جيم كولينز: نريد مجتمعا أكثر إنتاجية وأكثر إنسانية
يسرد جيم كولينز قصة جده، قدوته الذي يحمل الاسم نفسه، جيمي كولينز، وهو "شخصية بطولية حقا". كان في الثلاثينيات طيارا مختصا في اختبار الطائرات - وليس مجرد طيار اختبار. كتب جيمي أيضا كتابا من أكثر الكتب مبيعا، تم نشره بعد وفاته نتيجة حادث تحطم طائرة. يقول كولينز "إن الأمر المتعلق بالأشياء الصحيحة هو أن الأشخاص الذين لديهم الأشياء الصحيحة لا يعيشون فقط حياة جيدة، إنما أيضا يموتون وهم في وضع جيد".
تجرأت وقلت لا بد أنه كانت هناك أمور كثيرة ليرتقي إليها والدك أثناء حياته. يقول بحذر "كان والدي شخصية مختلفة تماما. كان فنانا، ومات شابا، في سن 48 عاما، وكان من ذلك النوع (...) يمكنني تلخيص الأمر كالتالي: لم تكن الأبوة أمرا مهما بالنسبة إليه".
هذا الجزء من الحوار الذي دار بيننا بعد مرور 25 دقيقة على بداية تناول طعام الغداء في مطعم مورانو، في ماي فير في لندن، يلخص أيضا ما يحبه القراء، أو يكرهونه، في أعمال كولينز. فهو واحد من أفضل كتاب الإدارة المعروفين في العالم وأكثرهم شهرة، والمستشار السابق في "ماكينزي" والمحاضر في جامعة ستانفورد. وقد أنشأ فئة أتباع كبيرة موالية له – وأنشأ أيضا فريقا منافسا من النقاد العنيفين – بما لديه من مزيج البحوث العميقة والحكايات الحية والرؤى القيادية، الذي كثيرا ما كان يتلخص في صور لا تنسى لحد السخافة.
منذ التسعينيات أذاع كولينز بلا توقف أفكارا مثل "أهداف المنظمات التجارية الاستراتيجية" التي يمكن أن يستخدمها القادة لتحفيز التقدم، و"مسيرة الـ 20 ميلا" التي تمنح الفرق الانضباط اللازم للمضي قدما في بيئة يسودها اللبس، و"قادة المستوى الخامس" الذين يجمعون بين التواضع والإرادة.
يأتي مفهوم "القنفذ" من العنوان المعروف لكتاب كولينز "من الجيد إلى الرائع 2001"، الذي يعتمد على مقالة إشعيا برلين "القنفذ والثعلب"، التي تعتمد نفسها على المثل اليوناني "الثعلب يعرف أمورا كثيرة، لكن القنفذ يعرف أمرا واحدا مهما". كولينز حوّل ذلك إلى مبدأ للقادة يتخذونه أمرا أساسيا في حياتهم. ووجد أن الرؤساء التنفيذيين الذين قادوا الشركات التي انتقلت من مجرد وضع جيد إلى وضع رائع حقا كان لديهم فهم بسيط وواضح لما تملكه مؤسساتهم من قدرات ومهارات. منذ ظهور الكتاب، أضاف إلى قائمته التي تضم قادة ناجحين ذوي عقلية متفردة أناسا مثل ويندي كوب، مؤسس "علم من أجل أمريكا"، التي تشجع ألمع طلبة الجامعات على دخول ميدان التدريس، وخورخه باولو ليمان، صاحب المشاريع البرازيلي المسؤول عن نهج عملية الاستحواذ الأخيرة "التي تم التخلي عنها" على شركة كرافت هاينز الذي طبقه على شركة يونيلفر.
من فم المعلم
تناولنا طعام الغداء في اليوم الذي سبق الظهور الحي النادر لكولينز خارج الولايات المتحدة. أكثر من 1100 مدير يدفع الواحد منهم ما يصل إلى 714 جنيها لسماع تلك الأفكار، مباشرة من فم المعلم، في "مركز التميز" في لندن. حذرتُ كولينز من أنه عندما أذكر الأهداف الكبرى الجريئة أمام الزملاء البريطانيين الساخرين، يديرون أعينهم. نحن نجلس في ذلك المطعم مع عدد قليل من الأشخاص الذين يتناولون طعام الغداء مبكرا في مورانو، وأنا متردد في مقاطعة ذلك الهدوء اللطيف الذي يسود غرفة الطعام التي تشرف عليها الشيف، أنجيلا هارتنيت، الحاصلة على خمسة نجوم في تصنيف ميشلان للمطاعم الراقية. لكنني تجرأت على القول، أليس هذا في الأساس هو العلم السلوكي؟
لم يجبني كولينز مباشرة. بدلا من ذلك، ينسب الفضل إلى زوجته، جوان، بالإشارة إلى أنك بمجرد أن توضح معتقداتك يتعين عليك "تلخيص الموضوع بأسلوب يبين أن هذا الملخص هو الأسلوب المفيد لنقل هذه الفكرة".
هل هذه إذن طريقة لتسويق الفكرة؟
يجيب كولينز قائلا لا، إنه التعليم. "أنا في الأساس معلم (...) لم أعمل قط على إنشاء شركة، شركة استشارات كبرى، أو شركة تدريب، وأحرص على أن يكون جدول أعمالي محدودا للغاية. لماذا؟ لأنني لا أرغب في بيع الأفكار، أرغب في تعليم الأفكار".
لكن بالنسبة إلى معلم، كولينز هو رجل مبيعات مؤثر للغاية. فقد باعت كتبه أكثر من عشرة ملايين نسخة، وحُجزت جميع المقاعد في حلقة البحث في لندن، والرؤساء التنفيذيون يندفعون إلى مختبره الإداري في بولدر، في كولورادو، للاشتراك في "حوار السقراطي" مع المؤلف.
هذا النجاح الذي حققه يأتي في جزء منه بسبب الانضباط الذاتي الذي يشتهر به. في الواقع، ما كان يقلقني كثيرا إزاء ذلك الغداء المقرر أن يدوم 90 دقيقة بالضبط، هو أنه يمكن ألا يكون مثمرا - بالنسبة إلى كولينز وليس بالنسبة إلي. حين كان أكاديميا شابا، بدأ تقسيم وقته إلى أنشطة إبداعية وأنشطة فكرية، وكان من رأيه أنها يجب أن تأخذ ما نسبته 50 في المائة من وقته، والتعليم له 30 في المائة، والأمور الأخرى تأخذ الوقت المتبقي. لفترة وجيزة كان يستخدم ثلاث ساعات منبهة. الآن يقوم كولينز بكل بساطة بقياس الجزء الإبداعي، في محاولة منه للحفاظ على متوسط متسلسل يساوي ألف ساعة عمل إبداعي في السنة ونشر المجموع الكلي - الذي حققه وفق مقياس الـ 20 ميلا - على لوح أبيض موجود في مختبره.
يقول إن تحقيق ألف ساعة من العمل الإبداعي بشكل منهجي ليس بالأمر السهل. "إن قمت بالفعل بعِّد ساعات العمل الإبداعي بصورة منضبطة، لا يمكنك التحايل في الأمر، يجب عليك الالتزام بالانضباط". في كل دقيقة من زمن تناول الغذاء تهبط إلى مستوى الحديث العادي والثرثرة، كنتُ أشعر بأن هدفه كان يتباعد.
عندما وصل النادل ليأخذ طلباتنا - اختار ضيفي لحم العجل طبقا رئيسيا من قائمة وجبات الغداء الجاهزة. طلبت أنا سمك الباس من القائمة الانتقائية - كان كولينز يتحدث عن فترة أكثر تطرفا حتى من القياس الذاتي يسميها "التركيز التام على التدريب"، عندما يحتاج إلى تكريس نفسه ووقته لاستكمال مشروع ما. في البداية، يزيد فقط من ساعات العمل الإبداعي. ومن ثم يصبح "منعزلا بشكل عدائي"، كما يقول. في المراحل التالية، يقوم بتعديل نمط النوم بأكمله.
"ليس من غير المألوف بالنسبة إلي المرور في دورة حيث يكون موعد نومي في العاشرة مساء، وأنام حتى الثانية صباحا ربما، ومن ثم أستيقظ وأعمل حتى موعد الإفطار، لأحصل بعد ذلك على فترة قيلولة، ومن ثم فترة أخرى من الوقت، تتبعها فترة عمل ما بعد الظهيرة، وفترة قيلولة أخرى، وفترة عمل مسائية قبل تناول طعام العشاء، والقليل من الاسترخاء، وفترة عمل قبل العشاء، والذهاب للنوم في الساعة العاشرة، والاستيقاظ في الثانية صباحا، وهكذا". يتوقف قليلا، ويقول "قد أتبع ذلك النظام لأسابيع".
من المفترض أن فترة القيلولة لم تكن ضمن نظام "ماكينزي". انضم كولينز إلى مكتب ماكينزي في سان فرانسيسكو في سن 28 عاما، بعد تخرجه في تخصص العلوم الرياضية. في "الأخلاقيات المهنية" التي أرسى دعائمها مارفين باور، الذي شكل الاستشارات الحديثة، وجد بديلا لما لم يقدمه والده الراحل "أن تكون متأصلا في نظام القيم الذي أوجده مارفين باور كان فترات الحظ الرائعة في حياتي".
تمكن كولينز أيضا من الانخراط في مشروع كان هدفه صناعة اسم لمستشاري ماكينزي، روبرت ووترمان وتوم بيتيرز، من خلال كتاب "بحثا عن التميز" (1982)، وهو كتاب تصدر قائمة الكتب الأكثر مبيعا في نيويورك على مدى عام ونصف وأرسى الدعائم لكولينز وغيره من كبار معلمي الإدارة. قال إن العمل في ذلك المشروع "زرع بذور أمر أصبح عملا ممتدا على مدى 25 عاما".
عندما أقول إنني أشعر برهبة نوعا ما تجاه شخص يتمتع بالانضباط الذي يجعله يرى مسيرة حياته المهنية بوضوح كما فعل كولينز، ينفي بكل أدب أن كل شيء كان مخططا له. لكن من الواضح أنه كان شابا ذا عزم. عندما بدأ التدريس في جامعة ستانفورد، في سن 30 عاما، شطب الجملة الأولى المستخدمة في وصف المنهج الدراسي في المساق التدريسي وكتب "سيكون هذا مساقا يتعلق بكيفية تحويل شركة مشاريع أو شركة صغيرة إلى شركة عظيمة مستدامة".
كان هذا هو الأصل الذي نشأ منه كتابه الناجح تماما "بُني ليدوم" (1994)، الذي كتب بالتعاون مع زميله الأكاديمي، جيري بوراس، وبأسلوب البحث المميز الذي كان يتبعه: تناول أزواجا من الشركات، وأعد مسيرة تاريخهما، وحسب كيف أصبحت إحداهما ناجحة جدا والأخرى لم تنجح. إنه أسلوب جعله عرضة للانتقادات - والانتقاد الأكثر شيوعا هو أنه ليست جميع الشركات المتبصرة الواردة في كتابه "بني ليدوم" دامت بالفعل وكذلك لم تبق جميع الشركات الرائعة الواردة في كتابه "من الجيد إلى الرائع" على حالها من العظمة.
من رأي كولينز أن مثل هذه الانتقادات باعثة على الإحباط. ومن بين كل الكتب التي ألفها، يقول إن الكتاب المفضل لديه هو "كيف تسقط الشركة القوية" (2009)، الذي تناول السبب في فشل وإخفاق الشركات العريقة، بما في ذلك بعض الشركات ("موتورولا" و"سيركيت سيتي") التي سبق له أن احتفى بها في أعماله السابقة. لكنه لا يزال مصرا على أن نهجه ليس أقل صحة من دراسة الأساليب والطرق التدريبية الخاصة بالرياضيين من الدرجة العالمية، حتى وإن تم تحطيم أرقامهم القياسية في وقت لاحق. والأكثر من ذلك، يعتقد كولينز أن من المهم تطبيق تلك المبادئ في حقبة زمنية تتسم بالتعطيل المتكرر، وتهيمن عليها شركات من قبيل أوبر أو جوجل.
"نحن نعلم أن العالم مليء بالغموض، ومليء بالأحداث الفوضوية، ومليء بكل تلك الأنواع من الأمور. لا يزال هناك السؤال نفسه. والسؤال هو كيف لا يزال بإمكانك البدء وبناء شيء رائع ينطوي على إمكانية البقاء والاستمرار في هذا النوع من العالم؟ لذلك، أرفض الفكرة التي مفادها أنه لا يمكنك فعل ذلك. أرفض رفضا قاطعا أن ذلك أمر مستحيل. ربما يكون صعبا. وماذا في ذلك؟ أي أمر غير عادي هو صعب. هذه قطعة لذيذة".
قال ذلك وهو يتناول بالشوكة قطعة من بروكولي الرومانسيكو من طبقه، أخذ ينظر إليها ثم طرح سؤالا مقلقا "هل كنت تعلم أن الرومانسيكو عبارة عن شكل رياضي متكرر؟". يفسر كولينز قائلا إنه عندما درس مقررا في موضوع نظرية الفوضى، كانت الخضراوات تستخدم مثالا على الحدوث الطبيعي للتركيب الهندسي - وهو سبب غريب لاختيار طبق المقبلات، لكنه توضيح جميل للفضول الذي يقول إنه "المحرك الصغير بداخله".
«التفكير بسرعة وببطء»
تولى دانيال كانيمان الانتقادات الموجهة إلى كولينز في كتابه "التفكير بسرعة وببطء" (2011)، متهما إياه "بتجاهل القوة التشكيلية التي يتمتع بها الحظ" في تشكيل مصائر الشركات. هذا الهجوم يحفز كولينز بينما كنا ننتقل لتناول الطبق الرئيسي. يعتقد أنه هو ومورتن هانسن أجابا عن ذلك التساؤل في كتابهما "العظمة بالاختيار"، الذي نشر تقريبا في الوقت نفسه الذي نشر فيه كتاب كانيمان. وبعد تفحص ودراسة الحظ الجيد والسيئ الذي تواجهه أزواج الشركات، توصلا إلى أن السؤال الحاسم لم يكن "هل أنت محظوظ؟"، بل "هل تحصل على عائد عال عن طريق الحظ؟"، ووجدا أن أفضل الشركات تحصل على عائد أعلى من خلال العمل الجاد ونتيجة لذلك ينتعش الوضع بشكل أقوى ضد الكوارث.
وبينما كان منهمكا في تناول لحم العجل في طبقه، يقول كولينز "إنه لمن دواعي الارتياح العميق أننا كنا قادرين على تحديد وقياس الحظ ومن ثم طرحنا السؤال: هل الفائزون محظوظون؟ (...) لنجد بعد ذلك أنهم ليسوا محظوظين".
كولينز زميل طعام أخّاذ، مع السحر الكامن في كونه أستاذا جامعيا عاديا يهتم بطلابه بقدر اهتمامه بعمله الخاص. أشير إلى أنه لا بد أن هناك خطرا ما، بأنه في الوقت الذي يصبح فيه مستثمرا بشكل شخصي أكثر في المبادئ التي صاغها، يصبح أكثر ترددا في التساؤل عما إذا كان سيفشل أي منها.
يقول "يتعين عليك أن تكون منفتحا دائما لاحتمال أن شيئا ما سينفي ما توصلت إليه سابقا". وصل كولينز إلى لندن في الوقت الذي كان فيه النقاد مختلفين حول "3 جي" وكان خورخه باولو ليمان يتعقب محاولة "كرافت هاينز" الطموحة جدا للاستحواذ على "يونيلفر". لكن خلال حلقة البحث الدراسية المباشرة التي عقدت في اليوم التالي لتناول الغذاء، أشار إلى نجاح ليمان باعتباره مثالا بارزا على "قوة الأهداف الجريئة"، وخلال تناول الغذاء قال إن ثقته بتماسك ومتانة النتائج التي توصل إليها سابقا تزداد مع الخبرة. "ما يشعرني بالخوف هو، ماذا لو أننا لتونا فوتنا تماما أكبر وأهم شيء؟"،
أتساءل أين يمكن أن تكمن هذه "المادة المعتمة". خلافا لما يقوله عدد من مختصي الإدارة ذوي الألسنة الذلقة، يحب كولينز التوقف قبل الرد على الأسئلة المعقدة. وهنا يتوقف لنحو عشر ثوان. ومثل شخص آخر من النماذج التي يقتدي بها - بيتر دراكر، أحد مفكري الإدارة الأكثر تأثيرا في القرن العشرين - أمضى حياته المهنية في دراسة المنظمات وكيف تتم إدارتها وقيادتها. لكن التسلسلات الهرمية التقليدية تتفكك في الوقت الحاضر. عندما رد كولينز أخيرا، يقول إنه يتساءل بشكل متزايد "عما إذا كان الهيكل المهيمن في الواقع ليس المنظمات، بل الشبكات".
يتوقف كولينز قليلا ليثني على النادل على طبق لحم العجل المسلوق بالخضراوات، ومن ثم يواصل "مضى قرابة مائة عام على البداية الفعلية للتحول إلى المنظمات المدارة بشكل جيد. بعد مرور مائة عام على ذلك، ربما نكون قد حققنا بالفعل تحولا هيكليا طويل الأمد بالقدر نفسه من الأهمية".
بعض الأدلة والقرائن التي توضح كيفية حل هذا اللغز الذي غيَّر حال العالم موجودة بالأصل في أعماله، ولا سيما أهمية وجود الأشخاص المناسبين في تلك الشبكة. كولينز، "متسلق هاو وعادي للجبال"، صعد إلى مسار "نوز" في منطقة El Capitan في متنزه يوسمتي في كاليفورنيا في يوم عيد ميلاده الـ 50، يقول إن أحد الدروس التي استخلصها من هواية تسلق الجبال هو "إن كنت تريد القيام بأعمال صعبة وشاقة ومخيفة حقا، فمن الأفضل القيام بها مع أشخاص تحب بشدة قضاء وقتك معهم".
في سن 59 عاما، هواية التسلق تمنح كولينز طاقة كبيرة تظهر عليه في اليوم التالي وهو يوزع أفضل إنجازاته على مدى ثلاث ساعات على المسرح. ليس لديه هو وزوجته، الرياضية المحترفة سابقا، أي أطفال. لكن المشاريع الثلاثة التي تعتبر الآن محور تركيزه الإبداعي تبين أنه مهتم بالشباب والإرث بقدر اهتمام أي أب. أحد تلك المشاريع هو دراسة ما يحفز مديري المدراس في مدارس المقاطعات التي تعاني أقسى الظروف. أما المشروع الثاني فسيكون ما يطلق عليه "خريطة وتحد للقادة الشباب"، يدعمه جزئيا عامان من التعليم - والتعلم - في أكاديمية ويست بوينت العسكرية الأمريكية. أما المشروع الثالث فهو تحليل للتجديد الذاتي، ولا سيما مسألة السبب في أن كثيرا من الأفراد يفشلون في تجديد ذواتهم وهم في منتصف العمر.
ما بعد الـ 60
يقول كولينز "أود التجديد، أود أن أتعرض للتجديد. بالنسبة إلي السنوات الكبرى تكون في سن الـ 60 حتى الـ 90". يشير إلى أنه عندما التقى بيتر دراكر للمرة الأولى، وكان عمره حينها 86 عاما، كان ذلك الحكيم المولود في فيينا لا يزال في داخله عشرة كتب ليؤلفها. "أرغب في أن يتضاءل ما حدث قبل هذا أمام ما سيحدث بعده".
بينما كنا نتناول حلوى الشوكولاتة اللزجة، يبدو أنها اللحظة المناسبة لطرح تساؤل آخر يحتاج إلى التفكير فيه قبل الإجابة عنه.
ناصر كولينز قادة المستوى الخامس، واصفا إياهم بأنهم غالبا ما يكونون "متواضعين وهادئين ومتحفظين وحتى خجولين". مع ذلك، وفي كل أنحاء العالم، يجري انتخاب القادة الذين يبدو أنهم يتحدون ذلك الأنموذج من التواضع. دونالد ترمب في الولايات المتحدة هو العودة الأكثر وضوحا لأسلوب الإدارة الذي ساد ما قبل التسعينيات الذي يتسم بالسيطرة والتجبر. هل تعلم القادة أي درس من النماذج الأكثر مبيعا الواردة في كتب كولينز والمتعلقة بكيفية إدارة المنظمات؟
يراوغ كولينز عند أي محاولة تجعله يعلق على ترمب. يقول "أنا أميل إلى الالتزام والتمسك بما أعلم". القيادة السياسية "طريق بعيد عن مجال اهتمامي". ويضيف "هل ستصحو يوما وتجد أن العالم موطنا للسعادة القصوى وأن جميع مواقع السلطة يهيمن عليها المستوى الخامس؟ أنت تعلم وأنا أعلم من خلال دراساتنا للتاريخ أن هذه ليست الطريقة التي يسير وفقها العالم".
بدلا من ذلك يأمل كولينز في "إطلاق آلية توجيهية" تعمل على جذب المديرين الشباب إلى مناصب قيادية ذات أهداف وقيم. واستهدف هو وبوراس الإجابة عن سؤال عما إذا كانت مثل هذه الشركات التي يحكمها الهدف أكثر نجاحا في كتابه "بني ليدوم". يقول "ما توصلنا إليه هو أنك لست في وضع غير موات، لذلك إن كان ذلك مهما بالنسبة إليك، فعليك تحقيق الفوز. إن لم يكن مهما بالنسبة إليك، فلا يمكنني تقديم المساعدة أو فعل أي شيء حيال ذلك".
هذه تبدو ملاحظة متشائمة بشكل غريب – تقريبا على نقيض أحد أهداف المنظمات التجارية الاستراتيجية – صادرة عن شخص لديه رغبة لا تتزعزع في تحقيق هدف دراكر الرفيع بأن يجعل المجتمع "أكثر إنتاجية وأكثر إنسانية". لكننا الآن تجاوزنا مدة الـ 90 دقيقة الموعودة بنحو ساعة، وكان علي أن أسأل سؤالا أخيرا قبل أن يتحول كولينز إلى التركيز التام على التدريب. هل سيضيف الفترة التي قضيناها في تناول الغداء إلى الهدف المتحرك للألف ساعة التي قضاها في عمل منتِج؟ يتوقف كولينز، ثم يجيب بصورة دبلوماسية "ستحصل على جزء من القسم الإبداعي".