المنصب والشخصية .. أيهما الأقوى؟
هل من علاقة بين المركز الوظيفي الذي يشغله الفرد وشخصيته، وما طبيعة هذه العلاقة؟ أي هل من تأثير متبادل بين الاثنين، أم أن التأثير الأقوى لأحدهما في الآخر؟ طرحت هذه الأسئلة نظرا لما ألاحظه، ويلاحظه غيري من تغيرات تطرأ على المجال الذي يرأسه ويديره الفرد، سواء كانت تغيرات إيجابية، أو سلبية، أو ما يحدث من تغيرات على الفرد في سلوكه، وتعامله مع الآخرين من زملاء عمل، أو أقارب، أو أصدقاء.
هذا الموضوع محل اهتمام الناس في مجالسهم العامة، كما أنه محل اهتمام الباحثين في مجال علم الناس، والإدارة، وأجريت بحوث ودراسات عديدة في المجال بهدف معرفة أسباب التغيرات التي تحدث، فالملاحظ أن المرفق تطرأ عليه تغيرات ملموسة ولافتة للانتباه لمجرد تغير إدارته، ما يدل على أن شيئا ما يوجد في شخصية الفرد له دور في هذه التغيرات.
لعل خاصية التردد وعدم القدرة على اتخاذ القرار تمثل إحدى الخصائص ذات التأثير السلبي في العمل، ما يدخل منظومة العمل في دوامة من الفوضى، وتراجع الإنجاز إضافة إلى ضياع الفرص على المنظمة للنمو والتطور حسب مقتضيات العصر. ومن الأمثلة الواقعية، وليست الافتراضية ما حدث لبعض الوزارات خلال سنوات الطفرة الأولى، إذ إن وزارتي التعليم والصحة، لم يرتق أداؤهما إلى المستوى الذي يحقق الخدمات التعليمية والصحية المناسبة، وذلك بسبب عدم استغلالهما الوفرة المالية لإقامة المرافق الجيدة واستقطاب الكفاءات المتميزة، وتوفير التجهيزات المناسبة، في حين وجد من الوزارات ما استغل الوفرة المالية وأعاد بناء نفسه، مثل وزارة الكهرباء التي توسعت في نشاطاتها ووفرت الخدمة لمعظم المدن والقرى والهجر مستفيدة من السيولة التي وفرتها الدولة مع ارتفاع أسعار النفط، وهذا يؤكد دور شخصية المسؤول.
المرونة في إدارة المنظمة والتخلي عن المركزية، وإشراك الزملاء في اتخاذ القرار وأخذ مشورتهم في كل ما يمكنهم إبداء الرأي فيه تمثل خصائص أساسية تسهم في تحقيق الأهداف المرسومة. كما أن خاصية الكاريزما والحضور القوي، والمؤثر لقائد المنظمة يملأ فراغا مهما يرفع من حماس العاملين معه، ويقوي انتماءهم، خاصة حين يستخدم الحوافز المادية والمعنوية بالشكل الصحيح والتوقيت المناسب.
بعض الناس لديهم خاصية استشراف المستقبل القريب، والبعيد ما يساعد على السعي الحثيث لتوفير ما يحتاج إليه المستقبل، رغم أن الآخرين قد لا يرون ما يراه من يجلس على هرم المنظمة، إلا أن النظرة الثاقبة له تجعله يأخذ الاحتياجات المستقبلية في الاعتبار دونما اقتصار على الظروف القائمة، ما يمكن المنظمة من الاستمرار في أداء رسالتها على الوجه المطلوب، وهذا عكس ضيقي الأفق الذين لا ينظرون للأمور إلا بمنظار الحاضر ما يخدر رئيس المنظمة والعاملين فيها، وهذا يحدث أثره السلبي في عمل المنظمة، بفعل التغيرات الزمنية، والحضارية المتسارعة التي لم تؤخذ في الاعتبار.
الهمة العالية وعشق النجاح، خاصية لا تتوافر عند أي فرد لكن تأثيرها واضح في الإنجازات التي تتحقق في منظمة دون أخرى والسبب الفرق بين قائدي المنظمتين فمن يمتلك عشق النجاح يسعى له بكل الطرق الممكنة، في حين أن من يفتقد هذه الخاصية تبقى منظمته على وضعها دون حراك ونشاط داخلها، حتى يتحول العمل فيها إلى روتين قاتل، تكون المنظمة فيه أقرب إلى الموت منها للحياة.
خاصية الموضوعية والابتعاد عن الذاتية في رسم خطط عمل المنظمة تعتبر خاصية أساسية في أي نشاط مهما كانت طبيعته، ولعله من المناسب أن أشير إلى بحث ميداني أرسل إلي قبل عدة سنوات من أحد مراكز البحوث العلمية بغرض تحكيمه، الذي أنجز لمصلحة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ما يؤكد وعي الجهة المستفيدة، ممثلة في من يديرها في ذلك الوقت بأهمية البحث العلمي في تحقيق الأهداف المنوطة بها وتحري الأساليب العلمية والموضوعية للقيام بواجباتها. تأثير المنصب في صاحبه مشهود، وكثيرا ما يكون حديث المجالس، إذ إن البعض ما إن يتسلم منصبا إلا ويتغير 180 درجة، ويتنكر لتاريخه السابق وأصدقائه ومعارفه حتى ينكر معرفته لهم، ويركبه الغرور ويحيط نفسه بهالة كاذبة، أما المبادئ التي كان يتغنى بها كالمحافظة على المصلحة العامة والعدل بين الناس فيما يخص مجال عمله، وتجنب استغلال المنصب للأغراض والمصالح الشخصية، فهذه لم يعد لها وجود في قاموسه، ومن المؤسف أن البعض يجعل نفسه أسيرا للمنصب، حتى أن البعض يتخلى عن القيم في سبيل البقاء.
العلاقة بين المنصب وشخصية قائده علاقة متبادلة التأثير، فالبعض تأثيره في المنظمة مشهود لقوة شخصيته الجامعة لخصائص القيادة، كما أن المنصب قد يكون الأقوى تأثيرا متى ما وجدت شخصية ضعيفة فاقدة خصائص القيادة.