المعلم أم المنهج؟
ذكر مسؤول في وزارة التعليم أن المشكلة التي تواجهها الوزارة هي في المعلم وليس المناهج. قد يتفق كثيرون مع وجهة النظر هذه ، لكن محدثكم يخالفها تماما. ليس لأن في عائلتي أكثر من ثلاثة مدرسين وأشاهد ما يعانيه بعضهم من الإرهاق بسبب اهتمامه بالطلبة والمناهج ، ولكن لأن المعلم هو مخرج البيئة المجتمعية ، ولأن الوزارة لا تستطيع أن تتنصل من مسؤوليتها عنه.
المناهج التي نتحدث عنها مناهج تناسب القرن الماضي، والتحول الرقمي والصناعي والإلكتروني المهم لم يطرق بابها ، بل إنها لا تزال تحاول أن تعلم الأبناء والبنات بالتلقين الذي لم يعد له مكان في عصر المبادرات والعمل الجماعي وأنماط العمل والحياة المختلفة تماما.
هب أن ابنك أو ابنتك كانا مؤهلين في مادتي الحاسب الآلي واللغة الإنجليزية ومبادئ بقية العلوم ، أجزم أنهما سيحققان إنجازات رائعة وسيتمكنان من تكوين قاعدة لغوية وفكرية وعلمية لا نهاية لها بالتعامل مع وسائل الفكر المختلفة الجديدة. هنا يجب أن نلاحظ أن التعلم بالتجربة أو الخبرة وتكوين القدرات الذهنية القادرة على حل المشاكل والتعامل مع مختلف المؤثرات حول الأبناء والبنات، هي ما سينتج لنا الأطباء المتفوقين والمهندسين البارعين والقادة المبتكرين.
كل مناحي العلم اليوم متوافرة للطفل ، ويستطيع ابن العاشرة أن يتخصص في أي مجال يريد من خلال برامج حاسوبية متوافرة في كل مكان ، فما يحتاج إليه فعلا هو دراسة عميقة لقدراته وإمكاناته والمؤثرات التي يمكن أن تحفز تفكيره للإبداع. ليس هذا من ضروب خيال محدثكم، وإنما تجارب دول تتحرك بسرعة للأمام من خلال الدفع بالفكر والخيال إلى المقدمة، وتمكين الحاسب من ترسيخ هذه المفاهيم.
يأتي الحديث عن المعلم وهمومه والتزاماته والملل الذي يعيشه في الغالب نتيجة لهذه الحالة التي يجد فيها المعلم نفسه يبتعد تدريجيا عن طلبته وهو يراقب قدراتهم تتحرك في اتجاه والمنهج الذي يدرسونه ثابت ومتوقف عند مرحلة معينة. لا يمكن أن نلوم المعلم وهو يشعر أن ما يقدمه لا يعدو كونه قضاء ساعات مملة بين الطلبة وهم يفكرون ويهتمون بأمور مختلفة تماما.
الخطر الحقيقي يقع عندما تستمر عملية التواصل بين الطالب والتقنية ولا تجد من يحفز هذه العلاقة نحو حال إيجابية تفيد مستقبل الطالب فيتحول إلى مراسل لقنوات "التشات" لأنه لا يحسن سواها شكرا للمنهج المدرسي.