آفاق استثمارية جديدة بين السعودية وروسيا تعززها «رؤية 2030» في عدة مجالات
في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، شهدت العلاقات بين السعودية وروسيا الاتحادية تقاربا في وجهات النظر تجاه القضايا الإقليمية والدولية وتوجت برغبة مشتركة لدعم هذه العلاقات في مجالات عدة منها الاقتصادية التي وصل فيها حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى أكثر من 2.8 مليار دولار عام 2016، وسط طموحات ترمي إلى رفع هذا الرقم في ظل وجود "رؤية المملكة 2030" الساعية إلى ترسيخ مكانة المملكة كقطب من أقطاب الاقتصاد والتنمية عالميا.
وأثبتت المملكة متانة اقتصادها بعد أن حقق نموا إيجابيا بلغت نسبته 1.7 في المائة خلال عام 2016 على الرغم من تقلبات أسعار النفط العالمية، مدفوعا بعوامل عدة مع توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ومتابعة الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.
وفي لغة الاقتصاد تتقارب المملكة وروسيا، حيث تحتل روسيا المرتبة الـ 12 في العالم من ناحية الناتج المحلي الإجمالي، والسادسة عالميا في القوة الشرائية، وأكبر احتياطي غاز طبيعي في العالم، فيما تعد السعودية أكبر مصدر للنفط، وثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم، والعضو الرئيس في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وتلتقي مع روسيا في مجموعة العشرين التي تضم دول أكبر 20 اقتصادا في العالم.
واتفقت المملكة وروسيا خلال اجتماع عقد على هامش قمة مجموعة العشرين المنعقدة في الصين 2016 على تعزيز التعاون بينهما في قطاع النفط والغاز، بما يشمل استخدام التقنيات الجديدة وتبادل المعلومات والخبرات من أجل رفع مستوى التطبيقات التقنية في مجالات الإنتاج والتكرير والتخزين والنقل والتوزيع وإنتاج المعدات والخدمات المساندة مثل: الهندسة والتصنيع والأنشطة البحثية، إلى جانب التعاون في إنتاج الكهرباء والطاقة المتجددة.
كما جرى الاتفاق على استكشاف إمكانية تأسيس قاعدة بيانات مشتركة حول تقنيات الطاقة المتقدمة، وإجراء تقييمات لجدوى استخدام هذه التقنيات والاستفادة منها وتمويلها من خلال الصناديق الاستثمارية السيادية العائدة لكلا البلدين.
وتمتلك المملكة حاليا اقتصادا حيويا واعدا يتسم بالاستدامة في النمو وذلك بعد إطلاق "رؤية 2030" الأمر الذي جعل منها بيئة جاذبة للاستثمارات الأجنبية، وحققت بقيادة خادم الحرمين نقلة تنموية نوعية غير مسبوقة عززت من متانة الاقتصاد الوطني، ومن مركزها المالي في ظل ارتفاع حجم الاحتياطيات المالية، حيث تضاعف الناتج المحلي الإجمالي على مدى السنوات العشر الماضية، ما جعلها ثالث أكبر احتياطي للعملة في العالم.
ودخلت الاستثمارات الروسية إلى المملكة عن طريق ثلاثة مجالات تنموية هي: الخدمية، الصناعية، والمقاولات والتشييد - بحسب بيان الهيئة العامة للاستثمار لـ"واس"- في حين يبلغ إجمالي رأس المال في القطاع الخدمي 2.25 مليون ريال موزعة على أربعة مشروعات، والقطاع الصناعي 71.221 مليون ريال موزعة على خمسة مشروعات، وقطاع المقاولات والتشييد 31.15 مليون ريال موزعة على 14 مشروعا.
وتسعى المملكة ضمن "رؤيتها 2030" إلى مضاعفة إنتاج الغاز الطبيعي، وزيادة الاستفادة من موارد الطاقة الذرية والمتجددة، ودعم مختلف الصناعات الوطنية مثل: صناعة الأسمدة التي تنتج منها 44 في المائة من حجم السوق العالمي، إلى جانب تعزيز دورها المتميز في الصناعات النفطية التي بلغت قيمتها في شهر تموز (يوليو) عام 2017 أكثر من 47 مليار ريال، بنسبة ارتفاع بلغ (3.6 في المائة) من الشهر نفسه عام 2016.
وينظر المستثمرون في العالم إلى الخطوات الاقتصادية الجديدة التي أعلنت عنها المملكة في إطار "رؤية 2030"، ومنها: البدء في استقبال طلب عروض التأهيل للمرحلة الأولى من مشروعات الطاقة المتجددة التي تهدف لإنتاج 700 ميجاواط من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وإطلاق المشروع الوطني للطاقة الذرية الرامي إلى تعزيز وتنويع مصادر الطاقة الكهربائية، وصولا إلى مزيج الطاقة الأمثل، ناهيك عن مجال الصناعة الذي توج بإطلاق مجمع الملك سلمان العالمي للصناعات البحرية في مدينة رأس الخير الصناعية التي ستشكل قاعدة للصناعات المتكاملة.
كما ينظرون إلى استقطاب المملكة لسبعة مشروعات استثمارية لمدينة جازان الاقتصادية تركزت في صناعات البتروكيميائيات، والأدوية، والحديد، والخرسانة، إضافة إلى بناء 20 مصنعا جاهزا في واحة "مدن" في الأحساء للاستثمار في أكثر من عشرة نشاطات منوعة مثل: الصناعات الغذائية، والمستلزمات الطبية، واحتضان أكثر من 127 مشروعا تقنيا، وإنشاء مدينة الطاقة الصناعية التي ستسهم في إضافة 22 مليار ريال للناتج المحلي سنويا.
ويحظى قطاع التعدين والصناعات المرتبطة به في المملكة باهتمام هؤلاء المستثمرين، إذ شهد أخيرا تطورات عديدة منها: اكتمال إنشاء مدينة "رأس الخير" للصناعات التعدينية على ضفاف الخليج العربي لاستثمار موارد الفوسفات والبوكسايت، ومشروع الملك عبدالله لتطوير مدينة "وعد الشمال" للصناعات التعدينية في منطقة الحدود الشمالية، ناهيك عن جهود صندوق التنمية الصناعية السعودي الذي حظي بزيادة رأسماله عدة مرات حتى وصل إلى 65 مليار ريال حاليا لتعزيز دخول المملكة لمرحلة الصناعات.
وتستهدف الهيئة العامة للاستثمار القطاعات الحيوية الروسية في قطاع النفط والغاز، وصناعة الغذاء، والمركبات، وذلك في إطار الاتفاقيات الموقعة بين البلدين التي بدأت عام 1994 في مجالات: التجارة والاقتصاد، واستثمار الأموال، والعلوم والتقنية، والثقافة، والرياضة والشباب، وتطورت عام 2003 في النفط والغاز، والعلوم والتقنية، ثم عام 2007 في: الاتصالات الجوية، الثقافة، وتبادل المعلومات، والتعاون المصرفي، والتوقيع على معاهدة تفادي دفع الضريبة المزدوجة على المداخيل ورؤوس الأموال.
وتؤكد الهيئة أهمية حجم الاتفاقيات المبرمة بين البلدين عام 2015 إبان زيارة الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز إلى روسيا، إذ جرى التوقيع في مدينة سان بطرسبيرج على عدة اتفاقيات تعاون في مقدمتها: استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، وعلوم الفضاء، والإسكان، وفرص استثمارية متنوعة.
في ضوء ذلك، نوه المهندس أحمد بن سليمان الراجحي رئيس مجلس الغرف السعودية إلى الاهتمام الكبير الذي تحظى به العلاقات الاقتصادية السعودية ـــ الروسية من قيادة البلدين ممثلة في خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، والرئيس فلاديمير بوتين رئيس روسيا الاتحادية، مؤكدا ضرورة استثمار هذا الدعم من كل الأوساط الاقتصادية في القطاعين العام والخاص لتطوير شراكة مستقبلية بين البلدين الصديقين.
وقال في حديث لوكالة الأنباء السعودية، إن السعودية تسعى إلى تعزيز علاقات الشراكة الاقتصادية مع الدول الفاعلة في منظومة الاقتصاد العالمي وفقا لـ"رؤيتها 2030" المهتمة بجذب الاستثمارات الأجنبية والشراكات التجارية، مبينا أن العلاقات الاقتصادية السعودية ـــ الروسية تستند إلى قاعدة مؤسسية متينة من خلال عدد من الاتفاقيات التجارية والاستثمارية الموقعة بين البلدين، ويتابع تنفيذها "اللجنة السعودية الروسية المشتركة" و"مجلس الأعمال السعودي الروسي".
وبشأن حجم التبادل التجاري بين المملكة وروسيا، أوضح المهندس الراجحي أنه وصل إلى أكثر من 2.8 مليار ريال عام 2016، داعيا إلى زيادة حجم التبادل التجاري من خلال استثمار الفرص المتاحة في كلا البلدين، وإزالة المعوقات التي تواجه تدفق الاستثمارات وانسياب السلع إلى روسيا، بما في ذلك النظر في الرسوم الجمركية الروسية، وإيجاد خطوط نقل مباشرة، وتوفير المعلومات اللازمة للمستثمرين السعوديين عن السوق الروسية.
ودعا المهندس الراجحي قطاعي الأعمال السعودي والروسي إلى استثمار الظروف الملائمة والمعطيات الإيجابية في البلدين لزيادة معدل التعاون الاقتصادي، عطفا على توافر فرص تصديرية كبيرة في السوق الروسية بالنسبة للشركات السعودية، ووجود إمكانات علمية وتكنولوجية كبيرة لدى روسيا يمكن الاستفادة منها في المملكة خاصة في ظل ما تطرحه "رؤية المملكة 2030" من فرص استثمارية واعدة.
وأكد اهتمام المملكة وروسيا بإجراء إصلاحات على البيئة الاستثمارية والاقتصادية، والاعتماد على القطاع الخاص في تحقيق التنمية ولا سيما في ظل وجود صندوق استثماري مشترك بين البلدين يعمل على تمويل المشروعات ويعزز من فرص الشراكة التجارية والاستثمارية.
وأفاد رئيس مجلس الغرف السعودية بأن مجالات التعاون الاقتصادي بين المملكة وروسيا متعددة، شملت: الطاقة والتنقيب الجيولوجي، والتعدين، والصناعات البتروكيماوية، وبناء ناقلات النفط، والتدريب، والرعاية الصحية، والبنية التحتية، والعقار، والتقنية والاتصالات، وتصنيع الشاحنات والمعدات الزراعية، والصناعات الصيدلانية، مشيرا إلى أهمية نقل وتوطين التقنيات الروسية في المملكة، ودعم مشاركة الشركات الروسية في مشروعات التنمية الوطنية، بغية توليد المزيد من فرص العمل، ورفع القدرات الإنتاجية، مع فتح فرص تصديرية واسعة للشركات السعودية في روسيا.
وأشاد بالدور الرائد الذي يقوم به مجلس الأعمال السعودي الروسي في سبيل تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، موضحا أن المجلس كوّن فرق عمل لمتابعة سير مجالات التعاون في الرعاية الصحية، والصناعة والطاقة والتعدين، والزراعة والصناعات الغذائية، والتجارة، والصناعات العسكرية والخدمات الأمنية، والعلاقات المصرفية والمالية، والمنشآت الصغيرة والمتوسطة.
ولفت النظر إلى أن مجلس الأعمال السعودي الروسي المشترك سيولي اهتماما خاصا خلال الفترة المقبلة بالفرص الاستثمارية المتاحة في "رؤية المملكة 2030"، وكيفية مشاركة قطاع الأعمال الروسي فيها، داعيا إلى العمل على إنشاء مشروعات استثمارية مشتركة تدعم الشراكة الاستراتيجية بين البلدين تعود بالنفع على الشعبين الصديقين.
وكانت المملكة قد شاركت ممثلة في الهيئة العامة للاستثمار ووزارة الاقتصاد والتخطيط، والهيئة الملكية للجبيل وينبع، وصندوق الاستثمارات العامة، في منتدى سان بطرسبيرج الاقتصادي الدولي الذي أقيم في شهر تموز (يونيو) 2016، للتعريف بالفرص الاستثمارية ومزايا الاستثمار في المملكة، ووجهت الدعوة للشركات الروسية للاستثمار في المملكة، وتوسيع استثمارات الشراكات القائمة منها، كما انضم وفد المملكة إلى عدد من اللقاءات والندوات وجلسات العمل التي أقيمت على هامش المنتدى في مجالات: التجارة، والاقتصاد، والاستثمار، والطاقة البديلة، وتقنية المعلومات، والبنية التحتية.
كما أكد مجلس الأعمال السعودي ـــ الروسي في بيان صدر في 24 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، في مقر الغرفة التجارية الروسية في موسكو على أهمية النهوض بمستوى العلاقات التجارية والاقتصادية القائمة بين المملكة العربية السعودية وروسيا الاتحادية والاستفادة من مناخ العلاقات السياسية القائمة لبناء شراكات مبنية على التعاون المثمر.
ودعت اللجنة السعودية الروسية المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتقني في محضرها النهائي الذي صدر عقب اختتام أعمالها في 26 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، بضرورة العمل في مجالات الطاقة والنفط والغاز والاستخدام السلمي للطاقة النووية، وتسريع التوافق على مشروع مذكرة التفاهم في مجال التعاون بين وزارتي الزراعة في البلدين.