تحديات مراكز الأبحاث والاستشارات في المملكة
يقول المثل "اسأل مجرب ولا تسأل طبيب"، إن ظاهرة البحث والاستشارة قديمة قدم الإنسانية في محاولة معرفة المجهول، أو التعلم من أصحاب الخبرة والشأن والمعرفة، ومع الزمن تحولت تلك الخبرة والمعرفة، إلى عمل مؤسساتي مربح، تتسابق فيه كبريات الشركات العالمية، لتقديم خبراتها الدولية لعديد من الحكومات، وقد ينجح بعض منها ويفشل البعض الآخر، إلا أنه من نافلة القول إن تلك المراكز أصبحت حاجة ملحة لتوجيه العلم والمعرفة نحو احتياجه، من أجل دعم القرار المتخصص.
تتغير المجتمعات، تطورا وتقدما وتغيرا في أنماط تعاملاتها ومعاملاتها، وتحتاج مع ذلك التغير المجتمعي إلى خدمات جديدة، ومنتجات جديدة، وإعادة تعريف عديد من الاحتياجات التي تتأثر بطبيعة الحال، بالثورة في مجال المعلومات والاتصالات والمواصلات.
يحدث خلط عادة في مسميات تلك المراكز من مراكز أبحاث إلى مراكز دراسات أو مراكز استشارات، وتختلف كذلك طبيعتها من مراكز ربحية إلى منظمات مجتمع مدني إن صح التعبير، إلى مراكز تابعة لجهات حكومية أو شبه حكومية أو حتى جمعيات غير ربحية، وتختلف كذلك مخرجاتها من مجرد دراسات أو رأي إلى أبحاث نوعية متخصصة، وصولا إلى إدارة وتنفيذ المشاريع أو إخراج منتجات قابلة للاستفادة منها من العملاء سواء قطاع خاص أو مستهلكين أفرادا أو حتى جهات حكومية.
تعتبر البيانات المرحلة الأولى ثم ننتقل إلى مرحلة المعلومات، وبعد ذلك إلى المعرفة في تخصص أو مجال ما، حتى نصل إلى الحكمة، ويبنى على تلك الآراء المتخصصة، قرارات مهمة، أو توجه سياسات في مجالات عدة، وأيضا الدخول أو الانسحاب من أسواق ومجالات تجارية.
قامت وزارة التجارة كأحد المنظمين لتلك المراكز بعمل جيد، لكنه ما زال في حاجة إلى مواكبة ذلك التغير الذي يتسم بظهور خدمات جديدة عالمية بشكل متسارع، وتلك الخدمات التي تعتمد على عقول تعمل على تقديم تلك الخدمة ومنصات إلكترونية أو حقيقية، تحتاج إلى نوع من المرونة والتطوير في إنشائها من ناحية وجودها إلكترونيا دون الحاجة إلى مكتب حقيقي مع تأمين الضمانات الكافية للعملاء، وكذلك تأمين سبل الدفع المناسبة عبر الربط الإلكتروني بوسائل الدفع المختلفة، وكذلك تأمين سبل المواصلات حتى تسلم الخدمة أو المنتج بالطريقة التي تضمن حقوق مقدم الخدمة والمستفيد.
وعليه تواجه مراكز الأبحاث عددا من التحديات:
ـــ تحدي التقنين والتنظيم.
ـــ تحدي التمويل والاستدامة.
ـــ تحدي التخصصات المتغيرة نظرا للتغير المجتمعي.
ـــ تحدي الربط مع أصحاب المصلحة.
تبرز الحاجة إلى تفعيل الأوقاف لخدمة مراكز الدراسات المختلفة بشكل أوسع حتى تضمن استدامة مالية لمثل تلك المراكز، حتى تقوم بعملها بكل حيادية، وهذا يتطلب كذلك نوعا من المرونة التنظيمية، والشفافية، وتطبيق مبادئ الحوكمة المالية.
تقدم وزارة التجارة التراخيص لحاملي الشهادات العليا، وهذا، يتطلب نوعا من المراجعة، حيث ليس كل حامل شهادة دكتوراه ــــ كمثال ــــ قادرا على إنشاء مثل تلك المراكز، وليس من لا يحمل الدكتوراه كذلك أقل جدارة في إنشاء تلك المراكز. وهنا تبرز الحاجة إلى تصنيف المراكز وتحديث اختصاصاتها وكفاءاتها من خلال منجزاتها بشكل دوري.
وعطفا على التقدم الملحوظ في التخصصات العلمية والخدمات المختلفة، التي تتحدث بسرعة كبيرة، في حين ظلت التخصصات المطروحة من قبل وزارة التجارة تقليدية وليست مرنة. أما عالم اليوم فقد أصبح عالما متعددا ومتداخل التخصصات.
إن الحاجة إلى ضبط مثل تلك المراكز تنبع من وجود قواعد بيانات مفتوحة، ونظام حوكمة مالي واضح، علاوة على اختبارات تصنيفية دورية، تسمح للمتخصصين، أو الراغبين في إنشاء مراكز لتخصصات غير تقليدية، الفرصة لنشر تلك الخدمات التي يحتاج إليها المجتمع.
يبرز دور مهم للشركات في رعاية مراكز الأبحاث الأهلية عن طريق برامج المسؤولية الاجتماعية، وتمويل الأبحاث والخدمات التي تخدم المجتمع ومتطلباته، أو البيئة وتحدياتها، بل وربط مثل تلك المسؤولية الاجتماعية بالحاجة المجتمعية والتحديات التي يواجهها المجتمع، ونذكر على سبيل المثال الأبحاث في مجال تحلية المياه وتقنيات تحلية المياه، والأبحاث في مجال التبريد والطاقة الشمسية.
أشارت بعض الإحصائيات إلى أن جل الاستهلاك الكهربائي في المملكة يصرف على التبريد، وهنا نتساءل عن دور مراكز الأبحاث الأهلية في دعم تلك الحاجة، ومن ثم تحويلها إلى منتجات يمكن الاستفادة منها،
وبالله التوفيق.