السياسة الخارجية للرئيس ترمب وأثرها في دول الخليج

تسلّم الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب، مهامه كرئيس منتخب في 20 من الشهر الماضي، وعلى الرغم من المفاجأة الانتخابية التي حدثت، حيث لم يتوقع فوزه في الانتخابات بسبب سياساته الانعزالية أحيانا، إلا أنه استطاع الحصول على ترشيح الولايات على الرغم من تجاوز المرشحة الديمقراطية عدد الأصوات التي حصل عليها ترمب، طبقا للمنهجية الانتخابية الأمريكية المسماة electoral college، ومن الطريف أن تلك الطريقة التي ساعدت ترمب في الحصول على الرئاسة، كان ترمب ينتقدها بشدة في أوقات سابقة.
يبدأ الرئيس مهامه في سياق دولي غير عادي، حيث تتصاعد الأحداث والتحديات أمام الولايات المتحدة كقوة دولية، ويعاد طرح التساؤل عن القوة الأمريكية ما إذا كانت قوة لا يمكن التخلي عنها دوليا، وفي حين صعود كل من الصين اقتصاديا، وروسيا عسكريا، لا تزال تلك القوى بعيدة عن قوة الولايات المتحدة، لكن كيف ستنظر الولايات المتحدة إلى العالم؟ وكيف سينظر العالم تجاه أمريكا؟ ولا سيما فيما يتعلق بسياسات الأمن والدفاع والدبلوماسية والمعلوماتية والاقتصاد. تلك المكونات التي تكون الاستراتيجية الكبرى للدول، ضمن منظومة من أدوات قوة الدولة، التي تسعى من خلالها لتحقيق أهدافها ومصلحتها الوطنية، سواء داخل أراضيها أو خارجها.
يصعد الجمهوريون مع وصول ترمب لسدة الحكم الأمريكي، وتحوي سياسات ترمب نوعا من التباين من جهة ونوعا من الانعزالية من جهة أخرى.
فرض الرئيس ترمب إيقافا للمهاجرين والقادمين من عدد من الدول الإسلامية ومع ذلك تم رفض قراره من المحاكم الأمريكية، وهذا يوضح أمرين، الأول أن الرئيس الأمريكي لا يملك كل الصلاحيات المطلقة. والثاني أن هناك من يرى أن هذا العمل مخالف للمبادئ الأمريكية، وهنا تتضح المبادئ الأمريكية، التي تجعل منها قوة عظمى، وهي القدرة على النقد الذاتي وعدم وجود جهة أو شخص يتمتع بكامل السلطة المطلقة.
في محاولة كذلك للتفاعل مع قضية المهاجرين من الجنوب الأمريكي يسعى الرئيس ترمب إلى بناء جدار فاصل بينه وبين المكسيك ما يدل على رغبة انعزالية. وعلى الرغم من اعتماد الولايات المتحدة على كثير من الواردات من المكسيك، إلا أن اتخاذ القرار يواجه بنوع من التساؤلات عن تكاليف البناء، حيث أوضحت المكسيك أنها لن تدفع قيمة بناء الجدار.
يوضح الخطاب الخاص بالرئيس دونالد ترمب عزمه على مراجعة الاتفاقية مع إيران، إلا أن ذلك يواجه صعوبات داخلية أمريكية، لقوة اللوبي الإيراني في أمريكا من ناحية، ولوجود دول أخرى في الاتفاق ما يعطيه صفة الاتفاق الدولي، ومن جهة أخرى، القدرة الإيرانية على استخدام أدوات ضغط أخرى على الولايات المتحدة.
أكد الرئيس السابق أوباما على القيم التي جعلت من الولايات المتحدة قوى عظمى ويجب ألا تنسى تلك القيم، وذلك في خطابه الوداعي الذي حاول فيه تذكير الأمة الأمريكية بأنها عظيمة بتنوعها واحترامها للحقوق، ورعايتها للموهبة أيا كانت.
قام الرئيس المنتخب كذلك بتعيين ثلاثة جنرالات في أهم ثلاثة مناصب ذات شأن بسياسة الدولة واستراتيجيتها، وهذا وإن حمل معنى ومغزى عسكريا من شأنه إظهار القوة، إلا أنه في الوقت نفسه قد يعطي مؤشرا أن أمريكا قد تستخدم القوة العسكرية.
لا شك أن كثيرا من التحديات ستواجه الرئيس المنتخب، ولا سيما في القوة المحدودة التي لدى الرئيس وموزعة على أدوات الحكم في أمريكا، خصوصا الكونجرس الأمريكي بمجلسيه، وكذلك مدى تقبل القيادات الأمريكية التي تعمل مع ترمب توجهاته غير القابلة للتوقع.
تظل دول الخليج مقصرة في الولوج للداخل الأمريكي والتفاعل معه بشكل تكتيكي على أرض الواقع، ويمكن للتعاون الثقافي واللغوي والتربوي أن يكون إحدى أدوات القوة الناعمة ذات التأثير المهم في الداخل الأمريكي الذي يتأثر بوسائل الإعلام التي في أحيان كثيرة لا تخدم التقارب في وجهات النظر بين دول الخليج وأمريكا.
يبقى أن المرحلة المقبلة، مرحلة قد تشهد بوادر أزموية ما قد يتولد عنها ما يسمى في الدراسات المستقبلية "الوايلد كارد" أو بجعة سوداء، وهو حدث غير متوقع الحدوث وَذو تأثير عال، ولذا يجب العمل على سيناريوهات عدة، وبالتأكيد يمكن القول إن تحسن العلاقات السعودية ـــ الأمريكية سيعزز من أمن المنطقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي