الألماس الصناعي ينافس الطبيعي على سوق قيمتها 80 مليار دولار
آميش شاه هو الجيل الثالث من عائلة تعمل في مجال تجارة الألماس، لكنه أول من يبيع الحجارة الكريمة التي "تمت زراعتها" في مختبر، بدلا من أن يتم التنقيب عنها في مناجم في زوايا بعيدة جدا في العالم - وهي عملية تهدد بزعزعة استقرار سوق الألماس التي تبلغ قيمتها 80 مليار دولار، المبنية على مفاهيم الحب والزواج.
من خلال محاكاة الظروف السائدة في قلب الأرض، أصبحت الآلات الآن قادرة على إنتاج الألماس المطابق تماما للألماس الطبيعي في غضون أسابيع، بدلا من مليارات السنين. يصر شاه على أنه ذو نوعية أفضل، وأقل تكلفة ويترك مخلفات كربونية أصغر حجما، بحيث يأمل أن يجعله ذلك مصدر جذب أكبر.
يقول الرجل الذي يبلغ من العمر 42 عاما، الذي بدأ جده العمل في هذا القطاع في مدينة كولكاتا الهندية في عام 1933 "إنها أكبر وأفضل. إذا وضع شخص ما في يده قيراطا من ألماسة واحدة مستخرجة من منجم، أو قيراطا ونصف قيراط من ألماسة اصطناعية – فما الذي يهمه تماما؟ من الذي لا يرغب في الحصول على ألماسة أكبر حجما وأكثر لمعانا"؟
خلال الجزء الأكبر من القرن العشرين كانت سوق الألماس واقعة تحت سيطرة "دي بيرز"، التي لا تزال تسيطر على نحو 30 في المائة من إمدادات العالم من أحجار الألماس المستخرجة من مناجم التعدين تمتد عملياتها التشغيلية من جنوب إفريقيا إلى القطب الشمالي في كندا. وفي الوقت الذي تشكل فيه مبيعات الألماس المنتج في المختبر، أو كما يصفه بعض النقاد بالألماس "التركيبي" تحقيرا له، نحو 2 في المائة فقط من الإمدادات حاليا، يتوقع وفقا لمحللين لدى "سيتي"، أن تصل النسبة إلى 10 في المائة بحلول عام 2030. وقد ينمو بشكل أسرع حتى من ذلك، اعتمادا على أذواق المستهلكين في الوقت الذي تعرض فيه محال بيع الحُلي الكبرى، من "بارنيز" في نيويورك إلى "سفاروفسكي" في النمسا، أنواعا مختبرية من خواتم الخطوبة.
يقول حاييم إيفين-زوهار، الذي يكتب في مقره في تل أبيب رسالة إخبارية خاصة بالصناعة "أصبح الألماس المختبري يشكل تهديدا حقيقيا لمنتجي الألماس الطبيعي". ويضيف "ستضمحل أموال الاستكشاف لأن الألماس الصناعي أصبح يعتبر بشكل متزايد بديلا اقتصاديا ميسور التكلفة، ونقيا".
ويتساءل "ما الذي يدعو أي شركة إلى إنفاق مئات الملايين من الدولارات على عمليات الاستكشاف مع احتمال أن أسعار الألماس طويلة الأجل ستنخفض بسبب الوفرة غير المحدودة للأنواع المختبرية التي تنخفض أسعارها باستمرار، والأكبر حجما، بعد عشر سنوات من الآن"؟
مع ذلك، سيعتمد نجاح هذا النوع من الألماس المختبري على استمالة المستهلكين، خاصة جيل الألفية الذي أصبح يتزوج في عمر أكبر سنا من جيل آبائه. وسيعتمد أيضا على كيفية استجابة صناعة الألماس الطبيعي القوية لهذا التهديد. شركات التعدين، بدءا من مجموعة دي بيرز وصولا إلى مجموعة ألروزا في روسيا، هي الأكثر عرضة للخسارة في حال حدوث أي تحول في صناعة الحُلي، إذ يستطيع العاملون في مجال صقل وقطع وبيع الألماس بالتجزئة الانتقال بسهولة إلى التعامل مع الأنواع المختبرية.
يقول أنيش آجاروال، وهو شريك في شركة جيمداكس لاستشارات الألماس، التي تقدم النصح والمشورة لكامل سلسلة التوريد بما في ذلك شركات التعدين الكبرى "ستتبدى مظاهر هذا الوضع في السنوات الخمس أو العشر المقبلة". ويضيف "الألماس المختبري لديه بعض المزايا الحقيقية، لكن الأنواع الطبيعية لها مزاياها أيضا. إنها الأصل ولديها القدرة على تقرير مصيرها".
ألماس «جنرال إليكتريك»
بدأ البحث عن الألماس المصنوع يدويا في القرن 19، لكن تاريخ أول نوع تم تصنيعه بنجاح في المختبر يعود إلى أوائل الخمسينيات. كشف علماء في مختبر بحوث تابع لشركة جنرال إليكتريك النقاب عن اكتشافهم في عام 1955، قائلين "إنهم استطاعوا تخليق ألماسة من خلال محاكاة الضغط ودرجة الحرارة الموجودة تحت سطح الأرض باستخدام جهاز ضغط هيدروليكي".
ارتفعت قيمة أسهم "جنرال إليكتريك" 300 مليون دولار في ذلك اليوم، في الوقت الذي انخفضت فيه أسهم "دي بيرز". لكن بسبب تكلفة الإنتاج المرتفعة وبسبب النوعية، لم تشكل تلك الأنواع من الألماس كثيرا من التهديد لصناعة الحُلي. قال رالف كوردينر، رئيس جنرال إليكتريك في ذلك، الوقت "إنها كانت ربما أغلى ألماسة على الإطلاق تضعها في يدك".
في عام 1957، عندما بدأت "جنرال إليكتريك" في بيع الألماس المصنع في المختبر كان السعر ضعف تكلفة تصنيع الأنواع الطبيعية المبيعة من قبل "دي بيرز"، وفقا لكتاب "صانعو الألماس"، وهو كتاب حول ذلك الاكتشاف من تأليف روبرت هازن.
وعلى مدى 50 عاما كانت أنواع الألماس المختبري تُستخدَم في الغالب في التطبيقات الصناعية مثل أسنة أداة الثقب "دِرِل". وظلت "إليمانت سيكس"، وهي شركة مملوكة لمجموعة دي بيرز، واحدة من أكبر منتجي الألماس الصناعي منذ ذلك الحين. لكن خلال العقد الماضي تحسنت النوعية وانخفضت تكاليف الإنتاج.
وهناك طريقتان شائعتان للإنتاج: إنتاج الألماس من خلال الضغط العالي، مثلما فعلت "جنرال إليكتريك" في الأصل، أو من خلال استخدام ترسيب الأبخرة الكيماوية، التي تعرف باسم "سي في دي" CVD. بهذه الطريقة الأخيرة يتم وضع بذرة ألماس بلورية أحادية، يمكن شراؤها عبر الإنترنت مقابل مبلغ زهيد بحدود 100 دولار، في حجيرة فارغة تُملأ بعد ذلك بالهيدروجين وغاز يحتوي على كربون ـ كغاز الميثان. الكربون الناتج عن الغاز يتكاثر حول البذرة، مشكلا بلورة الألماس.
يقول بول ماي، وهو أستاذ في جامعة بريستول "في السنوات الخمس الماضية، كان هناك عدد قليل جدا من التطورات المهمة فيما يتعلق بالتكنولوجيا وموثوقية المعدات، ما يعني أن التكاليف انخفضت على نحو يساعد على ربحيتها. الآن من الممكن فعلا أن تصنع في المختبر نوعية من أحجار الألماس بسعر يحقق الربحية".
تقول "نيو دياموند تكنولوجي" في مقرها في سان بطرسبرج، "إنها تستطيع صناعة أنواع من الألماس ذي الجودة العالية، المناسب للحُلي، بحجم يصل إلى عشرة قراريط. تنتج الشركة نحو أربعة إلى خمسة آلاف قيراط شهريا من الألماس المصنع في المختبر باستخدام طريقة الضغط المرتفع"، بحسب نيكولاي خيخيناشفيلي، المدير عام للشركة. يقول "الآلات الموجودة لدينا مثل الأطباق الطائرة، كبيرة جدا وثقيلة. يبلغ وزن كل واحدة منها 80 طنا. في الوقت الراهن لدينا 30 آلة".من المستحيل معرفة الفرق بين الألماس الطبيعي والمنتج في المختبر من خلال العين المجردة، ومن الصعب أيضا حتى باستخدام الطرق التقليدية مثل المجاهر والموازين المستخدمة من قبل الفنيين الذين يقطعون الألماس ويصقلونه.
كابوس 2012
أدركت الصناعة خطورة ذلك في عام 2012، عندما واجهت أسوأ كابوس في تاريخها بعد أن تم العثور على 600 قطعة مختبرية، لم يكشف النقاب عنها، ضمن طرد فيه ألف قطعة بيعت على أنها أحجار طبيعية في نيويورك، ما أثار مخاوف من حدوث "تلوث" في سلسلة التوريد. وأصدر "المعهد الدولي لعلوم الأحجار الكريمة" مذكرة جاء فيها أن سوء تقديم المنتجات قد "يضر بسمعة الصناعة على نحو يتعذر إصلاحه".
في أيلول (سبتمبر) الماضي أطلق "المعهد الدولي لتصنيف الألماس وإجراء البحوث" التابع لشركة دي بيرز لتجار بيع الحُلي بالتجزئة آلة فحص بتكلفة تبلغ 16250 دولارا أطلق عليها اسم SYNTHdetect.
وللمرة الأولى حذرت "أنجلو أمريكان"، الشركة الأم لـ "دي بيرز"، في تقريرها السنوي لعام 2016 من أن "التطورات التكنولوجية تعمل على جعل إنتاج الألماس التركيبي المصنع يدويا مهما من الناحية التجارية وهناك مصادر توزيع متزايدة"، مضيفة أن "تسويق تلك المنتجات الصناعية يسعى إلى جعلها متفوقة من الناحية البيئية أو الاجتماعية".
العلاقة بين الألماس والزواج هي علاقة مخترعة. قبل إطلاق "دي بيرز" حملتها "الألماس للأبد" بعد الحرب العالمية الثانية، كانت الأحجار الكريمة عبارة عن حُلي للزينة خاصة بالأغنياء، وليست سلعة في السوق العامة. كتب المؤلف توم زويلنر في كتاب "الحجر المتحجر القلب"، "في ذهن الجمهور، كانت خواتم الألماس لا تزال مرتبطة بالطبقة الأرستقراطية، والأشخاص الذين يتصرفون بشكل رسمي جامد لأنهم يتصورون أنهم مهمون، ورجال العصابات".
لكن بعد مضي أكثر من 60 عاما من النجاح في التسويق، ربما تكون قصة "دي بيرز" قد تعرضت للوهن، خاصة مع جيل الألفية الجديدة. في الوقت الذي تصر فيه "دي بيرز" على أن هذا الجيل ينفق المبالغ نفسها التي أنفقتها الأجيال السابقة على الألماس، تبين الدراسات أن جيل الألفية أصبح يتزوج في وقت متأخر أكثر وينفق الأموال على الخبرات وليس على السلع الكمالية.
يعتمد نجاح الألماس المصنع في المختبر على الفوز في حرب التسويق - خاصة بين أفراد جيل الألفية في الولايات المتحدة، أكبر سوق للألماس من حيث المبيعات، وفقا لـ "دي بيرز". في عام 2016 أطلق كبار منتجي الألماس - بما فيهم دي بيرز وألروسا وريو تينتو - حملة إعلانية تستهدف جيل الألفية كانت رسالتها الدعائية البارزة هي "الحقيقي نادر الوجود".
يقول بروس كليفر، الرئيس التنفيذي لمجموعة دي بيرز "هناك مكان للأنواع التركيبية، ربما على شكل مادة خاصة بالأزياء والموضة، لكن لن تكون لها سمات الندرة ولن تعتبر من الألماس من وجهة نظري. أنا أعلم أن هذه مسألة تتعلق بالتقاليد، لكن إذا سألت امرأة هل ترغبين في هدية خطوبة ألماسة طبيعية مصنوعة في الطبيعة قبل أربعة مليارات عام، أم شيء مصنوع في مصنع الأسبوع الماضي؟ من الواضح جدا ما الإجابة".
بالنسبة إلى بعضهم الإجابة ليست واضحة إلى هذه الدرجة. الألماس المختبري يمتاز بسلاسل توريد أقصر بكثير، ويستخدم بكل سهولة مصادر الطاقة المتجددة، ويستفيد من الارتباط بالاستدامة. بينما يتم استخلاص الألماس الطبيعي من ملايين الأطنان من الصخور التي يجري حفرها واستخراجها من حفر كبيرة معظمها في بوتسوانا والأراضي الشمالية الغربية من كندا وروسيا. وهذه القطع التي تعرف باسم الألماس الخام، تذهب إلى عمليات الصقل والقطع في أنتويرب في بلجيكا، أو الهند، قبل أن تصل إلى متاجر البيع بالتجزئة.
كما أن الألماس التركيبي غير مرتبط بالصراعات وليست له علاقة من أي نوع بـ "الألماس الدموي"، وهو اسم مشتق من استخدام الألماس لتمويل الحروب الأهلية الإفريقية. وهذا التشويه لسمعة الأحجار الكريمة اكتسب أهمية أكبر بعد فيلم عام 2006 الذي حمل الاسم نفسه من بطولة ليوناردو ديكابريو. وفي عام 2015 استثمر ديكابريو مبلغا لم يكشف عنه في مسبك ألماس في وادي السيليكون، يعد واحدا من أكبر منتجي الألماس التركيبي.
في المقابل تعمل شركات التعدين على تجديد مؤهلاتها البيئية. في أيار (مايو) قالت "دي بيرز"، "إنها تستكشف خيارات للتعدين المحايد من حيث الكربون في بعض عملياتها التشغيلية"، مشيرة إلى نطاق زمني يراوح بين خمس وعشر سنوات لهذه الخيارات. وقالت أيضا "إن الأنواع التي يجري تصنيعها في المختبرات ليست صديقة للبيئة كما تبدو"، على اعتبار أنها تحتاج إلى كمية كبيرة من الطاقة من أجل الإنتاج. وقال متحدث باسم الشركة "ادعاءات شركات إنتاج الألماس التركيبي أنها الخيار الصديق للبيئة لا تصمد أمام التمحيص".
يقول بول زيمنيسكي، من "دياموند أنالاتيكس" في نيويورك "تحتاج صناعة الألماس المنتج في المختبر إلى إيجاد علامة تجارية وسوق متخصصة من أجل تطوير المنتج. لكن ما الذي سيحرك ذلك الطلب؟ هل هو حب المستهلك للارتباط بينه وبين التكنولوجيا الفائقة، أم لأنه صديق للبيئة، أم أن السعر هو السبب"؟
ويضيف أن "السعر لم يصل حتى الآن إلى المستوى المتدني المرغوب. يمكن أن تكون تكلفة خواتم الخطوبة المصنوعة من الألماس المختبري أقل 15 إلى 25 في المائة من الألماس الطبيعي، لكن هذا ليس بكثير بالنسبة إلى نسبة الخصم التي تراوح بين 95 و90 في المائة على الياقوت والزمرد، اللذين يمكن استخدامهما أيضا في خواتم الخطوبة". يقول زيمنسكي "إن توفير بين 10 إلى 20 في المائة لا يبدو كافيا حتى الآن".
الحقيقة هي أن الألماس لم يكن قط نادرا. خلال معظم القرن العشرين كانت "دي بيرز" تتحكم في إمدادات الألماس وتسيطر على أكثر من 90 في المائة من السوق. ومنذ التسعينيات دخل موردون آخرون إلى القطاع، مثل "ألروزا"، لكن الألماس لا يزال يستفيد من كونه "سلعة فيبلين" – أي بندا كماليا لا يتبع سعره القوانين الطبيعية للعرض والطلب – وتعود جاذبيته في جزء منها إلى أسعاره المرتفعة بشكل اصطناعي.
إذا حاولت شركات إنتاج الألماس المختبري التنافس على أساس التكلفة، فإنها تخاطر بتدمير صناعتها هي بالذات. المعامل المليئة بالآلات التي تنتج على مدار الساعة ألماسا ذا جودة عالية يمكن أن تجد أن هذا الألماس يفقد قيمته القائمة على الندرة. يقول البروفيسور ماي "يتوقف الكثير على ما إذا كانت ستُغرِق السوق، أم ستنتج بتكلفة أقل، وهو أمر ترتعد منه شركات تعدين الألماس".
بائعو الألماس المختبري يقولون "إنهم يعرضون بدائل للمستهلكين، بدلا من كونهم عازمين على تدمير صناعة الألماس الطبيعي". يقول شاه "يتلخص الأمر كله في خيار المستهلكين. "أوبر" لم تسبب الأذى لسيارات الأجرة. المستهلك هو الذي قرر – إنه خيارهم".