تقييم عقارات «الريت»
حددت معايير التقييم الدولية ثلاثة طرق لتقييم العقارات أو ما يعرف بالأصول غير المنقولة، وتتلخص هذه الطرق في: طريقة التكلفة، وطريقة المبيعات المشابهة أو السوق، وطريقة الدخل. وغالبا ما يحتاج المقيم إلى أن يعمل على هذه الطرق الثلاثة، حتى يتوصل لنتيجة تكون متوافقة مع نوع القيمة المطلوبة، التي غالبا ما تكون القيمة السوقية العادلة، وكذلك الغرض من التقييم. وأود أن أركز الحديث هنا على تقييم العقارات لغرض تحويلها إلى صندوق عقاري استثماري متداول "ريت"، وهو موضوع حساس ومهم لما سيتبع هذا التقييم من قرارات مهمة سواء على الصعيد الرسمي؛ الذي يتمثل في الموافقة على طرح "الريت" بناء على التقييمات واعتمادها كأساس لقيمة الصندوق، وكذلك على صعيد الأفراد الذين سيكتتبون ويستثمرون لاحقا في هذه الصناديق بناء على التقييمات، وأنها جاءت من جهات تقييم عقاري معتمدة من الهيئة السعودية للمقيمين المعتمدين "تقييم".
تقييم العقارات لغرض "الريت" يجعل الرؤية واضحة لدى أي مقيم، إذ إن الهدف من هذه العقارات هو دخلها، وبالتالي فطريقة الدخل ستكون هي الأساس لتقييم العقارات المدرة للدخل حاليا، أما العقارات التي تحت التطوير فيمكن تقييمها بطريقة التكلفة للتطوير، وطريقة المبيعات المشابهة، أو القيمة المتبقية للتوصل إلى قيمة الأرض، لكن لا بد من التأكيد هنا أن المقيم ومستشار الطرح الذي يتفحص ملف الطرح من هيئة سوق المال، يستوعبان تماما أن طريقة الدخل هي الأساس في هذا النوع من العقارات، ويندرج تحت طريقة الدخل عدة أساليب مثل رسملة الدخل؛ التي تعتمد على معدل العائد السائد والمتوقع لهذا النوع من العقارات، وكذلك خصم التدفقات النقدية، الذي يعتمد على عدة متغيرات مثل النمو أو الانخفاض المتوقع في الإيرادات، وكذلك حساب معدل الخصم بشكل دقيق، ولذلك أجد أنه من الأفضل بالنسبة للتقييم لغرض "الريت"، وبسبب ضعف البيانات التي توجد في سوقنا العقارية السعودية، أن يتم استخدام الطريقة الأقل فرضيات، التي تكون فيها البيانات مباشرة وهي أسلوب رسملة الدخل، حيث يعتمد هذا الأسلوب على إيجاد صافي الدخل التشغيلي، وهو الدخل بعد استبعاد الشواغر وتكاليف الصيانة والتشغيل، ثم قسمة صافي الدخل التشغيلي على معدل الرسملة، ولذلك على المقيم والمسؤولين عن قراءة تقاريره أن يتنبهوا إلى أمرين، وهما، أولا أن تكون عقود الإيجار منطقية وليست صورية، وذلك أن يقوم المالك مثلا بإبرام عقد لمدة ثلاث أو خمس سنوات، وقد بيت النية أن يوقف هذا العقد بعد هذه المدة مقابل أن يتخارج اليوم ويبيع عقاره أو جزءا من ملكيته لـ "الريت". وهنا تقع المسؤولية على المقيم العقاري أن يتأكد أن القيمة التأجيرية في هذه العقود تمثل القيمة التأجيرية العادلة في تلك السوق. ثانيا، معدل الرسملة، التي لها وجهان لا بد من النظر فيهما وتأملهما بكل دقة؛ وهما تأمل تغيرات السوق وتفضيلاتها، وكذلك تأمل وضع العقار وتفاصيل عقد إيجاره، لأن المنطلق الأساس لمعدل الدخل الذي يجب أن ينطلق المقيم منه، هو أن يتناسب معدل العائد طرديا مع المخاطر، ولذلك إذا نظرنا لوضع السوق الحالي، نجد أن بعض حسابات الادخار بصيغة المرابحة تصل عوائدها إلى 3 في المائة بعد أن كانت خلال سنوات عديدة سابقة قبل 2014 لا تعطي أكثر من 1.5 في المائة، بل أقل. وهنا نتحدث عن استثمار منعدم المخاطر تقريبا. وإضافة إلى ضبابية الأوضاع وعدم اليقين بحالة السوق، يرتفعان غالبا توقعات العائد مقابل ضخ الاستثمارات، ولذا فإن معدل الرسملة الذي كان في السابق في المدن الرئيسة والمواقع الاستراتيجية يصل إلى 7 في المائة، نجد أنه وصل إلى 8 في المائة أو حتى 8.5 في المائة، ما عدا مكة والمدينة، اللتين لهما وضع خاص، أما الأمر الآخر فهو حالة العقار وموقعه وهل سيكون هناك مجال لارتفاع قيمته على المديين المتوسط والبعيد؟ وكذلك النظر إلى عقد الإيجار من حيث مدة التأجير وهل هناك التزام طويل المدى وبنسبة تصاعدية كل فترة؟ ومن المهم النظر إلى ملاءة وقدرة المستأجر على الوفاء بالالتزامات المالية، وما تاريخه في السوق وفي المجال الذي يعمل فيه. وكل هذه المتغيرات ستنعكس على مخاطر الدخل والتشغيل، وبالتالي تنعكس على معدل الرسملة ومدى ارتفاعه، ولذلك هناك مسؤولية مهمة على المقيم وكذلك مستشار الطرح ومسؤولي هيئة سوق المال، للتأكد من أن هذه الأرقام واضحة وعدم الأخذ بتاتا بأي طريقة إلا طريقة الدخل للعقارات التي تدخل صناديق "الريت"، وعدم اعتبار طريقة التكلفة حتى لا يؤثر تضخم أسعار الأراضي خلال الفترة الماضية على قيم العقارات، وإعطائها قيمة غير منطقية لن يستفيد منها المستثمر وستضره في حال انخفاض أسعار الأراضي، لأن الأخذ بالدخل المنطقي والحقيقي المتوافق مع أوضاع السوق هو صمام الأمان للعقارات الاستثمارية وكذلك لملاكها.
الخلاصة، لا بد من وجود قصور في أي شيء جديد، لكن المهم تداركه بسرعة واستعياب تبعاته، حتى لا تؤثر في ثقة المستثمرين، ولا أرغب في أن أرى "الريت"، الذي يعد أسلوب استثمار جيدا قد تحول إلى طريقة للتخارج بأسلوب سيئ وخادع، دون أن يكون للجهات الرسمية موقف واضح وحماية للمستثمرين في هذه الصناديق.