رمضان .. الصحة والاقتصاد والإدارة

يمضي رمضان سريعا دون أن نشعر به، ورمضان شهر مختلف في طبيعته ويؤثر فينا وفي عاداتنا، وهذه مشاهدات أو وقفات رمضانية على المستوى المالي والإداري وكذلك الشخصي والبيئي.
ماليا يعتبر رمضان فرصة ليس فقط للمراجعات الشخصية والعبادة، بل هو كذلك فرصة للمراجعات المالية الشخصية والأسرية، أن الوقت الذي يمنحه لنا رمضان يعطي المجال للعمل بشكل أكثر تنظيما، ويعطي فرصة لدراسة السلوك المالي للفرد وأسرته، وماهية الأنماط وكيفية الصرف في محاولة لفهم أماكن الخلل في المصروفات، وكذلك في دراسة القرارات الخاصة بالائتمان وغيرها من القرارات المالية.
يعتبر رمضان كذلك فرصة للتجديد الإداري والتميز الإداري في انتهاج أنماط جديدة من الإدارة وكذلك فرصة لبناء علاقات طيبة مع زملاء العمل قائمة على الود والتسامح، وربط الفريق عن طريق التجمعات الرمضانية أو الأنشطة التي يمكن عملها أثناء فترة العمل أو بعد العمل لإيجاد مزيد من الروابط وتعزيز قيم المحبة والتعاون بين أفراد المنظمة الواحدة، وهي فرصة كذلك للقيادات المتوسطة لإبراز ما لديهم من قدرات تعزز فيه ربط المستويات الأولى من الإدارة بالمستويات العليا، وكذلك فرصة للقيادات العليا لضرب مثل في القيادة المتواضعة والقريبة من أفراد ومنسوبي المنظمة كافة.
على المستوى الشخصي من المهم إيجاد قناعة داخلية بأن رمضان شهر قوة وعمل ونشاط، يمكن لجسم الإنسان بلوغ إمكانات نشاط أعلى خلال رمضان أكثر من أوقات الفطر، ولذا من المهم المحاولة دائما إدخال مفهوم النشاط والحيوية والبهجة، وأن الصيام فرصة حقيقية لتهذيب النفس والالتزام ومحاولة كبح جماح الغضب أو عدم الصبر. من المهم أيضا خلال الشهر الفضيل الموازنة بين القراءة والاطلاع والانقطاع عن الإعلام ووسائلة المختلفة، وما بين البقاء على اطلاع بما يحدث على مختلف الأصعدة وأن يكون الفرد على اطلاع بما يجري حوله من أحداث مختلفة، تمكنه من أخذ الحيطة والحذر للأخطار القادمة حال حدوثها ـــ لا سمح الله ـــ؛ مثل الإعصار القادم من جنوب شرق المملكة. ومن جهة أخرى اقتناص الفرص مثل قرارات الاستثمار العقاري أو الشراء و غيرها.
على المستوى الاجتماعي كذلك يعتبر رمضان فرصة لتجديد الاتصال والتواصل مع العائلة والأقارب والجيران، وهي من أكبر الفرص، وقبل ذلك طبعا يعتبر ختم القرآن من أعظم العبادات التي تقرب إلى الله سبحانه و تعالى وهي فرصة كبيرة وقيمة للاتصال والتواصل مع الله سبحانه، وكذلك الصدقات والزكاة، ولذا يعتبر رمضان مغنما لأعمال الخير، لكنه لا ينبغي أن تقتصر تلك الأعمال على هذا الشهر الفضيل فقط بل أن يكون الخير منهجنا سائر العام. ومن هنا أتى مفهوم أن رمضان فرصة حقيقية لإبراز السلوكيات الإيجابية نظرا للتغيير الذي يحدثه في حياتنا، وذلك التحول الذي يمكن استثماره لمصلحة العادات الإيجابية التي أحدثها رمضان.
يمكن كذلك إيلاء البيئة اهتماما مضاعفا خلال رمضان، تتغير البيئة كثيرا حولنا، ولا يتواكب العمل البيئي والاهتمام بسرعة التغيير الذي نشهده، سواء من ناحية المناخ، أو السلوكيات التي تزيد كمية التلوث، أو حتى السياسات التي تتعلق بالبيئة في وطننا الغالي، ولعل السؤال الذي ينبغي طرحه هنا: كم عدد المرات التي شاهدنا فيها السماء زرقاء صافية في مدن المملكة ولا سيما العاصمة؟
إن جودة الماء والهواء والأرض أمر مهم وجلل، وأن تلوث البيئة مرتبط ارتباطا وثيقا بعاداتنا الغذائية والاستهلاكية، وعادات صرف المياه، وركوب السيارات، وسلوكنا في رمي المهملات، وسلوك القطاع الخاص كذلك مع البيئة ورمي المخلفات، والسياسات التي تغفل وبشدة مفهوم إعادة التدوير والتحفيز إليه بل فرضه تماما. إننا نعيش في عصر بلاستيكي ينتج لنا مخلفات لا تتحلل وتبقى لتأكلها الحيوانات أو الطيور والأسماك وتتسمم بذلك. أصدرت بريطانيا أخيرا قرار بحظر المناديل المبللة، وذلك لكونها تذهب إلى البحر مع المخلفات ثم تأكلها الأسماك، ولقد حبانا الله بأجمل البحار وهو البحر الأحمر الذي يعتبر ثروة حقيقية، وكذلك صحاري جميلة تشكل مخزنا بيئيا، ولكنها دمرت بالمخلفات التي قد لا تتحلل إلا بعد مئات السنين، مع ذلك الأثر السيئ في الحياة الفطرية في الصحراء.
ختاما يبقى لرمضان نمط مميز في كل شيء، ولعل الجانب الروحاني والعبادات من أكثر ما يميزه، وهو فرصة وغنيمة أن نحسن في جميع مجالات الحياة، والصحة والاقتصاد والإدارة. وهو فرصة للتغيير الإيجابي وعلينا جميعا أن نحاول فيه ممارسة ذلك التغيير الإيجابي قدر ما نستطيع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي