الدين الأمريكي
قصة الدين الخارجي الأمريكي مثال فريد وشامل على سنة من سنن الكون: وهي أن أي وضع غير قويم لابد أن يكون له طرفان وأن الخطأ نادرا ما يكون مرتكبه طرفا واحدا.
يقول تقرير نشرته CNN Money إن من المتوقع أن يبلغ الدين الأمريكي الخارجي ضعف مقداره اليوم خلال 30 عاما فقط وذلك وفقا لقسم شؤون الموازنة في الكونجرس.
ومن المعروف أن دخل الولايات المتحدة متنوع ومتعدد المصادر وأهمها هو الدخل الضريبي أولا ويشكل ما يقارب 20 في المائة من الناتج الإجمالي وبلغت ضرائب الدخل الفردي فقط 900 مليار دولار في عام 2010، وفي الآونة الأخيرة كثر الحديث والقلق من أثر سياسات الرئيس ترمب في مقدار الدين الأمريكي وخاصة في ظل وعود إدارته بخفض معدل الضرائب بشكل عام. ووفقا للبيانات فإن الدين القومي يشكل حاليا 77 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي وهو المستوى الأعلى منذ الحرب العالمية الثانية، ويذكر التقرير أنه لو استمر تطبيق قانون خفض الضرائب بالمستوى الحالي فإن الدين سيقفز إلى 150 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي بحلول 2047 ولو استمر معدل الإنفاق الحالي فإنه سيتجاوز مستوى الدخل المحقق.
أوجه الإنفاق الحكومي في الولايات المتحدة تتصدرها برامج رعاية المواطن Entitlement Programs مثل الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي وبند مدفوعات الفائدة على الدين.
وقد وعد الرئيس وإدارته أن لن يمس برامج الرعاية الصحية للمواطن بالنسبة لفوائد الديون فهي ستتضاعف أربع مرات من 1.4 في المائة اليوم إلى 6.2 في المائة في 2047 ومع هذا سيقل الإنفاق على البرامج التنموية والقسرية للدولة خلال الفترة نفسها.
كيف يمكننا تصور المستقبل الاقتصادي خلال هذه الفترة من زاوية الدول الأخرى؟
تعتبر الولايات المتحدة المقترض الأضخم في العالم، ولأسباب متعددة لا يزال الدولار هو عملة الاحتياطي الأولى في العالم خاصة بعد اتفاقية Bretton Woods في 1944.
ومن خلال أسواق النقد تظل الخزانة الأمريكية متخمة بالديون يوميا دون توقف ومعها الفوائد التي تسددها لكنها بالطبع لا تسدد مبالغ الدين نفسه ولا يمكنها هذا.
إذن أين التوازن الاقتصادي بين الولايات المتحدة والدول الأخرى؟
كيف يمكن لدولة واحدة أن تقترض أموال العالم وتحفظها وتسدد فوائدها دون أصل القرض؟
إذن كان من الضروري أن تبتكر أدوات نقدية لكي تتم إعادة تدوير وتداول الديون من خلال سندات الخزانة في السوق العالمية، بل تم بناء معظم محافظ الاستثمار النقدي Money Market investments في العالم على أساس هذه "الأصول" المبنية نفسها على قوة الولايات المتحدة العسكرية والاقتصادية وديمومتها للأجل الطويل.
هل يفتقر هذا السيناريو إلى التوازن المعقول؟
هذا من المؤكد، لكن لأنه بني بتدريج وإحكام فإن من شبه المستحيل تغييره لأن حل هذا النسيج سيتسبب في حدوث أكبر فوضى اقتصادية في التاريخ المعاصر.
وقد تحدث كثير من الخبراء عن اللا عدالة الاقتصادية، لكن بنظرة أعمق أصبح وجود البديل أمرا صعبا، فجميع الأنظمة الاقتصادية والسياسية في العالم ليست بقوة وعمق ورسوخ اقتصاد أمريكا.
ثانيا تنوع أسواق وأدوات النقد والاستثمار هناك جعل من المغري أن تظل الأموال العالمية مستثمرة هناك.
وثمة أسباب أخرى يطول تعدادها، لكن في المرحلة الحالية من التاريخ المعاصر ربما من المهم استيعاب أهمية العمل على تنمية اقتصادنا المحلي بحيث تقل الحاجة إلى الاعتماد السياسي والاقتصادي على دول خارجية ويخف الضغط على الخزانة المحلية وبالتالي يعود نمونا الاقتصادي بشكل تدريجي ومحكم مع مرور الوقت.