اللآلئ من المحيط إلى مانهاتن

جغرافيًّا تصنف بولينيسيا بأنها مجموعة من الجزر المتناثرة في منطقة Oceania (أو أوقيانوسيا حسب جوجول).
في مطلع السبعينيات باع "جان كلور بروييه" وهو مليونير فرنسي مجموعة أعماله في قطاع الشحن واشترى إحدى جزر بولينيسيا ليعيش فيها مع زوجته التاهيتية الشابة.
في بداية الحرب العالمية الثانية 1939 هرب تاجر الألماس الإيطالي جيمس أسايل من أوروبا إلى كوبا ليبدأ حياة ومعيشة جديدة وكان الجيش الأمريكي آنذاك في حاجة إلى ساعات مقاومة للماء، ومن خلال علاقاته في سويسرا تمكن "أسايل" من تلبية هذا الاحتياج.
وكان انتهاء الحرب العالمية نهاية أيضا لصفقته مع الجيش الأمريكي وفي حوزته مخزون كبير من الساعات السويسرية.
وكان اليابانيون في حاجة إلى ساعات لكن ينقصهم المال لشرائها وكان لديهم الكثير من اللؤلؤ فتمت مبادلة الساعات باللؤلؤ (مع العلم أن اهتمام اليابانيين بتقنية الوقت والساعات بدأ مع الإمبراطور تنشي في القرن السابع الميلادي)، وبعدها مباشرة بدأ "أسايل" بتعليم ابنه (سالفادور) مقايضة الساعات مقابل اللآلئ وسرعان ما أصبح الابن "سلفادور أسايل" يعرف بملك اللؤلؤ.
وفي أحد الأيام عام 1973 كان "سلفادور" على متن يخته في "سانت ربيه" حينما صادف رجلا فرنسيا وسيما باسم "جان كلود بروييه" الذي نزل من اليخت المجاور. تعارف الرجلان وعرض بروييه على سلفادور الدخول معه كشريك في تجارة اللؤلؤ الأسود ــ الذي لم تكن له سوق واسعة والطلب عليه قليل في ذلك الوقت ـــ حيث يقوما باستخراجه من باطن البحر وتصديره إلى العالم.
كانت اللآلئ ذات لون رمادي غامق مثل البارود وبحجم كرة صغيرة. في البداية لم تفلح جهود أسايل في تسويق اللؤلؤ وبيعه وكان بإمكانه التخلص من اللآلئ ببيعها بثمن زهيد إلى تاجر تخفيضات أو حتى دمجها مع حفنات من اللؤلؤ الأبيض وبيعه إلى المشترين لكنه فكر في طريقة مختلفة تماما.
انتظر أسايل لمدة سنة حتى تتحسن جودة الإنتاج والتصنيع ثم قام بعرضها على صديق قديم ليس سوى "الجواهرجي" الأسطوري "هاري وينستون": (توفي عام 1978) الذي وافق بدوره على عرضها في نافذة متجره الشهير في الجادة الخامسة Fifth Avenue في مانهاتن بجوار الياقوت والألماس وبسعر خيالي. ولم يمض إلا وقت قصير حتى استقرت اللآلئ السوداء من قلب بحار أوقيانوسيا في أعناق أثرى سيدات مانهاتن في ظرف سنوات قليلة.
كيف تحقق هذا الأمر لملك اللؤلؤ دون دعاية ضخمة أو قنوات تواصل مجتمعي أو متاجر إلكترونية؟
كيف تمكن الجواهرجي من إقناع نخبة المجتمع النيويوركي بالوقوع في غرام اللؤلؤ وبأسعار فاقت المليوني دولار لعقد فيه 23 لؤلؤة (من مزاد سوذبيز عام 1992).
يذكر عالم السلوك المالي البروفيسور دان آرايللي (جامعة Duke في ولاية نورث كارولينا) أن طبيعة الفرد تميل إلى اتباع الشخص الأقرب إليه في ظاهرة تسمى Anchoring أو الرسو (كما في البواخر). وفي إطار القصة من الواضح أن أسايل "أرسى" لآلئه بجانب أغلى المجوهرات في العالم، ما أعطاها أسعارا مقاربة لأسعار تلك الأحجار الثمينة.
ويصف علماء السلوك المالي ظاهرة "الرسو" بأنها سلوك ذهني يصبح فيه المشتري متعلقا بقيمة سعرية معينة، وغالبا ما تكون هي الأولى التي تصل إليه، مثل الأسعار المرتقبة للأصول المالية أو الأرقام الاقتصادية المتوقعة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي