سلامة الغذاء .. والتعود على التساهل
تكررت حالات الغش التجاري في بيع الأغذية وتداولت وسائل التواصل الاجتماعي بالصوت والصورة عددا من حالات بيع الأغذية المنتهية الصلاحية والفاسدة وغير الصالحة للاستخدام الآدمي، بل إنه تم ضبط نحو 41 طنا من اللحوم والأسماك الفاسدة منتهية الصلاحية كانت معدة لتوزيعها في الأسواق المحلية وليست هذه المرة الأولى ولن تكون الأخيرة في ضبط كميات من الغذاء الفاسد تحسب وزنا بالطن، ولذا يجب تشديد الرقابة على تصنيع وتوزيع الغذاء، حيث لا يمكن توفير الحماية الصحية للمستهلكين سوى بالفحص الدقيق للغذاء للتأكد من توافر الاشتراطات العامة للنقل والتخزين وغيرها من متطلبات صلاحية الغذاء للاستخدام الآدمي، مع تطبيق المعايير الصارمة، فزيادة الطلب الذي يسرع من العملية التسويقية يرى فيها بعض التجار فرصة للتسويق السريع الذي يشوبه الاحتيال والإضرار بالمستهلك، وهو فعل يستوجب العقاب.
لقد تعود بعض التجار على التساهل غير المحدود، واليوم توجد جولات تفتيشية على الأسواق، وتشهير بالمخالفين لأن ذلك سيحد من العبث بصحة الناس وحياتهم ممن تعودوا تجاوز التعليمات؛ بل شهدت الفترة الأخيرة تواصل التشهير بالمخالفين أمام الجمهور وعلى الملأ من خلال وسائل الإعلام، وهي خطوة عملية، فالمستهلكون لهم قرارهم وموقفهم من تلك المحال، ومن تلك المطاعم ومبيعاتها وخدماتها ومن المتوقع؛ بل من المؤكد أن تؤتي قرارات التشهير نتائجها سواء في مجال مكافحة الغش التجاري أو التستر التجاري أو المغالاة في الأسعار، كما أن فرض العقوبات النظامية وعدم التفاوض مع المخالفين وتوالي نشر الأسماء وطبيعة المخالفات، سيكون لها أفضل الأثر في حماية العملية الإنتاجية من صور الغش المتنوعة.
لقد منح النظام لهيئة الغذاء والدواء استقلالا واسع النطاق وبوسعها أن تقوم بأعمالها بصورة أدق وأشمل، حتى تتمكن من إتمام مهامها الرقابية بالشكل الذي يحمي المجتمع من تسرب منتجات غذائية ودوائية أو منتجات صحية أخرى قد تكون ضارة، وإن أهم عنصر في نجاح الحملات التفتيشية هو تحقيق عنصر المفاجأة والوصول بسرعة إلى المواقع المشكوك في ارتكابها مخالفات تستوجب العقاب، وهذا يتطلب وجود عدد كافٍ من المفتشين والسيارات والفرق الميدانية المتكاملة، وتنفيذ الحملات في وقت واحد، فالمخالفون يتبادلون خبر شن الحملات ضدهم، بل يعتمدون على نقل الخبر ويتبادلونه بسرعة عالية، في حين أن الواجب عليهم أن يتعاونوا على البر والتقوى.
لقد طالت المخالفات محالا ومطاعم كثيرة شهيرة، وثبت أن ترك الحبل على الغارب ليس قرارا صائبا، وأكثر خطأ منه هو افتراض الثقة والأمانة في صناعة وتقديم الغذاء للجمهور، فالصحة العامة ليست محلا للهزل، كما أنها ليست ميدانا للتكسب غير المشروع وتسويق الطعام الرديء، وإذا كان التساهل غير مجدٍ، فإن المحافظة على صحة مرتادي المطاعم وحمايتهم من ضعاف الذمة، أمر في غاية الجدية، وهو محل تأكيد من قبل المسؤولين الذين يقلقهم، بلا شك، تلك الأخبار المتداولة عن سوء تخزين الطعام وإعداده، وحكم الشريعة الإسلامية واضح تماما فـ «من غشنا فليس منا»، لأنه بفعله المخالف لأبسط قواعد التعامل يعرض حياة الناس للخطر، ويضع الجهات الرسمية أمام تحدٍ من أجل تطبيق النظام ووضع التعليمات موضع التنفيذ.
لقد أصبحت مراقبة الأسواق في غاية الضرورة والأهمية حيث لا يمكن تدارك الأضرار إلا بعد تفاقمها وتعدد ضحاياها واتساع رقعة الضرر فيها، وعندما تهتز الثقة بسلامة القوت اليومي للأسرة، فإن الأمر يتجاوز ارتفاع الأسعار إلى تعريض حياة الناس للخطر، حيث يجب أن يكون التحرك سريعا ومناسبا للخطر المتوقع وطبيعته؛ فالغذاء قد يكون سببا في وفيات وأمراض وتكاليف باهظة يمكن تفاديها، متى ما قامت الجهات المعنية بهذا الأمر بعملها على أكمل وجه دون تساهل أو مجاملة ليصبح لها هيبة لدى من يغش الناس.