قبلة العيد وأخواتها
القبلة لغة عالمية عبر جميع الثقافات والدول على مر العصور والأزمان، وقد حظيت باهتمام كبير في كتب التراث والشعر والأدب، ودون عنها وحولها كثير من الكتب والرسائل العلمية في الدين، والطب، وعلم النفس، والاجتماع، ولعله أقربها إلى الأذهان كتاب فوزية الدريع "القبلة". وقد أثارت فكرة هذه المقالة عنوان رسالة ماجستير صدرت عن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عنوانها "اللمس والتقبيل"، رغم أنني لم أتمكن من الحصول على معلومات عنها في شبكة الإنترنت. والقبلة من أبسط طرق إظهار المودة والمحبة تجاه الآخرين، وتوثيق العلاقة بين الناس، وهي وسيلة تواصل الأجساد والقلوب والأرواح، وهي تختلف في شكلها والمشاعر المصاحبة لها حسب المكانة الاجتماعية، علاوة على دلالاتها الدينية في كثير من الأديان. فهناك القبلة على الرأس، والقبلة فوق الأنف، والقبلة على الخد، والقبلة في اليد، والقبلة على الكتف، وغيرها. في هذا اليوم السعيد، أي في يوم عيد الفطر، لعلك -أيها القارئ- تُلاحظ أنواعا عديدة وغريبة من القبلات بين الرجال، ناهيك عن أنواع القبلات بين النساء التي لا أعرف عنها كثيرا، وكذلك القبلات المتبادلة بين الأزواج والأحباب. فمن القبلات الشائعة ما يلي: • قبلة الجبين التي تستخدم بين الأقارب، وعادة تكون من الصغير للكبير، وذلك للدلالة على المحبة والاحترام والتبجيل، وهي شائعة في كثير من دول العالم. • قبلة الشفاه، وهي نادرة بين الرجال، ولكنها شائعة بين الأزواج، ويُخشى أنها قد تؤدي إلى نقل الأمراض بين الناس. • قبلة الأنف -التخشيم-، وتسمى قبلة الإسكيمو، وتستخدم مع الأطفال للتحبب والتدليل في بعض البلدان، ولكنها شائعة بين الرجال في بعض أرجاء الجزيرة العربية، خاصة في الإمارات العربية وجنوب غرب المملكة، وقد تؤدي لنقل بعض الأمراض. • قبلة اليد، وتستخدم للتعبير عن الحب في بعض الأحيان، وكذلك عن الاحترام والتقدير في أحيان أخرى، وهي شائعة في كثير من دول العالم، ولكنها تستخدم في الجزيرة العربية للدلالة على الاحترام، خاصة من الأبناء للآباء والأمهات وكبار السن، وخلاف ذلك تُستخدم في الدول الغربية لإظهار الاحترام والتقدير للمرأة على وجه الخصوص. • قبلة الخد، وهي نادرة بين الرجال، ولكنها تُلاحظ بين حين وآخر، وهي غير شائعة في أنحاء الجزيرة العربية. • قبلة الكتف، تستخدم بين الفئات الاجتماعية المتفاوتة في المكانة والمقام، وهي شائعة في اللقاءات بين الناس والمسؤولين في الدولة على وجه الخصوص.
دائما يحلو الحديث عن القبلات عندما يخالطه الغزل والرومانسية، ما يدعو إلى تناول فوائد القبلة على صحة الإنسان النفسية والجسدية، ولا يقتصر ذلك على الزوج، بل القريب والصديق والطفل الرضيع، ومن هذه الفوائد ما يلي: أولا: تسهم القبلة في علاج الإجهاد العصبي وتحرير الجسم من ضغوط العمل والأعباء اليومية المرهقة، فالقبلة تحد من إنتاج هرمون التوتر، وتزيد من مستويات هرمون الاسترخاء، وكذلك هرمون السعادة. وإلى جانب ذلك، تساعد على حرق السعرات الحرارية، ولا يخفى أن القبلة تحرك أكثر من 34 عضلة من عضلات الوجه، ما يزيد الوجه نضارة وحيوية، ناهيك عن العضلات الأخرى في الجسم التي يربو عددها على 100 عضلة. إضافة إلى ذلك، تمنح القبلة ثقة بالنفس تحفز على مزيد من الكسب المادي الوفير، كما يُقال، ولا تقتصر فوائد القبلة على ذلك، بل ينصح بها أطباء الأسنان للحد من التسوس.
وأخيرا يزخر الشعر العربي بأعذب الأشعار التي ترسم مشاعر القبلة وأحاسيسها، فيقول امرؤ القيس:
وقبلتها تسعا وتسعين قبلة .. وواحدة أخرى وكنت على عجل.
وينحو يزيد بن معاوية المنحى نفسه، فيقول:
وقبلتها تسعا وتسعين قبلة.. مفرقة بالخد والكف والفم.
ولا يقتصر اهتمام الشعراء بالقبلة في العصرين الجاهلي والأموي، بل حظيت باهتمام أكثر في الوقت الحاضر، فهاهو إبراهيم ناجي يتغنى، فيقول:
وإن كنت في شك سلي القبلة التي .. أذاعت من الأسرار كل دفين.
مناجاة أشواق وتجديد موثق .. وتبديد أوهام وفض ظنون.
ونظرا لتكاثر الناس، وكثرة مناسبات العيد، وانتشار الأمراض بين وقت الآخر، فإنني أقترح أن تقتصر قبلة العيد على الأقارب من الدرجة الأولى -الآباء، والإخوة، والأخوات-، في حين يكتفى بالمصافحة في سلام العيد بين الرجال على وجه الخصوص.
ولعلي أختتم القول بتقديم التهنئة الخالصة لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين والشعب السعودي الأبي، وأدعو الله أن يعيده على الجميع بالخير والصحة والسعادة.