العمل المصرفي في السعودية.. من الهيمنة الأجنبية إلى المصارف الوطنية

العمل المصرفي في السعودية.. من الهيمنة الأجنبية إلى المصارف الوطنية

قبل 90 عاماً من الآن بدأت كتابة أول فصول تاريخ العمل المصرفي الحديث في السعودية، عندما فتحت الشركة التجارية الهولندية أول فروعها في مدينة جدة في عام 1926.
افتتحت الشركة التجارية الهولندية فرعها الأول في عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن، وذلك إثر زيارة الأمير فيصل بن عبدالعزيز (نائب جلالة الملك في الحجاز آنذاك) إلى هولندا، في مهمة دبلوماسية إلى أوروبا شملت أيضا بريطانيا وفرنسا.
ركزت الشركة التجارية الهولندية في بدايات نشاطها عبر فرعها الأول في مدينة جدة، ثم فرعها الثاني في مدينة مكة المكرمة (افتتح عام 1927) على تقديم الخدمات المالية للحجاج القادمين من إندونيسيا.
ولأن هذه الشركة كانت المصرف الوحيد العامل في المملكة آنذاك، فقد كانت تؤدي دور البنك المركزي، من خلال احتفاظها باحتياطي الحكومة من الذهب، وقدمت كذلك المشورة لها لسك أول عملة نقدية مستقلة للمملكة في عام 1928.
كما تسلمت الشركة التجارية الهولندية في عام 1933 عوائد أول عملية بيع للنفط، الذي بدأت المملكة بيعه في ذلك العام بعد توقيعها عقداً مع شركة (ستاندرد أويل) لاستخراج النفط من أراضيها.
تحولت الشركة التجارية الهولندية إلى ما بات يعرف اليوم البنك السعودي الهولندي، ولهذا التحول قصة أخرى ضمن فصول تاريخ العمل المصرفي في المملكة، حصلت بعد نحو خمسة عقود من مرحلة التأسيس، عندما قررت الحكومة السعودية "سعودة" المصارف العاملة في البلاد، منتصف السبعينيات من القرن الماضي.
واقع سيطرة المصارف الأجنبية على النشاط المالي والمصرفي في المملكة، شجع الحكومة السعودية، على دعم فكرة تأسيس أول مصرف بملكية سعودية كاملة.
تأسس البنك الأهلي التجاري في عام 1953 بموجب مرسوم ملكي، في شكل شركة تضامنية (صالح وعبدالعزيز كعكي وسالم بن محفوظ) وكانت هذه الشركة تعمل منذ عام 1948 في الصيرفة، إلى أن حُولت إلى بنك مركزه الرئيس مدينة جدة.
أطلق البنك نشاطه برأسمال بلغ 30 مليون ريال، أو ما يعادل نحو ثمانية ملايين دولار أمريكي، وبدأ يتولى معظم العمليات الحكومية المحلية.
وقال لـ"الاقتصادية"، الدكتور عبدالعزيز الدغيثر، مستشار المصرفية الإسلامية: "إن نشأت المصارف الفعلية في المملكة بدأ مع اكتشاف النفط، والارتفاع اللاحق في إيرادات النفط في أعقاب الحرب العالمية الثانية".
وأشار الدغيثر إلى أن الحكومة السعودية سمحت في ذلك الوقت لعدد كبير من المصارف الأجنبية بفتح فروع لها في المملكة، وهي بنك هولندا العام، وبنك الهند - الصينية، والبنك العربي المحدود، والبنك البريطاني للشرق الأوسط، والبنك الأهلي الباكستاني، إضافة إلى عدد من الصيارفة المحليين.
وأضاف "بدأ النظام المصرفي مساره الحديث مع نشأة مؤسسة النقد العربي السعودي في عام 1951م. وفي العام التالي تم السماح لعدد من المصارف الأجنبية الجديدة بفتح فروع لها بالمملكة، كما تم ترخيص إنشاء مصرفين محليين كبيرين هما البنك الأهلي التجاري وبنك الرياض".
وأوضح الدغيثر أنه في فترة الستينيات الميلادية تركز الاهتمام على وضع وصياغة الأنظمة واللوائح المصرفية في ظل اتساع الأعمال المصرفية، وقبول المملكة إمكانية تحويل الريال بالكامل، ثم إصدار نظام مراقبة المصارف الذي منح مؤسسة النقد العربي السعودي صلاحيات رقابية واسعة.
وأكد أن نظام مراقبة المصارف خدم المملكة بصورة جيدة لما يربو على ثلاثة عقود، لأنه تضمن أحكاماً صارمة بخصوص كفاية رأس المال، والسيولة ومتطلبات الاحتياطي، وتركز القروض وغير ذلك، مضيفاً: "نص النظام على أنه يتعين على المصارف تقديم بيانات وإحصائيات مالية دورية للمؤسسة، وأن تمارس المؤسسة الرقابة المصرفية من داخل المصارف وخارجها".
وذكر الدغيثر في عام 1975 تحول البنك الأهلي الباكستاني إلى شركة مساهمة باسم بنك الجزيرة، وتبنت الدولة بعدها سياسة جديدة تواكب النمو القوي في الاقتصاد الوطني في تلك الفترة، تقتضي المشاركة السعودية في المصارف الأجنبية العاملة في المملكة.
وأوضح أن تطبيق السياسة الجديدة اقتضى تحويل فروع المصارف الأجنبية إلى شركات مساهمة تتداول أسهمها مـن قبل الجمهور، على أن تكون غالبية حقوق الملكية لمساهمين سعوديين.
وقال الدكتور الدغيثر: "أدى هذا البرنامج، الذي تم تطبيقه تدريجياً خلال فترة ثمانية أعوام، إلى تعزيز رأسمال المصارف إلى المستوى الملائم لمواكبة التوسع الكبير في المتطلبات المتزايدة للأعمال المصرفية، إضافة إلى إتاحة الفرصة للاستفادة من الخبرات والتقنية الأجنبية".
وأضاف: "كما استفادت المصارف الأجنبية لإمكانية حيازتها لحصص كبيرة في المصارف المحلية، إضافة إلى حصولها على عقود الإدارة. وبحلول العام 1980، كان لعشرة مصـارف، من أصل 12 مصرفاً في المملكة، حصة مشاركة أجنبية كبيرة".
وأشار إلى أن عملية توطيد النظام المصرفي استمرت على نحو أفضل مع اندماج بعض المصارف. ففي العام 1997 اندمج بنك القاهرة السعودي والبنك السعودي التجاري المتحد تحت اسم البنك السعودي المتحد، الذي اندمج بدوره فيما بعد مع البنك السعودي الأمريكي في عام 1999.
وأكد الدغيثر أن المصارف السعودية أظهرت منذ نشأتها قوة كبيرة للمنافسة باحترافية فاقت التوقعات، ومع ذلك فالمطلوب منها مضاعفة الجهد في ظل الظروف الممتازة لها والبيئة الاستثمارية الرائعة بدعم مؤسسة النقد، ومنع افتتاح مصارف منافسة مع استيعاب السوق.

الأكثر قراءة