مكونات التضخم في السعودية وتفسيراته
التضخم الاقتصادي مؤشر مهم، لكنه مع ذلك يبقى مجرد مؤشر، فالقضية الأساسية هي معرفتنا بمدى تعافي الاقتصاد وقدرته على الاستدامة وتوفير فرص عمل محترمة ورفع مستويات المعيشة. نحن نتابع مؤشر التضخم لأنه يمنحنا فرصة للتنبؤ بحالة الاقتصاد الراهنة واتجاهه في المستقبل المنظور. لكن مؤشر التضخم له مشكلاته التفسيرية ومشكلات في قياسه بذاته، ويجب على أي اقتصادي الحذر عند تحليل المؤشرات والمعوقات جيدا قبل تقديم تفسيراته أو الحال كذلك من قبل متخذي القرار قبل اتخاذ قرارات اقتصادية حاسمة، سواء على المستوى الكلي أو الجزئي.
من مشكلات التضخم التفسيرية أنه يظهر كزيادة في الأسعار بين فترتين، ففي المؤشر السعودي للتضخم مثلا، الذي تشرف على قياسه الهيئة العامة للإحصاء، نجد أنه قد ارتفع بنسبة 3 في المائة بنهاية عام 2017، وذلك مقارنة بسنة الأساس 2013، وقد نلاحظ ـــ وفقا لتحليل وحدة التقارير في "الاقتصادية" ـــ أنه لو كانت سنة الأساس كما كانت قبل تعديل الهيئة العامة للإحصاء، أي عام 2007، لكان التضخم قد وصل إلى 5 في المائة، لهذا فإن اختيار سنة الأساس يؤثر بشكل جوهري في مؤشر التضخم، ولكن اختيار سنة الأساس يخضع لمقاييس معروفة أهمها الاستقرار النسبي للأسعار في ذلك العام وعدم تأثره بأي أزمات اقتصادية. من المهم فهم أن مؤشر التضخم يأتي كمتوسط مكوناته، فمثلا مؤشر التضخم في المملكة يتأثر بعدة مكونات ومن أهمها الأغذية والمشروبات والسكن والمياه والكهرباء والغاز والوقود، ولكن بناء المؤشر القياسي للأسعار يأتي بحسب أهمية كل عنصر من هذه العناصر (الوزن النسبي) وتعديل النسب بين المكونات يؤثر في قيمة المؤشر النهائية. وأخيرا عدلت الهيئة العامة للإحصاء من وزن وأهمية كل مكون وتأثيره في قيمة المؤشر القياسي.
التضخم كمؤشر على ارتفاع أسعار له مسببات مختلفة، فقد يكون الأثر من زيادة كمية النقد في الأسواق، وزيادة كمية النقد من مصادره المختلفة يتسبب في زيادة الطلب أكثر من قدرة الاقتصاد على مقابلة ذلك بزيادة الإنتاج، وهذا يؤدي إلى زيادة واضحة في الأسعار. وفي أحيان أخرى قد يأتي من مسببات أخرى ليس لها علاقة بالنقد، بل باحتكار السلع مثل ما حدث في السوق العقارية وقد كان تأثيرها حادا في مكون السكن، ولهذا ظهر مؤشر التضخم مرتفعا في سنوات سابقة، وقد يظهر ارتفاع الأسعار بسبب ضعف القوة الشرائية للعملة بسبب مشكلات اقتصادية أو سياسية، وقد يكون السبب بعض السياسات المالية كفرض الضرائب والرسوم المختلفة، في نواح أخرى ـــ مفضلة ـــ يأتي التضخم انعكاسا للنمو الاقتصادي القوي، فمع قوة النمو الاقتصادي يدخل إلى العمل عدد كبير من العمال ما يضاعف من القدرة الشرائية وبالتالي زيادة الأسعار.
في المملكة يأتي التضخم لهذا العام إيجابيا للمرة الثالثة على التوالي، أي ارتفاع في الأسعار، لكن المسببات في ذلك تطبيق الضريبة الانتقائية بواقع 100 في المائة على التبغ ومشروبات الطاقة، و50 في المائة على المشروبات الغازية، كذلك تطبيق ضريبة القيمة المضافة على السلع والخدمات 5 في المائة، إضافة إلى تعديل أسعار الطاقة مطلع العام الجاري. وبمعنى آخر، فإن أسباب التضخم ليست بسبب سياسات نقدية أو مشكلات في مكونات المؤشر، بل لوجود سياسات مالية جديدة ذات أثر في الأسعار، ولهذا فإن القرارات الاقتصادية المختلفة يجب أن تتخذ وفقا لهذا التصور.