آمنا".
ونبه الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي شباب الإسلام إلى أن عليهم مسؤولية عظيمة، فهم عماد الأمة ومستقبلها، محذرهم من كل طريق يوصل إلى تفريق الصف واختلاف الكلمة وتمزيق الشمل، مضيفا "اعلموا أن عوامل الزيغ والضلال في الأمة هي الطامة العظمى، والبلية الكبرى التسارع في تكفير أهل القبلة، لقد حذر نبيكم صلى الله عليه وسلم بأعظم الزواجر وأبلغ المواعظ من ذلك الإثم العظيم".
ودعا شباب الإسلام إلى إحاطة أنفسهم بتقوى الله في كل حين وبسلاح العلم والمعرفة والرجوع إلى علماء الأمة والأخذ عنهم بالأدلة والبراهين الواضحة، وأن المؤمل فيهم عظيم وأن يظهروا للعالم محاسن دينهم وسماحته ورحمته وأخلاقه، حاثهم بأن يكونوا خير أمة وأن يستغلوا أوقاتهم وأن يوجهوا طاقاتهم إلى ما فيه خير الأمة وعز الإسلام ونفع دنياهم وأخراهم.

الأكثر قراءة