نجاح السندات السعودية يطفئ نيران الخوف من عصر النفط الرخيص
هبطت تكلفة التأمين على الديون السعودية ضد مخاطر التخلف عن السداد إلى أدنى مستوياتها هذا العام وقفزت أسهم البنوك السعودية أمس في مؤشر على أن إصدارا عملاقا لسندات بقيمة 17.5 مليار دولار خفف إلى حد ما الشكوك في قدرة المملكة على التكيف مع عصر النفط الرخيص.
وكانت العملة وسوق الأسهم السعودية قد تعرضتا لضغوط عنيفة هذا العام إذ راهن المستثمرون على أن تقلص إيرادات النفط قد يزج بالاقتصاد في براثن الكساد وربما يدفع في نهاية المطاف إلى التخلي عن ربط الريال بالدولار الأمريكي.
لكن مصرفيين ومتعاملين يقولون إن الطلب الهائل الذي اجتذبه أول إصدار للحكومة السعودية من السندات الدولية الأربعاء -وهو الأكبر من نوعه على الإطلاق لسوق ناشئة- يدفع بعض المضاربين إلى تقليص رهاناتهم أو التخلي عنها كلية.
وقال متعامل في أدوات الدين في لندن "كثير من صناديق التحوط سجلت مراهنات مضاربة على السعودية بسبب القضايا المعروفة مثل قصة التخلي عن ربط العملة حيث كان الجميع يعتقدون أن السعوديين سيضطرون لفك ربط عملتهم بالدولار."
ومضى قائلا "من الواضح أنه جرى تفكيك مثل هذه المراكز إلى حد ما الآن لأن الإصدار صادف نجاحا كبيرا."
وهبطت تكلفة التأمين على ديون السعودية لخمس سنوات بواقع عشر نقاط لتصل إلى 132 نقطة اليوم مما يعني احتمالا بنسبة تسعة بالمئة لحدوث تخلف سيادي عن سداد الديون خلال السنوات الخمس المقبلة.
ومع ذلك ظلت تكلفة التأمين على ديون السعودية أعلى من مثيلاتها على ديون الفلبين التي بلغت 113 نقطة. وحتى منتصف عام 2015 كانت تكلفة التأمين على ديون السعودية تحوم حول 60 نقطة.
بيد أن هناك مؤشرات أيضا على انحسار التوترات في أسواق أخرى غير سوق التأمين على الديون. فقد انتعش مؤشر أسهم البنوك السعودية 3.5 بالمئة اليوم بعد أن هوى أكثر من 20 بالمئة منذ أبريل نيسان وسط مخاوف من تدهور نوعية القروض جراء تباطؤ الاقتصاد.
وتحسنت معنويات أسواق السندات في شتى أنحاء المنطقة حيث انخفض العائد على السندات السيادية القطرية التي تستحق في يونيو حزيران 2021 بواقع خمس نقاط أساس منذ يوم الثلاثاء.
وبعد أن جاء التسعير في نطاق أضيق من المتوقع ارتفعت السندات السعودية بشكل أكبر في السوق الرمادية اليوم إذ صعدت حوالي عشر نقاط أساس نظرا للطلب الهائل عليها.
يرجع جزء كبير من الطلب على السندات السعودية إلى نزول أسعار الفائدة العالمية إلى مستويات شديدة الانخفاض وإلى جبال الأموال الخاملة وليس إلى توقعات بتعافي الاقتصاد السعودي الذي قد يظل راكدا لعدة سنوات على الأقل بينما تعكف المملكة على التصدي لعجز الموازنة.
وقد حذر صندوق النقد الدولي هذا الأسبوع من أن مصدري النفط في الخليج بما فيهم المملكة العربية السعودية يواجهون مخاطر لا يستهان بها.
لكن إصدار السندات هذا الأسبوع سيعود بالنفع على المملكة من عدة أوجه. فمن خلال إيجاد مصدر جديد للتدفقات الدولارية -حيث يتوقع المصرفيون إصدارا سياديا آخر العام المقبل- ستخفف السندات الضغوط لخفض قيمة الريال.
كما أن إصدار هذا الأسبوع قد يكفي وحده تقريبا لسد العجز الحالي في ميزان المعاملات الجارية السعودي العام المقبل الذي يقدره صندوق النقد بنحو 17.7 مليار دولار.
ثانيا، ستتيح السندات للسعودية إبطاء وتيرة السحب من أصولها الأجنبية لسداد التزاماتها وهو لب ضغوط المضاربة على الريال.
وتقدر مونيكا مالك كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري أن عملية السحب الشهري ستتباطأ لتصل إلى متوسط ما بين 3 و3.5 مليار دولار شهريا في عام 2017 مقارنة مع 6.8 مليار دولار شهريا منذ بداية هذا العام.
وبلغ صافي الأصول الأجنبية لدى مؤسسة النقد السعودي 554 مليار دولار في أغسطس آب مما يعني ضمنيا أن من شأن برنامج إصدار ضخم للسندات الأجنبية أن يمنح السعوديين متنفسا لعدة سنوات على الأقل للحد من اعتماد اقتصادهم على صادرات النفط.
وربما يمنح إصدار هذا الأسبوع دفعة أيضا للاقتصاد المحلي. فأسعار الفائدة على القروض آخذة في الارتفاع هذا العام مع تقلص السيولة المالية جراء انخفاض تدفقات دولارات النفط وهو أمر يضر بالنمو في القطاع الخاص.
ويتوقع المصرفيون إيداع جزء على الأقل من حصيلة الإصدار البالغة 17.5 مليار دولار لدى البنوك المحلية خلال الشهور المقبلة مما يمنحها مجالا أكبر للإقراض وربما يحد بشكل مؤقت من المسار الصاعد لأسعار الفائدة. وقد تنحسر الضغوط على أسعار الفائدة بشكل أكبر مع استغلال الشركات السعودية لإصدار السندات السيادية كمرجع قياسي لتدبير أموال من الخارج بدلا من السوق المحلية.
وتضررت أسهم البنوك هذا العام جراء المخاوف من تعثر القروض في قطاع التشييد حيث أجلت الحكومة سداد مستحقات الشركات لعدة شهور مما سبب مصاعب جمة لبعض هذه الشركات.
وفي مقابلة تلفزيونية عقب إصدار السندات مباشرة قال وزير المالية إبراهيم العساف إن المدفوعات للشركات سترتفع الآن. ولم يخض في تفاصيل لكن مونيكا مالك قالت إن جزءا من حصيلة السندات قد يستخدم في دعم المدفوعات.