شبه الجزيرة في عصر السعودية

لم تكن الحدود الجغرافية السعودية موحّدة في كيان واحد طوال التاريخ، إلا في فترات متقطعة، أو من خلال حكم أشبه بالفيدرالي إبان الخلافة الأموية وما بعدها ـــ هذا للمنطقة بشكل عام، وإلا فإن الوضع الذي كان سائدا هو الحكم القبلي أو أن كل مدينة تحكم نفسها تقريبا ـــ ولم يكن هناك اسم يجمع هذا الكيان تحت اسم واحد إلا الاصطلاح الجغرافي ربما "شبه جزيرة العرب"، فلسنا مثل مصر أو العراق في تاريخهما الجغرافي والسياسي على سبيل المثال، حيث كانتا معروفتين بهذه الحدود وهذا الكيان تقريبا منذ القدم، كما أن تاريخ هذه المنطقة "أعني كامل مساحة المملكة" مملوء بقصص الفقر الشديد والهجرات المتتابعة من أجل البحث عن وسائل الحياة من مياه وكلأ، إضافة إلى انعدام الأمن وكثرة النزاعات والحروب القبلية خاصة مع محدودية الموارد المعيشية.
إن الناظر لما تركته الدولة السعودية من نتائج على البلد بمحيطه الجغرافي؛ ليجد أن التاريخ قد تغير في غضون سنوات قصيرة بالنسبة إلى تاريخ الشعوب والدول، حيث أصبح سكان هذه المساحة المتفرقة تحت ظل كيان واحد وانتماء واحد وشعور واحد ولله الحمد، وزاد هذا الإنجاز أمر آخر؛ إذ مذ ذلك الحين لم نسمع حتى عن فكر انفصالي أو مطالبة بشيء يمكن أن يوصف بأنه طلب مناطقي أو قبلي أو يخص فئة دون غيرها. هذا الاستقرار والشعور لا يمكن أن يقع لولا أن هناك سياسة حكيمة ومرضية للجميع ولله الحمد.
نرى الآن أن أبناء كل منطقة منتشرون بين المناطق الأخرى، وأصبح سائدا التنوعُ والتداخل في المصاهرة والعلاقات الاجتماعية، دون أن يشعر أيٌّ بأنه غريب أو مختلف عمّن حوله. الحاضر والبادي، الأسود والأبيض، الناس بجميع طبقاتهم يجمعهم شيء واحد يساويهم جميعا تحت مسمى وحقٍ واحد؛ وهو المواطنة. حتى القيم والعادات والتقاليد أصبحت متقاربة إلى حد كبير رغم المساحة الشاسعة بين المناطق، إضافة إلى تقارب اللهجات المحلية من بعضها، ومع الزمن أعتقد أن كثيرا من اللهجات سوف تندثر بحكم انتشار اللهجة التي تمازجت من جميع اللهجات المحلية، وأنتجت لهجة يمكن أن تسمى اللهجة السعودية التي تجمع بين جميع السعوديين.
إننا كسعوديين يجب أن نعرف ونقدّر هذا المُنجز الذي وصلنا إليه، وأن نسعى جاهدين للحفاظ عليه ونجتهد لإصلاحه وتطويره، خصوصا في ظل هذه المتغيرات والاضطرابات المحيطة بالمنطقة؛ يجب أن يكون هذا الأمر حاضرا في أذهاننا، وأن نسعى إلى تأكيده وتعزيزه في قلوب أبنائنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي