«الجنادرية» وضيوفها
نشرت جريدة الرياض يوم الأربعاء 11 جمادى الأولى 1438 هجرية، مقالا بعنوان (ضيوف مهرجان الجنادرية أهم نقاط ضعفه). للكاتب الفاضل عبدالله ناصر الفوزان الذي كتب فيه: "يظل ضيوف مهرجان الجنادرية أبرز نقاط ضعفه". والسبب في هذا الحكم الأخير الذي اطمأن إليه الكاتب وفاض به نشرا، ودعوة خير، كما آمنت كلماته، وبما أفصح من معانيه، هو أن مهرجان الجنادرية يقوم بواجب الضيافة تامة كاملة في غير نقص، ويدفع المهرجان تكاليف الإقامة لضيوفه في كرم يليق به، ما عده الكاتب "أبرز نقاط الضعف". ما خلا ضيوف خادم الحرمين الشريفين.
في بدء الأمر ينبغي أن نتفق أن عدم دفع تكاليف الإقامة هذه التي يطالب أستاذنا مهرجان الجنادرية للثقافة والتراث بتبنيها، والعمل بها، هي بدعة لم تقبلها حتى أشد الدول فقرا، مثل السودان، وإثيوبيا في مؤتمرات الثقافة، والفنون وكل معارض العالم للكتاب في شقها الثقافي المصاحب لها، وأحسب أن "الجنادرية" وكرم قادتها، ومكانة المملكة وشرف منزلتها ستجعلهم خارج هذا التصور ولو دخله العالم كله.
ثم إن حكم النظائر والأمثال فيما يجوز وما لا يجوز واحد، وحتى تاريخ المقال هذا، لا يوجد مهرجان ثقافي واحد في العالم يطالب ضيوفه بأجرة إقامتهم، وثمن طعامهم.
وضيافة الجنادرية للمثقفين ليس ترفا، أو "فضلة" على برامجه، وندواته، فهم يمثلون، التفاعل الناضج، والحضور المكتمل للمثقف السعودي، وبما يمثله من تطور معرفي وعلمي وأدبي وثقافي لإنسان هذه الأرض، ونبات هذا الوطن، الطاهرة جذوره، المباركة ثماره، اللينة أغصانه كثيرة الورق.
وبما أن الثقافة مفردة عصية على التحديد، ليس بوسع الجنادرية أن تغامر بتمثيل المملكة أمام ضيوفها الدوليين بمن حضر على سبيل المصادفات الحسنة أو السيئة؛ لأن مكانة الدول تبنى بالسياسة، والاختيار، والتدبير، وليس بالمصادفات المفتوحة على ما نحب، وما نكره، وما يليق وما لا يليق.
ولهذا يعد ضيوف الجنادرية هم الجزء المكمل لندواتها، فيما يثيرونه من نقاش متكافئ، وفيما يطرحون من أفكار متقابلة، وفيما يفيض كل ضيف من أحمال الوعي والبصيرة والمعرفة.
رحم الله جمال الغيطاني الروائي المصري المعروف، كان يروي أن الدول الأوربية، تستضيف رجال الفكر، والروائيين لمدة 60 يوما، قابلة للتجديد ضيافة على أعلى معايير الرفاهية والكرم مع المرافقة الدائمة، والترجمة، والعناية الملكية الفاخرة لا لشيء فقط ليتفرغ لكتابة ما يراه مناسبا إن أمكن أن تسهم هذه الضيافة في تفرغه التام لإنتاج أدبي أو فكري يسعد العالم به، ويبقى أثرا خالدا للبشرية، وإن هذه الضيافة باهظة التكاليف ليست ملزمة للكاتب في أن يكتب شيئا بالضرورة، ولكن الأهم أن تسهم هذه الضيافة في إيجاد البيئة النفسية، والمكانية، المساعدة للكاتب على الإبداع والعطاء وتقديم عمل جميل يبيعه لمصلحته الشخصية بتمامها دون حتى الإشارة لهده الضيافة ولا سبب تأليفه، أو مكانه الأهم هو أن ينال المفكر والكاتب ما يساعده في العمق والعطاء إن قدر لله أن ينال نصيبا منها في هذه الخلوة مع نفسه وفتنة الطبيعة وجمالها.
تذكرت كلام الراحل الكبير -رحمه الله-، وأنا أقرأ عن أبرز نقاط الضعف في الجنادرية لأنها فقط تدفع تكاليف ضيوفها الكبار من رجال الفكر والثقافة من أبناء الوطن ويرى الكاتب أن الضعف يزول حين يدفع كل واحد منهم ثمن طعامه وإقامته، فأدركت واحدا من أقوى أسباب الضعف لغياب منهج التفرغ للمعرفة والإنتاج العلمي والثقافي كتخصص بنيوي للحضارة، وبناء الوعي، وصناعة الإنسان، وقوة الدول.