الثلاثاء, 6 مايو 2025 | 8 ذو القَعْدةِ 1446


موازنة التنوع .. واستقطاب الاستثمارات

الموازنة العامة للسعودية أخذت منحنى تصاعديا خلال العقد الماضي، ففي تقرير لـ “العربية” على موقعها الإلكتروني عرضت تطور الموازنة العامة للمملكة خلال العقد الماضي، الذي بدأ من عام 2006 عندما وصلت الإيرادات إلى 671 مليار ريال والمصروفات 393 مليار ريال، ونما حجم المصروفات عبر الأعوام التالية إضافة إلى حالة من التقلبات في حجم الإيرادات، في توجه واضح للمملكة إلى زيادة الإنفاق على المشاريع التنموية وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين، واليوم والميزانية تتجه إلى مسار الاستدامة في التنمية، وتنويع مصادر الدخل والتخفيف من ترهل قطاعات الدولة من خلال الخصخصة، والعمل على توفير ظروف معيشية أفضل ومشاركة المواطن بصورة أكبر في الإنتاجية والاستفادة بصورة أكبر من الناتج المحلي عبر السعي إلى زيادة إنتاجية المجتمع والمشاركة بصورة أكبر للقطاع الخاص، وخصخصة مجموعة من القطاعات التي يمكن أن يكون المواطن شريكا في ناتجها واستثماراتها.
التنوع في مصادر الدخل واستقطاب مزيد من الاستثمارات والسيولة للمملكة والاستدامة عموما للتنمية ومشاركة المواطن بصورة أكبر في إنتاجية الوطن والعوائد هو ما يمكن أن يكون عنوانا للمرحلة الحالية للاقتصاد في المملكة، فرغم ما تتمتع به المملكة من اقتصاد قوي في المنطقة وثروات وموارد طبيعية إلا أن ذلك يواجه تحديا هو أن هذه الثروات لا تزيد بحجم نمو الطموح والنمو السكاني في المملكة، وبالتالي كان من المهم تعزيز فرص تدفق السيولة على المملكة والاستفادة من قدرة المواطن السعودي الذي يتمتع ـــ بعد مجموعة من البرامج الحكومية بدءا من الاستثمار في التعليم العام ومن ثم التعليم العالي والمهني ــــ بكفاءة عالية وقدرة على الإنتاجية أكبر من الوضع الحالي.
الميزانية الحالية للمملكة لعام 1438 ـــ 1439هـ التي تقدر الإيرادات فيها بما يقارب 700 مليار ريال والإنفاق بما يقارب 900 مليار ريال هو امتداد لاستمرار التنمية في المجتمع، حيث إنه رغم انخفاض عوائد النفط في مؤشر على أن خطط التنمية ستبقى ذات أولوية بهدف ألا يؤثر في النشاط الاقتصادي في المملكة، خصوصا أن هناك عملا على أن تكون السوق السعودية أكثر جاذبية للاستثمارات الأجنبية والمحلية، ويزيد من فرص تدفق الأموال على المملكة، ولعل الميزانية أخذت في الاعتبار بعض البرامج التي يمكن أن تزيد من إيرادات الدولة مثل برامج الخصخصة والزيادة في أسعار النفط، إضافة إلى الاستمرار في برامج تخفيض الدعم أو الترشيد في الدعم بما يخفف من الأعباء على الميزانية ويزيد من حجم الإيرادات.
تضمنت الميزانية الإعلان عن البرنامج الحكومي في تغطية العجز المتوقع للميزانية، الذي تضمن بعض الإجراءات لتغطية ذلك العجز سواء من خلال الاستفادة من الاحتياطي النقدي للمملكة، وذلك بالتحويل من حساب فوائض السنوات السابقة ومن حساب الاحتياطي العام للدولة إلى حساب جاري وزارة المالية، أو من خلال الاقتراض وإصدار أدوات الدين وإصدار الصكوك بأنواعها ـــ داخل السعودية وخارجها ـــ وما يتطلبه ذلك من تأسيس شركات داخل المملكة وخارجها وتحديد شكلها بما يخدم أغراضها التي يتم تأسيسها من أجلها، أو إبرام عقود أو اتفاقيات في هذا الشأن بما في ذلك تضمينها الأحكام التي تستلزمها طبيعة تلك العقود أو الاتفاقيات، الذي تحقق من الفوائض خلال العقد الماضي، والصكوك هي إحدى الأدوات المالية المتوافقة مع الشريعة، التي تعتبر أداة لتوفير السيولة من خلال الاعتماد على الأصول في التمويل عبر إصدارات مجموعة من المعاملات، ولذلك نجد أن الإعلان تضمن الموافقة على مجموعة من الإجراءات المساندة لإصدار الصكوك المتوافقة مع الشريعة لتسهيل تحقيق الالتزام والانضباط في هذه الصكوك.
اهتمام المملكة بالصكوك المتوافقة مع الشريعة له أهمية كبيرة، التي ستدعم من كفاءة الصكوك المتوافقة مع الشريعة، حيث إنه من المعلوم أن سياسة المملكة المالية متحفظة جدا، ولا يمكن أن تدخل في أدوات مالية لم تتحقق فيها الكفاءة والمعايير المطلوبة، والإعلان عن إجراءات يمكن أن تنتج عنها مجموعة من الإصدارات للصكوك داخليا وخارجيا دليل على كفاءة هذه الأداة المالية، التي سينعكس اهتمام المملكة بها على حجم هذه الإصدارات والنمو في حجم الصكوك.
المملكة خلال الفترة الماضية كانت أحد أهم مراكز استقطاب أصول التمويل الإسلامي، وهي تعتبر الأضخم في حجم الأصول المتوافقة مع الشريعة، وتضم أضخم المصارف التي تمارس المعاملات المتوافقة مع الشريعة، وبإصدار مجموعة من الصكوك ستكون المملكة الوجهة الأهم للأصول الإسلامية المتوافقة مع الشريعة والإجراءات التي تمت سابقا من خلال برنامج هيئة الطيران كانت ناجحة من جهة الإقبال على هذه الأداة، واستقطاب السيولة إضافة إلى توظيف هذه الأموال في مشاريع تنموية يمكن أن تحقق عوائد تفوق التكلفة التمويلية، والإعلان عن أن الإصدارات يمكن أن تكون بإصدارات الصكوك محليا أو خارجيا سيكون له أثر في تعزيز قدرة المملكة على استقطاب السيولة من الخارج بما يحقق توازنا للسيولة ويحد من الضغط على السيولة المحلية.
تتميز الميزانية لهذا العام بأنه قد تم الإعلان عنها كأول ميزانية تأتي بعد إعلان المملكة “رؤيتها لعام 2030”، والإعلان عن برنامج التحول الوطني 2020، والميزانية تعطي مؤشرات تطبيقية باتجاه تحقيق أهداف “رؤية المملكة 2030”، حيث إن الجميع داخل المملكة وخارجها يراقب الإجراءات التي ستتخذها الحكومة للوصول إلى نتائج إيجابية باتجاه تحقيق “الرؤية”، وبالتالي اتخاذ القرار المناسب للاستثمار في المملكة، حيث إن الوضع الحالي للمملكة خصوصا بعد توافر الفرص المناسبة وانخفاض تكلفة الاستثمار في المملكة سواء في القطاعات المالية أو القطاعات العقارية أو حتى في قطاع الصناعة والتجارة يساعد على تحقيق هذا الاتجاه.
اهتمت الميزانية بشكل كبير بقطاع التعليم خصوصا التعليم العام، فقد تم الإعلان عن تسلم أكثر من 400 مدرسة، والعمل على الانتهاء مما يقارب 1400 مدرسة أخرى، وهذا يأتي في ظل العمل على تحسين ظروف التعليم للمواطنين، مع الاستمرار في برامج تطوير المعلمين والمناهج، كما أن الإنفاق مستمر أيضا على قطاع مهم هو قطاع الصحة، وهذه القطاعات تعد الأهم للمملكة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي