المناسبات الدينية .. والقيم الأخلاقية
في كلمته التي وجهها للمواطنين والمسلمين في كل مكان بمناسبة عيد الفطر المبارك، قال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ــ حفظه الله ــ "قد هذب الإسلام النفس الإنسانية في كافة أحوالها، وجعل من العيد فرصة عظيمة للتواصل، وبث روح التسامح والألفة والتكافل بين أفراد المجتمع الإسلامي، فيجود فيه الغني على الفقير مما أنعم الله عليه من فضل، ويصفح المظلوم عمن ظلمه، ويصل ذو الرحم رحمه".
كلمة خادم الحرمين الشريفين ــ حفظه الله ــ يجب أن تكون نبراسا لكل مواطن سعودي لفهم مقصد الدين الإسلامي الحقيقي في تشريع العبادات الروحانية والمناسبات الدينية ومعرفة علاقتها بالقيم الأخلاقية ومفاهيمها كالتسامح، والألفة، والتكافل، والرحمة، والعطاء، والإحساس بالآخر، وما ينتج عن الالتزام بها من مودة، ومحبة، واحترام، وتماسك، وأمن وأمان، ولحمة وطنية تواجه أشد التحديات والمشكلات والمصاعب، وأثر ذلك في مهمتنا كبشر في عمارة الأرض في المجالات كافة.
ولقد تذكرت كثيرا من السلوكيات الخاطئة التي يقع فيها كثير من المواطنين في التعامل مع بعضهم بعضا، ومع الآخرين، ومع البيئة التي نعيش فيها. نعم تذكرت ذلك وأنا أغوص في معاني كلمة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله، التي استحثت تفكيري لربط كثير مما أسمعه من حديث عند وقوع الممارسات الخاطئة من البعض، فكم من مرة سمعت "أين الأخلاق التي تعلمها الناس من تعاليم الدين، ومن صلاتهم وصيامهم وحجهم وهم يتقاعسون عن العمل بالغياب أو التأخر أو التقصير في خدمة المراجعين والعملاء أو التهرب من أداء الواجبات، ويكذبون على مسؤوليهم بأعذار واهية"، وكذلك سمعتها عندما يرمي أحد النفايات والمخلفات من سيارته في الشارع، وعندما يقطع أحد الإشارة أو يتجاوز السيارات ليحصر نفسه بين إحداها والرصيف دون احترام للدور والنظام، وكثير كثير من السلوكيات الخاطئة.
سمعت ذات مرة من أحد الأصدقاء هذا القول حينما خرج من صلاة القيام ورأي شبابا تبدو عليهم مظاهر التدين وهم يرمون علب الماء الفارغة، والمناديل المستخدمة من سيارتهم قرب المسجد، حيث قال لهم: أين أثر الصلاة التي كنتم تؤدونها قبل قليل وهي سنة وصبرتم على تعبها؟ ألم تعلموا أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر؟ وأن ما تفعلونه منكر لا يرضاه الله ورسوله والمسلمين، لماذا ترمون الأذى في الطريق وأنتم مدعوون من رسول الله بإماطة الأذى عن الطريق؟ أليس الإيمان كما قال رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها، إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان؟
وذات مرة سمعت أيضا أحد الأصدقاء يتحدث عن زميل له عامل أحد العمالة بازدراء وكبرياء وقسوة وبصورة مهينة، ويقول لقد آلمه الموقف وتحدث لزميله قائلا له: كيف تفعل ذلك وقد حججت العام الماضي؟ ألم تتعلم من الحج التواضع؟ ألم تر في الحج كيف أن الناس سواسية أمام الله؟ ألم تعرف مقاصد الحج في تهذيب الأخلاق بزرع القيم الأخلاقية ومفاهيمها السليمة؟ ألم تسمع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعلُه حسنة، قال عليه الصلاة والسلام: إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس".
سمعت أيضا أن بعض الموظفين يعتذرون بأعذار واهية للذهاب للعمرة وترك أعمالهم المنوطة بهم بشكل يؤدي إلى تأخرها، وتذمر المراجعين أو أصحاب المصالح. وسمعت من بعض الأصدقاء أن ذلك ينم عن شخصية متناقضة تبحث عن الأجر والثواب في عبادة هي من السنن، وتترك الأجر الثواب في مجال عملها بإتقانه والقيام بمهامهم التي من أجلها تدفع لهم الأجور والمكافآت، وعبر أحد الأشخاص بعبارة أعجبتني وهي أن هؤلاء يحملون "منظومة قيم أخلاقية متناقضة ومشوهة" لعدم إدراكهم منظومة العبادات الروحانية وعبادة المعاملات وعلاقة هذه بتلك وأولويات العبادات، وذكر أحدهم أن الإمام أحمد بن حنبل تأخر عن صلاة الفجر لرعاية جاره المريض بسبب شربه النبيذ، من باب الأولويات في العبادة الروحانية وعبادة المعاملة.
أعود مرة أخرى لفوائد العبادات والمناسبات الدينية في توجيه وتحسين السلوك الإيجابي بترسيخ القيم الأخلاقية، حيث قرأت أن هدف الصيام تعزيز التقوى في نفوس المسلمين بامتناع الصائم بالنهار عن الحلال كالطعام كامتناعه عن المحرمات من كذب، وازدراء، وتكبر، وخداع، وسباب وشتائم، وغيبة وغيرها، حيث يُذكر شهر رمضان الصائمين بقيم الصدق، والصبر، والحلم، والاحترام، والتسامح، وحب الخير، والعطاء، والهمة في العمل والأداء المتقن، ويدعوهم لممارستها سلوكا أخلاقيا يميزهم عن غيرهم، وإلا فإنه ليس لهم من الصيام إلا الجوع والظمأ، فهل نرى أثر هذه العبادة في أثناء شهر الصيام وبعده على المسلمين؟ الأمر يتطلب بحث ودراسة لمعرفة إلى أي درجة يكون الأثر؟ ولماذا؟ وإن كان الواقع الذي نعيشه يشهد بأن الأثر ضئيل جدا، وأن الارتباط بين العبادات الروحية وعبادات المعاملات يكاد يكون شبه منعدم.
يقول أحد مديري القطاع الخاص: يبدو لي أن قيم رمضان انقلبت رأسا على عقب، فالشهر أصبح شهر الإسراف في المأكل والمشرب، والعزوف عن العمل، والكسل بدعوى الصيام، ولك أن تشاهد أقسام الإسعاف بعد الإفطار لتعرف أثر الإسراف في الأكل والشرب، ولك أن تقيس إنتاجية الموظفين في رمضان لتعرف مدى الكسل والتقاعس بدعوى الصيام.
ختاما وانطلاقا من كلمة خادم الحرمين الشريفين ــ حفظه الله ــ التي حثنا فيها على بث روح التسامح والألفة والتكافل، والجود، والصفح، وصلة الأرحام بمناسبة عيد الفطر المبارك، أرجو أن تعمل الجهات المعنية كوزارة التعليم ووزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد على توعية المواطنين بالقيم الأخلاقية المستمدة من العبادات الروحانية ليتمثلوها سلوكا نافعا لهم وللمجتمع والوطن.