لماذا لا يتراجع الصندوق العقاري؟
قد يكون تحول صندوق التنمية العقارية أحد أهم التطورات التي تمس المواطن بشكل مباشر, ولذلك فإن التواصل الفعال بين الصندوق والمهتمين بالشأن العام والإسكان وكذلك المواطنين الذين يعتبرون بمنزلة العملاء له كمنشأة تقدم خدمة مهمة ممثلة بقرض السكن يعتبر ركيزة أساسية في نجاحه, ومن ثم فإن التنفيذ الجيد والمتقن لمنتجات التمويل العقاري يعد العنصر الآخر المهم ليخرج المواطن بتجربة مميزة مع الصندوق. وانطلاقا من ذلك قام صندوق التنمية العقارية بمبادرة جيدة من خلال عمل لقاءات دورية مع المهتمين بمجاله ومجال الإسكان بشكل عام, وقد حضر هذا اللقاء مجموعة من المهتمين والمتخصصين في المجال المالي والعقاري لطرح أبرز المعلومات والتحديات التي واجهت الصندوق قبل تحوله وأثناء تحوله والتي ستواجهه مستقبلا, كان الحديث مع خالد العمودي المدير العام للصندوق يتسم بالشفافية والوضوح لطرح التساؤلات والقلق الذي يساور المواطنين المستحقين للقرض من الصندوق وكيفية توجيه الدعم مستقبلا لهم, ولماذا حصل التحول؟ ولماذا ما زالت بعض المنتجات المهمة غير مفعلة بشكل كامل مثل البناء الذاتي؟ وقد حصلنا على إجابات مباشرة وواضحة بكل شفافية, كما أن هناك اعترافا بوجود أوجه قصور يتم العمل عليها لتحسين المنتجات وتفادي ما يشتكي منه الأغلبية المستفيدة حاليا.
لنشخص أولا مشكلة الصندوق المالية ثم نبدأ بطرح الإشكالات بعد نموذج التحول, حاليا لدى الصندوق 500 ألف مواطن في قائمة الانتظار مستحقون لقروضهم, ولديه تحصيل يقارب ستة مليارات ريال سنويا, وهذا يعني أن الصندوق سيقرض فقط 12 ألف مواطن سنويا لو اعتمد على التحصيل دون أي دعم حكومي, أي أنه سيحتاج إلى قرابة 40 عاما لينجز قائمة الانتظار الحالية, وهذا بلا شك غير منطقي, وفي أفضل حالات ارتفاع أسعار النفط ووجود الفوائض المالية لدى الدولة قام الصندوق خلال مسيرته كاملة بإقراض 55 ألف مستفيد في سنة معينة, أي أن الانتظار سيمتد إلى تسع سنوات في حال استمرار النقد المتدفق من الحكومة إلى الصندوق كما كان في أفضل حالاته في تلكم السنة الذهبية, وهذا بالطبع مستحيل مع الوضع الحالي لأسعار النفط وإيرادات الدولة, وكذلك توجه الحكومة لمحاولة الاستقلال باقتصاد السعودية عن تذبذب أسعار النفط, ولذا جاءت فكرة تحول الصندوق وتغيير هيكلته بهذه الطريقة حيث لا يضطر الصندوق لصرف كامل موارده المالية على أصل القرض وإنما صرف الأرباح فقط لجهات التمويل التي ستعطي المواطن وهذا بالنسبة لي كمتخصص شيء جيد ومنطقي ولا غبار عليه, يأتي الأمر الآخر الذي سبب كل هذه الجلبة وهو ضعف تنفيذ منتج البناء الذاتي الذي يعد صميم عمل الصندوق العقاري وأساس إنشائه قبل نحو 40 عاما, ولذلك كان الاعتراف بأن هناك قصورا في هذا البرنامج يتم العمل عليه بشكل مكثف مع جهات التمويل, وهناك عديد من النماذج المطروحة التي أجد أنها محاولات جيدة ليعود الدعم ميسرا وسلسا كما كان وبأعداد كبيرة كما هو مخطط له, كذلك تم طرح آلية الدعم للأرباح وتحويلها للمواطن وقد عمل الصندوق على تحسين آلية إرجاع الأرباح للمستحقين خلال ساعات قليلة من سحب القسط من قبل جهات التمويل, ويعمل حاليا على التوصل إلى آلية أكثر يسرا وسهولة على المواطن بهذا الصدد, كما تم التطرق إلى دعم من لا تقبل جهات التمويل إقراضهم سواء من أصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة أو العاملين فيها وكذلك من رواتبهم أقل من 5000 ريال وهناك طريقة يعمل عليها الصندوق لضمان هذه الشريحة من المستفيدين ليحصلوا على قروضهم دون أي عقبات, كما تم التطرق إلى مشكلة الذين لم يسددوا ما عليهم من مستحقات تقدر بـ30 مليار ريال, وللأسف أن بعض هؤلاء لديه القدرة المالية بل إن بعضهم أغنياء وأصحاب ثروات ومع ذلك لم تؤنبه نفسه الدنيئة على أخذ أموال إخوانه المواطنين بالباطل, وآثر ألا يسدد القرض الحسن الذي عليه وبهذا عطل آلاف المستحقين, وهذا بلا شك خطأ مشترك يتحمله صاحب الضمير الميت الذي لا يراعي حق الآخرين وكذلك مسؤولو الصندوق سابقا الذين أهملوا وضع آلية محكمة لتحصيل الأموال واستردادها لمصلحة الصندوق وبالتالي تحسن موارده المالية التي تعتبر أكسجين الصندوق الذي لن يستطيع أداء مهمته دون توافره, ولذا أناشد هؤلاء المقتدرين خاصة الذين لم يسددوا أن يتقوا الله في أموال المسلمين ويردوا ما في ذمتهم من قرض حتى ينتفع إخوانهم من بعدهم.
الخلاصة, مما رأيته أن محاولة التحسين المستمر تمضي على قدم وساق, والرغبة في التطوير لدى العاملين في الصندوق جادة مع ضعف الموارد المالية لديهم التي تعد بمثابة الأكسجين الذي يتنفس منه الصندوق, لكن يبقى أثر هذه البرامج وسرعة تنفيذها وقياس مستوى رضا العملاء عن أداء الصندوق هو المحك الحقيقي, ولذلك فالحملات التثقيفية والاستماع للشكوى واتساع الصدر لها وفهم وجهة نظر الناقدين أمر مهم وأجد أن مثل هذه اللقاءات الدورية التي بدأها الصندوق للمهتمين توجه جيد أرجو أن تحذو حذوه بقية الجهات الحكومية.