سلمان الإنجاز .. صنع «التحول» أميرا ويقوده ملكا
لا تذكر الرياض ويذكر انتقالها من حاضرة صغيرة محاطة بسور عتيق ومزارع نخيل محدودة، إلا ويذكر قائد نهضتها وعراب تحولها الحديث، مع الحفاظ على أصالتها، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، كقصة نجاح ملهمة، بمواقفها الإنسانية وتجاربها الإدارية النابعة من روح وإخلاص ذلك الشاب العاشق للرياض. ومبشرة بمسارات تحول وطني شامل يقوده الملك سلمان اليوم ضمن "رؤية 2030" وبرنامج التحول الوطني 2020، مستحضرا الخبرات السابقة ومتجاوزا التحديات، التي جاءت في مجملها لتقدم تجربة عصرية وحضارية رائدة جعلت من عمران الرياض الإنساني كما الاقتصادي والسياسي علامة فارقة بين الأمم.
سيرة مجد
حين يتحدث الملك سلمان عن الرياض فلا عجب أن يأسرك حديثه فهو يسبر أغوار سيرة مجد وبطولة نمت بين مرابع الطفولة والشباب. لذلك كانت الرياض محظوظة في عز تأهبها لخوض غمار المدنية بهذا الشاب وباختياره أميرا لها، كيف لا وهو المحب العارف بأدق تفاصيلها وأجمل لحظاتها البسيطة، بدءا بدكاكين الثميري التي كان المؤسس يبتاع له منها الحلوى طفلا، مرورا بدراوايزها الشهيرة، وصولا لقصري الحكم والمربع، اللذان تنقل بينهما ممارسا للإدارة ومخالطا للساسة، شابا يتطلع لخدمة دينه وعمارة وطنه.
#2#
فكان للملك سلمان بخلاف غيره أن يدرك طفولة الرياض التاريخية على بساطتها كما أدركت هي طفولته في كنف الملك المؤسس ورجاله العاكفين جميعا في ذلك الوقت على مأسسة الدولة واستقطاب الخبرات المحلية والعربية من أجل التخطيط والتحول على أسس من المدنية الحديثة بعد عقود من الفرقة والشتات. ليكون الأمير سلمان شاهدا على التحول الأول بقيادة مؤسس السعودية الثالثة، ثم صانعا بنفسه وبمعية فريق عمله المختارين بعناية لتحول آخر شهدته الرياض العاصمة بعد عقود من الخبرة والممارسة.
وفرة وليست طفرة
يأتي هذا التحول بحسب ما طرحه الملك سلمان بدقة لغوية لافتة في أحد اللقاءات المتزامن وافتتاح مركز الملك عبدالعزيز التاريخي مطلع عام 1420 على مرحلتين، الأولى بداية السبعينيات الميلادية، إذ شهدت البلاد "وفرة" مادية كما يشدد على تسميتها الأمير سلمان آنذاك، وليس "طفرة" كما درج البعض على تسميتها. وفرة استفادت منها الرياض كغيرها من مدن المملكة على مستوى المشاريع والبنى التحتية التي كان ينقصها تخطيط مسبق بشهادة الملك وصراحته المعهودة منذ كان حاكما للرياض؛ لأن المسؤولين وهو منهم كانوا أمام خيارين، إما تأخير الناس في عمرانهم وسكنهم والعمل على البنى التحتية بتوسع أكبر، وإما ترك الناس ينطلقون في عمرانهم وتلحقهم البلديات بالمشاريع حيث يسكنون، فكان الرأي الثاني هو الأجدى في تلك المرحلة الأولى على الأقل، وبمشورة الجميع.
#3#
اجتماع الملز
ثم كانت المرحلة الثانية لقصة تحول الرياض الملهمة بقيادة عرابها سلمان بن عبدالعزيز، بعد "اجتماع الملز" في عام 1402 حيث مقر هيئة تطوير الرياض سابقا الذي يصفه الأمير سلمان بالتاريخي إذ شهد الاجتماع حضور الملك فهد، يرحمه الله، وتحويل لجنة تقويم مشاريع الرياض التي يترأسها الأمير سلمان إلى الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض في صورتها الحالية، كما أقرت في الاجتماع ذاته جملة من المشاريع التي أحدثت فرقا واضحا في معالم الرياض الحديثة ومنها الطريق الدائري وجامعتا الملك سعود والإمام محمد بن سعود وحي السفارات فضلا عن مشاريع أخرى تعنى بالمحافظة على أصالة الرياض وهويتها الثقافية بكثير من المحاكاة والإبداع، منها قصر الحكم والمربع ومركز الملك عبد العزيز التاريخي بمكتبته ودارته ومتحفه، الذي تزامن افتتاحه والكلمة التي ألقاها الأمير آنذاك مستعرضا في المكان ذاته شيئا من تحولات الرياض.
ولعل ما لم يذكره الأمير سلمان للحضور آنذاك وما لا يعرفه الكثير اليوم عن اجتماع الملز هو التفاصيل الإدارية والخطط المرسومة التي وضعها الأمير مع فريق عمله منذ البدايات بعناية لافتة لتدشين المرحلة الثانية من تطوير الرياض مع تلافي أخطاء المرحلة الأولى. حيث وضعت خطتان تماثلان من حيث الزمن والإعداد الاستراتيجي المسبق ما يتم العمل عليه اليوم من برامج التحول الوطني و"رؤية 2030" فكان أن اعتمدت لتطوير الرياض خطتان استراتيجيتان، الأولى على فترة 25 عاما والتالية لخمسين عاما مقبلة.
عمران «الرجال»
ولأن كل الخطط والرؤى المستقبلية للوطن لا يمكن تحقيقها وتطبيقها دون إنسان، فقد عرف عن الملك سلمان تكراره لمقولة: "العمران الحقيقي هو عمران الرجال" مؤكدا أنه لا يمل التذكير بهذه العبارة في كل مناسبة ومحفل تنموي لأنه اختبرها كثيرا في تجربته الحياتية والعملية، التي بدأت بشح واضح في الموارد البشرية السعودية المؤهلة، وصولا لما تحقق للوطن من وفرة في رجال الدولة ورفاق النجاح الذين يفخر بهم الملك ويفاخر. إذ إن وجود الكوادر السعودية الشابة وتأهيلها يعدان أولوية في نظر الملك المحب للتاريخ والثقافة والقارئ المبحر فيهما، لضرورات المواءمة بين هوية البلد الثقافية وتطلعاته العالمية.
#4#
يذكر أن هذه المبادئ الإنسانية المتوجة بمعرفة إدارية تولي بناء الإنسان كل الاهتمام يمكن تلمسها بوضوح في يوميات الملك الودودة والمقدرة لكل من شاركوه العمل الوطني شخصيا أو شاركوا المؤسس وأبناءه من بعده، فعرف بالذاكرة الحافظة القوية، والتواصل الإنساني المباشر، في أفراح الناس وأحزانهم، متمثلا أخص ما يمتاز به القائد التحويلي من صفات إنسانية.
يبقى أن تكامل الرؤى التأسيسية والتاريخية لهذا الوطن وما أوجدته من بنى تحتية، مادية وإنسانية قيادية، جنبا إلى جنب مع الرؤى وبرامج التحول الجديدة التي نعيشها اليوم واقعا سياسيا وعسكريا واقتصاديا هو ما يعطي الرياض اليوم وغدا ثقلها العالمي كوجهة رئيسة يقصدها زعماء العالم وقادته بحثا عن شراكات اقتصادية ومعاهدات سياسية يدرك المجتمع الدولي ضرورة أن تكون الرياض جزءا أساسيا فيها. ليحقق الوطن في عامه الثاني بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز معادلة الوطن الصعبة التي ترجوها دول كثيرة؛ "بلد آمن تحميه وتبنيه كفاءات مواطنيه بإخلاص وثبات على خطى الآباء وعزم الأجداد".
#5#