موازنة الانطلاق .. تحررا من النفط والفساد وتحقيقا لـ «الرؤية»
لعقود مضت وعلاقة المواطن السعودي بميزانيات الدولة العامة المعلنة لا تتعدى السؤال عن حالتي العجز والفائض واختصار الموازنة في هذين الأمرين. بعيدا عن السؤال عن آلياتها ومستهدفاتها. لكن الوضع يتغير تدريجيا مع حكومة تنفيذية حديثة وشفافة بقيادة ولي العهد الشاب الأمير محمد بن سلمان وتوجيه من خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز. حكومة حزم وعزم جديدة وضعت مصلحة المواطن وتحقيق "الرؤية السعودية 2030" نصب عينيها. بمحاربة فاعلة للفساد مهما كان ومن أي كان بالتوازي مع تعزيز كفاءة الإنفاق الحكومي وتنويع قاعدته الاقتصادية ضمانا لاستدامة تنموية وطنية تتحرر من المفسدين ومن الارتهان لأسواق النفط ومضارباته السياسية والمالية.
إصلاح متواصل
فمنذ ما يقرب من ثلاثة أعوام والعمليات الإصلاحية والتصحيحية للأداء المالي للحكومة بشكل عام لم تتوقف. على مستوى الوزارات عموما ووزارة المالية بشكل خاص. لتأتي الموازنات العامة الأخيرة كأداة تنفيذ واستحقاق للبرامج والأداء، مقارنة بموازنات تقليدية سابقة تكتفي باستعراض البنود ومجالات صرفها اعتمادا على مورد واحد هو النفط وبغض النظر عن تحقيق الأهداف المرجوة من هذا الصرف. لتكون موازنة هذا العام 2018 تتويجا لجهد الأعوام الإصلاحية الأخيرة ما يدعو لوصفها بموازنة "انطلاق" بالمعنيين الحرفي والاقتصادي للكلمة.
إذ يعرف الانطلاق اقتصاديا بأنه إحدى مراحل النموّ التي تتحطّم فيها كلّ عقبات النموّ ويصبح النموّ حالة طبيعية للنشاط الاقتصادي. وهو ما توحي به حقيقة لا ظنا أرقام الإنفاق التوسعي التنموي القياسية ولأول مرة في تاريخ المملكة رغم تراجع أسعار النفط. لإعادة هيكلة أداء الحكومة وتعزيز كفاءة الإنفاق انطلاقا من برامج التحول الوطني نهاية 2015 التي شارك في وضعها مواطنون ومختصون. مرورا بتحفيز القطاع الخاص باستثمارات مباشرة وأخرى غير مباشرة لتنمية المحتوى المحلي. إضافة إلى 72 مليار ريال أمر الملك أخيرا بمنحها لتحفيز عديد من مبادرات القطاع الخاص على مدى أربعة أعوام. وصولا إلى موازنة طموحة ومتمكنة تضخ بكل ثقة ما يقرب من تريليون ريال نصفها تجيء من موارد غير نفطية.
جودة الإنفاق
كما تأتي موازنة العام الحالي مختلفة عن سابقاتها باعتمادها سقفا صفريا للإنفاق. وفقا لتصريحات وزارة المالية. وهنا الوزارات مطالبة بتصور احتياجاتها المقبلة انطلاقا من الصفر واعتمادا على خططها الاستراتيجية الموضوعة سلفا لمواكبة هذا الإنفاق التاريخي وغير المسبوق ما يضمن جودة الخدمة المقدمة للمواطنين فضلا عن سهولة متابعة الإنفاق وترشيد كفاءته حتى لا يؤثر هذا الإنفاق الحكومي السخي سلبا في شهية الوزارات التنفيذية.
يبقى أن الرسالة الأهم التي تقول بها موازنة هذا العام 2018 للداخل والخارج على حد سواء إن الأداء المالي كما النقدي للاقتصاد السعودي يعيش نضجا غير مسبوق سواء من جهة المرونة والفاعلية وتنوع مصادر الإيراد أو من جهة شفافية الأرقام المعلنة وضخامتها ما ينعكس إيجابا على الأسواق المحلية والعالمية. فضلا عن ثقة لا غنى عنها بالإرادة والإدارة لحكومة تنفيذية تعي ما تفعل وتنفذ ما تعد.