النفايات الإلكترونية خطر يهدد العالم.. 47.8 مليون طن في 2017
بات مصطلح النفايات الإلكترونية أحد المصطلحات شائعة الانتشار في وسائل الإعلام الدولية والمحلية بمختلف أنواعها، وأصبح المصطلح مسار اهتمام كثير من الباحثين في مجالات معرفية متنوعة، في مقدمتها البيئة والاقتصاد والتكنولوجيا وغيرها من فروع المعرفة الإنسانية الأخرى. وفي الواقع فإن المصطلح وعلى الرغم من حداثته النسبية بات شبه متفق على أنه يشير إلى "المنتجات الإلكترونية التي أصبحت غير مرغوب فيها أو عاطلة عن العمل أو لا تعمل بالكفاءة المطلوبة، وقد وصلت إلى نهاية عمرها الإنتاجي، من ثم يتم التخلص منها". ولأن التكنولوجيا تتطور بمعدلات متسارعة للغاية، فإن عديدا من الأجهزة الإلكترونية تتحول إلى " مهملات" بعد بضع سنوات قليلة من الاستخدام، وهو ما تحول إلى مشكلة حقيقية تمثل الآن تحديا حقيقيا لعديد من بلدان العالم.
ولكن قبل الخوض في تفاصيل تلك القضية وما تطرحه من تحديات، فإن السؤال التلقائي يتمثل في تحديد طبيعة المخاطر الناجمة عن النفايات الإلكترونية.
ويشر تقرير لوزارة البيئة البريطانية صدر حديثا إلى أن " معظم النفايات الإلكترونية التي يتم التخلص منها بطريقة غير سليمة تحتوي على شكل من أشكال المواد الضارة مثل البريليوم والكادميوم والزئبق والرصاص، وعلى الرغم من أن بعض تلك المواد تعد من العناصر النادرة، إلا أن زيادة حجمها، يجعل خطرها على البيئة كبيرا، كما أنها تمتد إلى صحة الإنسان، فالآثار الصحية لتلك المواد - وبعضها سام – على البشر يشمل العيوب الخلقية، والدماغ، والقلب، والكلى، والهيكل العظمي، وتؤثر بشكل كبير في الجهاز العصبي والتناسلي لجسم الإنسان".
إلا أن هذا التأثير الخطير في البيئة وصحة الإنسان يعد أحد جوانب المشكلة التي تحمل أيضا أبعادا اقتصادية شديدة الخطورة على الاقتصاد العالمي.
وقالت لـ"الاقتصادية" الدكتورة الين سانوي المدير التنفيذي للاتحاد الدولي للنفايات الإلكترونية، "الجانب البيئي أو التأثير في صحة الإنسان من النفايات الإلكترونية، شديد الخطورة لكن لا يجب أن ينسينا التبعات الاقتصادية لتلك المشكلة، ففي عام 2017 بلغ إجمالي النفايات الإلكترونية في العالم 47.8 مليون طن، أي ما يعادل أكثر من 4500 مرة وزن برج إيفل في فرنسا، وإعيد تدوير 20 في المائة منها فقط عبر الإساليب الصحيحة، فالأنظمة القانونية التي تتعامل مع النفايات الإلكترونية لا تغطي غير 66 في المائة من مجمل سكان الكرة الأرضية"
وأضافت " المتوقع أن يبلغ إجمالي النفايات الإلكترونية في العالم بحلول عام 2021 نحو 52.2 مليون طن، وتسهم القارة الآسيوية بالنصيب الأكبر من تلك النفايات إذ بلغت مساهمتها عام 2017 نحو 18.2 مليون طن، تليها القارة الأوروبية 12.3 مليون طن، ثم الولايات المتحدة 11.3 مليون طن ، أما إذا أخذنا بمعاير متوسط توليد الفرد للنفايات الإلكترونية، فسنجد أوقيانوسيا تسهم بالنصيب الأكبر ويبلغ نحو 17.3 كيلو جرام، تليها أوروبا بنحو 16.6 كيلو جرام، أما الأمريكيتين فيولد الفرد فيها نحو 11.6 كيلو جرام من النفايات الإلكترونية سنويا، بينما ينخفض ذلك في آسيا بنحو 4.2 كيلو جرام للفرد".
وفي الحقيقة فإن مشهد توليد النفايات الإلكترونية يبدو في القارة الآسيوية أكثر تفاوتا مقارنة بأي منطقة جغرافية أخرى نتيجة تفاوت مستويات المعيشة بين بلدان القارة بشكل كبير.
وتشير تقارير دولية إلى أن البلدان ذات معدلات الدخل المنخفض مثل أفغانستان ونيبال، لا يتجاوز فيها معدل توليد الفرد للنفايات الإلكترونية كيلو جراما واحدا في العام، في المقابل نجد أن ارتفاع مستوى المعيشة في عدد من الدول الآسيوية العربية، مثل السعودية والإمارات والكويت يجعلهم من أكثر الدول الآسيوية توليدا للنفايات الإلكترونية. ففي الإمارات على سبيل المثال يعد المتوسط العمري المتوقع للأجهزة الإلكترونية واحدا من أدنى المتوسطات العمرية في العالم، ما يجعلها تنتج كميات كبيرة من النفايات الإلكترونية حيث يقدر متوسط توليد الفرد من النفايات الإلكترونية في الإمارات بنحو 13.6 كيلو جرام في العام، بين تعد السعودية والكويت أعلى كمية مولدة من قبل الفرد من النفايات الإلكترونية في الشرق الأوسط 15.9 كيلو جرام.
وتظل الصين أكبر منتج لتلك النفايات إذ تولد بمفردها سنويا 7.2 مليون طن من النفايات الإلكترونية، ومن المتوقع أن تصل إلى 27 مليون طن بحلول عام 2030، وربما يعود ذلك إلى الكثافة السكانية المرتفعة، والنمو السريع في القوى الشرائية للطبقة المتوسطة
لكن رصد كميات النفايات الإلكترونية عالميا جزء من المشهد العام لتلك الظاهرة، فالقيمة الإجمالية لجميع المواد الخام الموجودة في النفايات الإلكترونية قدر ب 60 مليار دولار أمريكي قبل عامين، حيث أسهم ذلك في خلق نشاط تجاري لتلك النفايات بهدف إعادة تدويرها في العديد من الاقتصادات الناشئة، وذلك على الرغم من عدم امتلاك تلك البلدان وسائل إعادة تدوير كافية لاستيعاب مجمل وارداتها من النفايات الإلكترونية، وهو ما أدى إلى خلق العديد من المشاكل الاقتصادية لتلك البلدان.
من جانبه قال المهندس ماك كين الخبير في مجال تدوير، "جزء كبير من فكرة تصدير النفيات الإلكترونية إلى البلدان الآسيوية وخاصة الصين والهند وتايلاند، ارتبط برغبة تلك البلدان في توسيع قاعدتها الصناعية، عبر إعادة استخدام المواد الصناعية التي استخدمت في عمليات إنتاجية سابقة، لكونها أرخص نسبيا، وترافق ذلك مع تشجيع من البلدان المتقدمة لهذا الاتجاه نظرا لانخفاض تكلفة العمالة في آسيا مقارنة بالعمالة في البلدان الأوروبية أو الولايات المتحدة"
ويستدرك قائلا، "إلا أن البنية التحتية لتلك البلدان - باستثناء الصين نسبيا – تعد غير مؤهلة لإعادة تدوير الكميات المنتجة محليا والمستوردة من النفايات الإلكترونية، ما أدى إلى تراكم كميات ضخمة من تلك النفايات لديها، وباتت بالطبع تمثل مشكلة حقيقية للاقتصادات الناشئة في آسيا بالأساس وبعض البلدان الإفريقية".
إلا أن المشكلة أخذت منحنيات غير متوقعة أخيرا. فمع حظر الصين استيراد النفايات من البلدان الغربية، لم يكن أمام رجال الأعمال الصينين والبلدان الغربية غير البحث عن بديل آخر يوجهون له نفاياتهم الإلكترونية، ويبدو أن القوانين البيئية المتراخية في تايلاند شجعت على أن تتحول البلاد إلى " مكب نفايات العالم"، وتشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أن واردات تايلاند من النفايات الإلكترونية بلغ خلال الأشهر الخمسة الماضية نحو 37 مليون طن أغلبها دخل البلاد بصورة غير قانونية.
ويعتقد خبراء في مجال التخلص من النفايات الإلكترونية، أنه يجب الإقرار بأنه لا يوجد حتى الآن حل جذري وحاسم للتعامل مع تلك القضية، وأن الجهود الفردية للدول مهما بلغت قدرتها الاقتصادية فهي محدودة للغاية في هذا السياق، وأن الأمر يتطلب عملا دوليا جماعيا تحت إشراف جهة دولية لضمان إعادة تدوير أكبر قدر ممكن من تلك النفايات. ويعتقد كولم كونيل الباحث الاقتصادي، أن الحل يبدأ من إعادة النظر في مفاهيمنا الاستهلاكية للمنتجات الإلكترونية، قائلا "هناك عملية استبدال دائم للأجهزة الإلكترونية وإحلالها بأخرى جديدة، دون أن تكون هناك حاجة حقيقية إلى ذلك. كما أن عملية إصلاح المنتج المتضرر تكاد تكون شبه غائبة في العديد من المجتمعات ذات النزعة الاستهلاكية المرتفعة، وهذا كله يؤدي إلى زيادة تراكم النفايات من المنتجات الإلكترونية دون مبرر حقيقي لتحويل تلك المنتجات إلى نفايات".
ويضيف كونيل " الوعي العام في هذا المجال ضعيف للغاية، وخاصة بين الشباب المستهلك الأكبر للمنتجات الإلكترونية، لكن هذا لا يجب أن يجعلنا نتجاهل النقص العالمي في محطات تدوير النفايات الإلكترونية، فالاستثمار في هذا المجال لا يزال ضعيفا بصفة عامة ، وخاصة أنه في عديد من البلدان الآسيوية تنتشر ظاهرة محطات إعادة التدوير غير المسجلة، مع تراخ في تطبيق القوانين المنظمة لعملية إعادة التدوير، ما يجعل من تلك البلدان مكانا ملائما لأن تصبح مكبا لنفايات البلدان الأكثر تقدما".