عش دبابير أسواق الأسهم
الدبابير من أخطر الحشرات وأشدها ضراوة، تهاجم وتستولي على غذاء غيرها، بل تعتمد عليه وتهاجم بقسوة من يهاجمها. وعلى عكس النحل، لا ينتج الدبور غذاء يستفاد منه "ما عدا حالات للاستفادة من لسعته طبيا!". كذلك الحال مع دبابير الاقتصاد وسوق المال، فهم مجموعة من المستفيدين بشكل غير شرعي "فساد وغيره" من الاقتصاد، وكونوا كيانات تجارية تنمو وتترعرع عن طريق الاستيلاء على حق وفرص الآخرين بالرشوة والفساد، ومن ثم إلى كراسي مجالس إدارات الشركات المساهمة، والعبث واستغلال هذه الشركات لمصالحهم الشخصية.
يعاني كثير من الدول والاقتصاديات الفساد، ومن أمثال هؤلاء الذين ينخرون في الاقتصاد ويتسببون في تآكله، وتتم محاربة هذه الظواهر في أسواق المال بالنظام، وبالذات أنظمة الحوكمة المتطورة للشركات المساهمة، التي تقنن العلاقات، وتمنع وتعزل تداخل المصالح، وتحاول تغليب مصلحة المنشأة والمساهمين فوق أي طرف آخر، لكن وبسبب كبر وقدم أعشاش هذه الدبابير، فليس من السهل القضاء عليهم بسهولة وسرعة، فهم عدوانيون تجاه أي محاولة للمس أعشاشهم، ومن يقترب منها مهددا فسيواجَه بمهاجمة وحرب كي يتم القضاء عليه. نحن اليوم في السعودية نشهد مرحلة جديدة وواعدة للقضاء على الفساد واقتلاع هذه الأعشاش الضخمة، التي امتصت الاقتصاد عبر السنين، ومحاربة هذه الدبابير عن طريق عدة جهات بشكل مباشر وغير مباشر، مثل هيئة مكافحة الفساد "نزاهة"، أو عن طريق هيئة سوق المال، وفرض الحوكمة وتعزيزها، ومراقبة السوق لمنع التلاعبات. نعم، لقد حققنا كثيرا، وهذا ملموس، لكن تظل هناك أعشاش لم تزل، أو هي بالأصح مخفية عن الأعين، وما زالت تحرص على أن تكون مخفية، وتراقب من كثب أي محاولات للاقتراب منها لتهاجمه بكل الطرق الشرعية وغير الشرعية، بل تسعى إلى تشويه السمعة، وقلب الطاولة على من يهددها إذا استلزم الأمر.
وكما هي الدبابير تنقسم إلى مجموعتين، تعيش فرادى أو مجموعات، وكذلك الفاسدون، هناك مَن يعمل منهم فرديا ومن يعمل مجموعات بشكل منظم جدا. إن تفكيك الأخيرة هو الأصعب، وهي موجودة في الاقتصاد، وتقتات في سوق الأسهم على مقدرات المساهمين، وتمتص ما تستطيع امتصاصه من أموال، ومع الحملات الأخيرة ضد الفساد، ودخول مستثمرين يرون أخيرا أن هناك أملا لعمل التغير وإصلاح شركات "كان مسيطرا عليها من مجموعات لمدة طويلة لم تقدم ما هو مفيد للمساهمين" لديها القدرة على تعظيم الأرباح فقط في حال تم التخلص من المتنفذين والمستفيدين منها بوضعها الحالي، لكن الأمور ليست بهذه السهولة أبدا، فقد تمت مواجهة هؤلاء المقبلين الجدد بقسوة من قبل الدبابير القديمة وأتباعهم، ومحاولة طردهم من السوق، أو القضاء عليهم وتشويه سمعتهم كذلك. طبعا، هذا لا يعني أبدا أن كل مقبل جديد هو مصلح أو جيد، بل قد يكون تكرارا لمن سبقه.
أعتقد أنه خلال الفترة المقبلة ستكون هناك مواجهة صامتة أو صاخبة إذا استلزم الأمر، بين فريق جديد يرى أن هناك فرصا في السوق تحتاج إلى إصلاح ومن ثم تحقيق نجاح، وفريق الدبابير القديم الذي يملك مصالح كبيرة داخل الشركات التي يملك أو يعمل فيها، ولا يريد لأحد الاقتراب منها ومن ثم اكتشاف الفساد السابق.
قد يسأل بعضهم: لماذا الحوكمة لم تكشف وتمنع الفساد إذا كانت تدعي ذلك؟
طبعا، الحوكمة لا تستطيع منع كل أنواع الفساد، إنما هي أداة من ضمن أدوات كثيرة لتقليل حالات الفساد ومحاربتها، فهناك المراجعة الداخلية، والمراجعة الخارجية، وهيئة سوق المال، والجهات المشرفة بشكل عام، والحوكمة، وإدارة الالتزام وغيرها، كل واحد مَعْنِي بجانب يساعد على تقليل الفساد ومنع ظهوره، لكن أداة واحدة لا تكفي بكل تأكيد للقضاء على الفساد، فإذا كان هناك ضعف في إحدى هذه الأدوات فسيتم استغلالها، ولذلك تجب تقوية كل جدران الحماية؛ لمنع التلاعبات وحالات الفساد واستغلال الصلاحيات، والأهم توعية المساهم، وتفعيل دوره داخل الجمعيات العمومية؛ ليتم إيقاف كل من يمتص مقدرات الشركات، ويتلاعب بثروات المساهمين.