قرار استيراد البُن يهز صناعته في البرازيل
كانت بضعة أعوام صعبة بالنسبة لرودريجو ريجو، أحد زراع البن في ولاية إسبيريتو سانتو، شمالي ريو دي جانيرو. بعد التضرر من ثلاثة أعوام من الجفاف الشديد في منطقة زراعة حبوب البن روبوستا المهمة، انخفض الناتج من مزارعه بنسبة 60 في المائة، ومثل كثير من المزارعين الآخرين، اضطر لقبول ترتيبات لإعادة جدولة الديون من بنك البرازيل الذي تسيطر عليه الدولة.
يقول: "الناس هنا الذين يبلغون من العمر 60، أو 70 أو 80 عاما، ولا يتذكر أي منهم فترة جفاف شديدة مثل هذه".
ريجو وزملاؤه من زراع البن يستعدون لتهديد محتمل آخر: الواردات. للمرة الأولى منذ أن أصحبت البرازيل قوة مهيمنة في إنتاج البن في القرن التاسع عشر، تستعد الآن لفتح أبوابها للبن من بلدان مثل فيتنام لمواجهة النقص في حبوب الروبوستا.
نحو 90 في المائة من حبوب الروبوستا في البرازيل - البن الأقل جودة، المعروف محليا باسم كونيلون - تستخدم محليا، معظمها من قبل صناعة القهوة سريعة التحضير. فضلا عن رفع أسعار الروبوستا إلى مستويات قياسية في البرازيل، نقص الإمدادات دفع الأسعار الدولية إلى أعلى مستوياتها منذ خمسة أعوام.
ارتفاع أسعار الروبوستا يهدد مكانة صناعة القهوة سريعة التحضير البرازيلية باعتبارها الرائدة في السوق. بعد تأخير قرار لعدة أشهر حول ما إذا كان ينبغي السماح باستيراد مؤقت لنحو 60 ألف طن من حبوب الروبوستا الخضراء، يبدو أن الحكومة قد وافقت على هذا الإجراء.
أحيل قرار الاستيراد إلى أعلى سلطة في البرازيل مختصة بالتجارة الخارجية، أي هيئة كاميكس، مجلس من الوزراء برئاسة ميشال تامر، رئيس الجمهورية، وحيث الاجتماع المقبل متوقع يوم غد.
على الرغم من أن البرازيل استوردت البن المحمص والمطحون في الماضي، إلا أن حبوب البن الخضراء لم يسبق أن رست على شواطئها بكميات كبيرة في "الأعوام الـ 290 من تاريخ البن"، كما يقول ناثان هيرسزكويس من جميعة صناعة البن البرازيلي.
البرازيل لا تحظر واردات البن، لكنها تفرض رسوما جمركية بنسبة 10 في المائة، والحكومة تنظر في تخفيض هذه النسبة إلى 2 في المائة للواردات المسموح بها.
أجوينالدو خوسيه دي ليما، من "أبيكس" جمعية القهوة سريعة التحضير البرازيلية، يقول إن أعضاءها بالكاد يتأقلمون. "انهيار موسم الحصاد في إسبيريتو سانتو في عامي 2015 و2016 والآن في عام 2017، تسبب في نقص حاد جدا حيث وصلت أسعار حبوب الروبوستا البرازيلية إلى أسعار حبوب أرابيكا القهوة ذات الجودة الأعلى، وهو ما لم يحدث قط من قبل في البرازيل".
وصل سعر حبوب الروبوستا المحلية إلى مستوى قياسي إلى نحو 570 ريالا برازيليا للكيلوجرام في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، بزيادة أكثر من 50 في المائة منذ بداية عام 2016، على الرغم من أنه تراجع بسبب الأنباء عن الواردات.
مع انخفاض حجم الصادرات في أول شهرين من عام 2017 بنسبة 35 في المائة أقل مما كان عليه في الفترة نفسها من العام السابق، كان التنفيذيون في الصناعة يحثون الحكومة على فتح المجال أمام الواردات أو المخاطرة بخسارة الحصة السوقية في القهوة سريعة الذوبان.
سوق القهوة سريعة الذوبان تشكل أكثر من ثلث شرب القهوة وترتفع الان بنحو 4 في المائة، على خلفية الطلب من الأسواق الناشئة، خاصة في آسيا وأوروبا الشرقية.
تأثرت الأسواق الدولية أيضا بسبب نقص حبوب الكونيلون. على الرغم من أن معظم الحبوب ذات الجودة المنخفضة في البرازيل تستخدم محليا، إلا أنها تصدر تقليديا ما بين مليون إلى مليوني كيس بحجم 60 كيلو جراما، وأكثر من ذلك في الأعوام الوفيرة.
الانخفاض الحاد في إنتاج حبوب الروبوستا في البرازيل يتزامن مع الطقس الجاف في منطقة جنوب شرق آسيا، حيث فيتنام وإندونيسيا تعتبران من البلدان المنتجة المهمة.
حبوب الروبوستا التي يتم تداولها في لندن وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ خمسة أعوام بقيمة 2173 دولارا للطن في بداية شباط (فبراير) الجاري، على خلفية استمرار المخاوف بشأن الإنتاج في البرازيل وفيتنام.
تم تسجيل آثار جانبية في سوق حبوب أرابيكا. تقول منظمة البن العالمية: "المحامص استبدلت أصول حبوب الروبوستا الأخرى أو حبوب أرابيكا ذات الدرجة الأدنى في خلطات القهوة، ما أدى إلى رفع أسعار مجموعات حبوب أرابيكا".
في البرازيل، المحامص استبدلت حبوب الكونيلون - التي عادة ما تمثل نحو نصف خلطات البن المطحون - بحبوب أرابيكا. كما أن "كوكسوبيه" أكبر جمعية تعاونية للبن، التي تنتج في الأساس حبوب أرابيكا، تقول إنها وسعت الكمية المباعة في السوق المحلية بينما تبيع أقل في الخارج.
التوترات السياسية تتصاعد، حيث يعارض زراع حبوب الروبوستا وممثلوهم في الكونجرس الواردات بشدة. أما المشترون فيستخدمون الجفاف كذريعة لفتح السوق أمام الواردات، وذلك وفقا لإيفير فييرا دي ميلو، عضو في مجلس النواب في الكونجرس من إسبيريتو سانتو. يقول: "إنهم يستخدمون هذه اللحظة من الهشاشة في أعمالنا لمهاجمة منتجنا الرئيسي في الولاية".
زراع البن هم من بين أهم أصحاب الدخول في الولاية. يضيف فييرا دي ميلو أن الواردات سوف تتسبب في إفلاس كثير من المنتجين الأصغر والعائلات.
الفريق المناهض للواردات يستشهد بخبرة قطاع الكاكاو. كانت البرازيل منتجة الكاكاو العالمية البارزة، لكن في وضع مماثل لمشكلة حبوب الروبوستا، فتحت أسواقها للواردات في التسعينيات، عندما افتقرت شركات معالجة الكاكاو للحبوب بعد عدة أعوام من انخفاض الإنتاج.
لم يتمكن الزراع البرازيليون من المنافسة مع الواردات الأرخص، وجنبا إلى جنب مع الآفات والأمراض، تعثر قطاع زراعة الكاكاو.
يقول كارلوس براندو، مدير شركة استشارات البن، بي آند إيه إنترناشيونال: "بالنسبة للولاية التي تعتمد على إنتاج الكونيلون، الخوف الحقيقي هو أنه سيتم استبدال قهوتهم بقهوة من فيتنام أو ساحل العاج".
وحتى لو وافقت الحكومة على واردات حبوب الروبوستا، من غير الواضح ما إذا كان التجار الدوليون سوف يخاطرون بإدخال البن إلى البرازيل نظرا لنطاق المقاطعة بين سائقي الشاحنات وأجزاء أخرى من سلسلة التوريد. يقول أحد وسطاء البن الماليين في لندن: "هناك خطر من بقاء كميات البن قابعة في الموانئ".
ريجو، من جانبه، يشك في أن يكون هناك اندفاع للاستيراد. مثل والده قبله، كما يقول، غالبا ما كان يسمع إشاعات مماثلة كلما ارتفعت الأسعار فوق الحد - حتى يتمكن المشترون "من الحصول على الإمدادات بأسعار رخيصة".
ويضيف أنه مع عودة الأمطار هذا العام، ينبغي أن يبدأ المحصول بالعودة إلى الوضع الطبيعي.