مستقبل السياسات الخليجية واحتياجاتها

تتوجه سياسات دول مجلس التعاون الخليجي، إلى أن الخليج وحدة واحدة، يجب الحفاظ على استقراره وازدهاره. وقد مرت التجربة الخليجية، بعدد من المراحل التي أدت إلى تطور سياساتها، وتبلور سياساتها في الأمور الاقتصادية والتنموية، والسياسية الداخلية والخارجية، ومع ذلك يبقى هناك بعض التباين في سياسات دول الخليج منفردة في بعض القضايا، ولذا تكون منظمة دول المجلس في بعض القضايا الخارجية، كمنظم اجتماعات لا كصانع أو موحد سياسات مشتركة. بيد أنه في كل من قضايا اليمن وسورية، كانت هناك على مستوى المجلس سياسات واضحة تنبع من حفظ الأمن الخليجي المشترك، والواجب العربي والإسلامي تجاه دول الخليج تجاه أشقائهم في هذه الدول العربية.
الاتجاه الأول: تعزيز الوحدة الدفاعية الخليجية، وهذا ما جاء تأكيده  في الاجتماع الخليجي لوزراء الدفاع الخليجيين الذي بحث مسارات العمل العسكري المشترك، بشأن تعزيز العمل الخليجي المشترك في المجالات العسكرية، كما استعرض الخطوات المتخذة لتفعيل القيادة العسكرية الموحدة، ومختلف الوحدات التابعة لها، واستكمال ما تحتاج إليه من متطلبات ومنشآت.
وكذلك فيما يتعلق بتعزيز الهوية الوطنية الخليجية من خلال المسارات العسكرية وبارك الجهود الإعلامية المختلفة التي تبذل في هذا المجال من ندوات ومحاضرات وتنظيم أسابيع خليجية، والحرص على التكامل الدفاعي والآليات التي تم إقرارها لتحقيق التكامل الدفاعي بين دول المجلس بهدف بناء شراكة استراتيجية قوية، وإقامة منظومة دفاعية فاعلة لمواجهة مختلف التحديات والتهديدات، وتطوير منظومة الاتصالات المؤمنة ومنظومة حزام التعاون. وينوي كذلك المجلس إنشاء الأكاديمية الخليجية للدراسات الاستراتيجية والأمنية، كما أقر بعض التوصيات المتعلقة بذلك.
وتطرق المجلس في مناقشاته للحوار الاستراتيجي والتعاون بين دول المجلس والجانب الأمريكي في نطاق الحوار الاستراتيجي بين الجانبين انطلاقا من مخرجات قمة كامب ديفيد الخليجية الأمريكية حيث أكد أعضاء المجلس أهمية تعزيز هذا التعاون وتفعيل ومتابعة ما يصدر بشأنه من نتائج وتوصيات من الفرق واللجان المختصة.
 إلى ماذا نحتاج في سياسات دول الخليج؟
من الأهمية بمكان بحث الغايات والطرق والوسائل في كل من السياسات التي تخدم استراتيجية إعادة التوازن، وذلك عبر الدراسة المستمرة والمرنة، للسياسات الخاصة بالتحالفات في المنطقة وكذلك التغيرات، وهذا يتطلب تمكين المؤسسات الخليجية في المجالات الدبلوماسية والعسكرية والاستخبارية. ومن جهة أخرى هناك حاجة كذلك إلى تعزيز السياسات التي تواكب استراتيجية استرداد المكانة ولا سيما مع الأسعار المتدنية للنفط وذلك بالرجوع إلى أدوات القوة الخليجية وتمكينها داخليا وبينيا، وقد بدا ذلك واضحا في الاجتماع الذي ضم وزراء الدفاع الخليجيين الذي أكد ضرورة التنسيق في مجال درع الخليج وحزام الخليج، وتعزيز الهوية الخليجية المشتركة.
من جهة أخرى، يجب وبشكل دوري العمل على استراتيجية إعادة تقييم التحالفات والعداوات في ظل التغيرات المتسارعة التي تحتاج إلى الاستجابة المرنة، ويستلزم توحيد السياسات الخارجية أن يتم التوصل إلى الأسس الفلسفية والمنهجية التي تعرف بها دول الخليج. وهناك أمران مهمان من شأنهما قيادة دول الخليج نحو الأسس المنهجية لتكوين سياسات المجلس المشترك، الأول  تعريف المصلحة والآخر  تعريف الخطر والأمن. ولا شك أنه من خلال هذين التعريفين والإجراءات والأطر المنهجية ورسم السياسات الواضحة من خلال العقيدة السياسية والأمنية المشتركة، كل ذلك سيسهم كثيرا في وضع الحد الأدنى لتوحيد السياسات، وبالتالي يبني على تلك الأسس ويسهم بعد ذلك في تنويع البدائل ومعرفة الأدوات الناعمة والصلبة التي يمكن استخدامها من أجل تعزيز المصالح وتجنب الأخطار. ومن الخطوات المتقدمة كذلك في المجلس في مجال العمل المشترك، أن يحق للمواطن الخليجي العمل في دول الخليج، وكذلك الرجوع إلى المجلس في حالة وجود إشكاليات تتعلق بالمواطن الخليجي في دول الخليج كمرجعية عليا.
ولا شك أن الرغبات الشعبية والإرادة السياسية قادرة على تمكين تلك المؤسسات والأنظمة حتى تكتمل بشكل أفضل، وإنضاج السياسات، من أجل تحقيق مواطنة خليجية تحمي هذه الدول وتتفاعل بشكل قيمي مع التغيرات المتسارعة، وكذلك تضمن حقوق الإنسان الخليجي، وتعمل على دعم واستقرار ورفاهية المواطن. ولا شك أن التجارب التاريخية، إذا ما أخذنا مقارنة بين الاتحاد الأوروبي الذي بدأ باتفاقية الصلب والفحم عام 1952 والتجربة الخليجية التي بدأت عام 1981، تدل على أن الجهود الخليجية قادرة على تحقيق ما يتطلع إليه مواطنو دول المجلس.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي