السعودية .. والاحتواء التاريخي لأفغانستان
لا حدود تربط السعودية بأفغانستان، بل إنها تبعد عنها بآلاف الكيلومترات، واستقرارها أو قلاقلها لا يمكن أن يؤثر إيجابا أو سلبا على المملكة، كما أنها ليست بذات الموارد التي يمكن أن تبرم معها السعودية صفقات أو أن تجد منها المصالح الاقتصادية التي يمكن أن تجني منها الخير، ليأتي السؤال: ما الذي يدفع السعودية إلى استضافة المؤتمر الدولي للعلماء المسلمين حول السلام والاستقرار في أفغانستان، الذي عقد في مدينة جدة منتصف الأسبوع الجاري، الهادف إلى تقريب وجهات النظر بين الفرق الأفغانية المتصارعة منذ سنوات ووقف تناحرهم وحربهم التي هددت استقرار ووحدة البلاد، ونشرت الجوع والخوف بين أوساط الشعب الأفغاني؟
لا شك أن السعودية، ومنذ زمن وفي كل العقود التي مرت بها منذ تأسيسها على يد المغفور له - بإذن الله - الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، مرورا بأبنائه الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله، إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، لم تنظر في يوم إلى مصالحها في كل شؤونها التي تربطها بإخوتها المسلمين والعرب، بل دائما ما تقدم المبادئ على المصالح، وتسعى إلى استقرار البلدان الإسلامية وجمع كلمة الشعوب ونصرة المستضعفين دون أي بحث عن تحقيق فؤاد من كل ما تسعى إليه، بل هي تربط علاقاتها بأشقائها بروابط راسخة لا تتبدل، وفي مقدمتها رابطا الدم والعقيدة.
الملك سلمان، وهو يستقبل المشاركين في المؤتمر، أكد على أن المملكة عاشت مع الشعب الأفغاني معاناته منذ بداية الأزمة، على جميع الأصعدة، السياسية والاقتصادية والإنسانية، وأنها لن تتوقف عن هذا النهج، ولن تقبل بأقل من مصالحة شاملة تضم كل الفرقاء الأفغان من أجل خير دينهم وبلادهم. هذه الرغبة الجامحة، والنهج السعودي الذي عبر عنه خادم الحرمين الشريفين، المتمثل في السعي إلى لم شمل الفرقاء والإخوة ووقف سفك الدماء ووقف الحرب التي أهلكت الحرث والنسل، هو نهج ثابت وراسخ في كل علاقات السعودية مع الأشقاء، لا تبحث عن مصلحة ولا تبحث عن شكر ولا تقدم منه عندما تسعى إلى خدمتهم ودعمهم واحتواء مشاكلهم وحلها والسعي إلى استقرار بلدانهم ووحدة أراضيهم.