الصين .. وطريق الحرير الجديد
تعتزم الصين إعادة طريق الحرير القديم بخط آخر جديد، في محاولة لبسط نفوذها الاقتصادي، وتطوير التجارة، والربط بين دول العالم عن طريق الحرير الجديد، وهو طريق اقتصادي، ومبادرة تعرف أيضا باسم "الحزام والطريق"، تهدف إلى إحياء وتطوير طريق الحرير التاريخي، ويشمل المشروع تشييد شبكات من الطرق وسكك الحديد، وأنابيب النفط والغاز، وخطوط الطاقة الكهربائية والإنترنت، ومختلف البنى التحتية. ويتكون طريق الحرير البري من ثلاثة خطوط رئيسة، كالتالي:
الخط الأول: يربط بين شرق الصين عبر آسيا الوسطى وروسيا الاتحادية إلى أوروبا.
الخط الثاني: يبدأ من الصين مرورا بوسط وغرب آسيا ومنطقة الخليج وصولا إلى البحر الأبيض المتوسط.
الخط الثالث: يمتد من الصين مرورا بجنوب شرقي آسيا وآسيا الجنوبية فالمحيط الهندي.
إضافة إلى عدد من الممرات البرية في إطار المشروع، ومنها ممر الصين وشبه القارة الهندية، وممر الصين وباكستان، وممر يربط إقليم يونان جنوب غربي الصين وميانمار وبنجلادش مع شمال شرقي الهند.
أما طريق الحرير البحري، فيتكون من خطين رئيسين، وهما كالتالي:
الخط الأول: يبدأ من الساحل الصيني مرورا بمضيق ملقا إلى الهند والشرق الأوسط وشرق إفريقيا، وصولا إلى سواحل أوروبا.
الخط الآخر: يربط الموانئ الساحلية الصينية بجنوب المحيط الهادئ.
وتهدف الرؤية الاستراتيجية للصين من هذا المشروع، التي أعلنها الرئيس الصيني شي جين بينج عام 2013، إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والثقافي والسياحي، وعديد من التطلعات الطموحة للأمة الصينية؛ لتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة في الصين والعالم.
يذكر أن "طريق الحرير" القديم يعود تاريخه إلى نحو القرن الثاني قبل الميلاد، ويشير الاسم إلى شبكة الطرق البرية والبحرية، التي ربطت بين الصين وأوروبا مرورا بالشرق الأوسط، بطول يتعدى عشرة آلاف كيلومتر.
وكان الرئيس الصيني قد تعهد، خلال القمة الخاصة بالمبادرة التي جاءت بعنوان "طريق واحد وحزام واحد"، بتخصيص نحو 124 مليار دولار للخطة، ليكون الطريق "طريقا للسلام ولَمِّ الشمل والتجارة الحرة".
يشكل طريق الحرير الجديد فرصة للصين والعالم في التواصل معا، ونقل البضائع بشكل أسرع قد يصل إلى نصف مدة النقل الحالية، التي قد تستغرق شهرا لنقل البضائع من الصين إلى أوروبا، لكن المشروع بذلك المد غير المسبوق من طرق اتصالات وكهرباء وشبكات هواتف مصاحبة لتلك المحطات في مختلف دول العالم، سيشكل نقلة حضارية نوعية، ولا سيما لدول آسيا الوسطى، التي لم تزدهر اقتصاديا؛ بسبب حالة نقل البضائع لديها، وعدم توافر سبل النقل في بعضها.
ومن الطرف الآخر، يشكل هذا الطريق فرصة للمملكة لتدعيم هذا الخط بحريا عبر البحر الأحمر، وزيادة الموانئ والمحطات البحرية، علاوة على إمكانية الاستثمار في الطرف في وسط وجنوب آسيا، ما يشكل فرصا استثمارية للمملكة من ناحية الشرق.
يلاحظ أن هذا الخط سيركز على وصل وربط آسيا مع أوروبا بشكل كبير، والسؤال هنا: ما مصير قارتي أمريكا الشمالية والجنوبية، وتحديدا دور الولايات المتحدة وردة فعلها تجاه هذا الخط؟
لا شك أن دول وسط آسيا وأسواقها ستنتعش بشكل كبير نتيجة لحركة التواصل والاتصال بينها وبين أوروبا، لكنه في الوقت نفسه سيفتح مخاوف تجاه تغيير اتجاهات القوة العالمية ناحية الصين بشكل أكثر، ومع ذلك، ترفع الصين مفهوم السلام والحضارة من خلال هذا الخط، وهو قد يكون فعلا فرصة للتواصل مثلا بين دول مثل الهند وباكستان أو حتى روسيا والصين، وبالتالي مزيد من التعاون الاقتصادي بين تلك الدول، وتصفير أو تحييد التوترات بين تلك الدول؛ نظرا للمصالح الاقتصادية التي تجمعهم.
كثير من الأسئلة ينبغي طرحها حول مستقبل هذا الطريق وأثره في المملكة . لا شك أن الدول التي سيمر بها الخط ستكون أكثر قدرة على إرسال واستقبال بضائع أكثر، ناهيك عن الملاحة، وتنقل البشر بين تلك البلدان، وهذا يستوجب دراسات مستقبلية مخصصة، وكيف يمكن تفعيل البحر الأحمر ليكون له دور مهم في هذا الطريق، علاوة على دوره الاستراتيجي الحالي.
يشكل هذا الخط فرصة للمملكة لتعزيز دورها النفطي وغير النفطي، وموقعها الجغرافي، وقوتها الناتجة عن ربطها للعالم، وموقعها بين آسيا وإفريقيا، وهو ربما كذلك فرصة للمملكة للاستثمار في شركات المواصلات وسكك الحديد المرشحة، وكذلك أن تقوم بالعمل نفسه في قارة إفريقيا؛ لبناء خط مواصلات كذلك، يربط هذه القارة بعضها ببعض، ويصلها بقارتي أوروبا وآسيا.