الصين .. شبح الديون يحوم حول السكك الحديدية فائقة السرعة
في صباح يوم من أيام الأسبوع الماضي ركب ليو أيجون في واحد من ثمانية قطارات عالية السرعة تسير يوميا بين أورومتشي، عاصمة منطقة سنجان شمال غربي الصين، وهامي، وهي واحة تقع على بعد 614 كيلو مترا باتجاه الشرق.
استغرقت الرحلة، عبر أطول خط في شبكة السكك الحديدية عالية السرعة في البلاد وأكثرها تكلفة، ثلاث ساعات فقط وكلفت 16 رنمينبي (24 دولارا). في السابق اعتاد ليو، وهو بائع مصاعد وفني يعمل لحسابه الخاص، الاعتماد على الرحلات غير المنتظمة والمكلفة بين المدينتين. قبل اكتمال خط "إتش إس آر" الجديد في عام 2014، كانت رحلة القطار بين أورومتشي وهامي تستغرق سبع ساعات.
قال ليو، "إذا لم تكن على عجلة من أمرك، فلماذا لا تستقل القطار". وتابع "القطار أكثر راحة (من الطيران)".
التسهيلات المقدمة إلى ليو لها تكلفة كبيرة على شركة السكك الحديدية "تشاينا ريلواي" المملوكة للدولة، التي بنت على مدى العقد الماضي أكبر شبكة للسكك الحديدية عالية السرعة في العالم بمسار طوله 25 ألف كيلو متر. واليوم، بعد عقد فقط من بداية البناء، أصبح ثلثا مسارات السكك الحديدية عالية السرعة في العالم موجودة في الصين.
كان انطلاق أول خدمة للسكك الحديدية عالية السرعة للمسافات الطويلة في الصين ـ تقطع 1100 كيلومتر بين مدينة قوانغتشو الجنوبية ووهان في وسط البلاد خلال ثلاث ساعات فقط ـ في كانون الأول (ديسمبر) 2009، مثالا لافتا للنظر على استجابة الحزب الشيوعي الصيني، التي تتغذى على الديون، للأزمة المالية العالمية.
في السنوات التي أعقبت الأزمة غذت هذه المشاريع الاستثمارية الطلب على الأسمنت والفولاذ والسلع الصناعية الأخرى في ثاني أكبر اقتصاد في العالم. لكنها تسببت أيضا في أعباء ديون ضخمة على شركة تشاينا ريلواي وغيرها من الشركات المملوكة للدولة.
وخلال العقد المنتهي في عام 2016، ارتفعت مستويات الديون للشركات الصينية من 100 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 190 في المائة، أو 141 تريليون رنمينبي. واعتبارا من آذار (مارس)، بلغت الديون الإجمالية لـ "تشاينا ريلواي" خمسة تريليونات رنمينبي. ووفقا لما ذكره لي هونج تشانج، اختصاصي وسائل النقل في جامعة جياوتونج في بكين، فإن ما يصل إلى 80 في المائة من عبء ديون الشركة يتعلق بأعمال إنشاءات "إتش إس آر".
بالنسبة إلى منتقدي "تشاينا ريلواي"، فإن شبكة السكك الحديدية عالية السرعة تشكل أزمة ديون وشيكة الحدوث، وذلك باعتمادها على إعانات حكومية لا يمكن استمرارها، مع خطوط كثيرة غير قادرة على سداد فائدة ديونها، ناهيك عن أصل هذه الديون.
يقول تشاو جيان، زميل البروفيسور لي في جامعة جياوتونج في بكين: "لطالما كانت تشاينا ريلواي تعتمد على الدعم المالي وتستمر في جمع ديون جديدة لسداد ديون قديمة". ويضيف، "(هذا) سيؤدي حتما إلى أزمة ديون سكك حديدية".
ويقدر البروفيسور تشاو أن إجمالي ديون "تشاينا ريلواي" سيزداد بنسبة 60 في المائة على مدى الفترة القليلة المقبلة، بحيث يصل إلى ثمانية تريليونات رنمينبي بحلول عام 2020. لم تستجب "تشاينا ريلواي" لطلبات مقابلة متعلقة بهذه المقالة.
في الربع الأول من هذا العام سجلت "تشاينا ريلواي" خسارة صافية بلغت 376 مليار رنمينبي. وخلال الفترة نفسها كانت القروض المصرفية تمثل 156 مليار رنمينبي، أي أكثر من 60 في المائة من إجمالي مواردها المالية. وتجاوزت مدفوعات الفوائد على ديون الشركة أرباحها التشغيلية منذ عام 2015 على الأقل.
في الأسبوع الماضي أعلنت الشركة أنها ستستثمر أكثر من 800 مليار رنمينبي هذا العام، بزيادة 10 في المائة عما كان مدرجا أصلا في الميزانية. وتعتزم توسيع شبكة السكك الحديدية عالية السرعة إلى 30 ألف كيلو متر بحلول عام 2030.
ويعد خط لانتشو- سنجان الذي سافر عليه ليو، أطول خط والأكثر إثارة للجدل في شبكة الحديدية عالية السرعة في الصين. وقد تم بناؤه بتكلفة بلغت 140 مليار رنمينبي، وهو يربط بين ثلاث مقاطعات شمالية غربية كبيرة يقطنها 53 مليون شخص - وهو إجمالي منخفض نسبيًا بالنسبة للصين - في أرض مجموع مساحتها أكبر من الأرجنتين.
وهذا يتعارض بشكل كبير مع الاقتصاد الأساسي للسكك الحديدية عالية السرعة، التي تعمل بشكل أفضل في مسافات قصيرة نسبيا عبر طرق مكتظة بالسكان.
وبحسب جوناثان بيرد، رئيس استشارات النقل في شركة أركاديس آسيا، "المسافة المناسبة هي 300 - 500 كيلو متر". وأضاف، "أية مسافة أقصر من ذلك ستميل الطرق إلى أن تكون أكثر تنافسية. وأية مسافة أطول من ذلك سيميل الهواء إلى أن يكون أكثر تنافسية".
تم تصميم خط لانتشو- سنجان عالي السرعة بحيث يتضمن 320 قطارا يوميا، وهو يتضمن الآن ثمانية خدمات يومية فقط. قال البروفيسور تشاو، "بسبب هذا القدر الكبير من الطاقة التي بلا جدوى، فإن الإيرادات السنوية (للخط) لا تكفي لدفع تكاليف الكهرباء الخاصة به".
ومع أن بعض مؤيدي شبكة السكك الحديدية عالية السرعة لا يوافقون على أن خط لانتشو- سنجان مشروع ذو أبعاد هائلة لا تتناسب مع فوائده (فيل أبيض)، إلا أنهم يقولون إن النظر إلى خط واحد بمفرده يفوت المغزى الحقيقي للشبكة. ويجادلون بأن الخطوط المربحة، مثل خط بكين - غوانجزو الذي يربط ست مقاطعات يبلغ مجموع سكانها 430 مليون نسمة، سيعوض خسائر الشركة في النهاية.
وقال جيرالد أوليفييه، أحد كبار المختصين في البنية التحتية لدى البنك الدولي الذي يركز على مشاريع السكك الحديدية عالية السرعة في الصين، "ستكون الخطوط موجودة في الـ 40 سنة المقبلة". وتابع، "أنت بحاجة إلى النظر إلى هذا الإطار الزمني، الذي يوزع التكاليف الثابتة على مدى سنوات عديدة، ونمو الركاب لفهم القصة المالية الحقيقية".
وأضاف، "بالنسبة لهذا النوع من المشاريع تقوم المصارف بالإقراض بمعدلات سيادية. ما يجعل الأمور المالية تنجح. عند مراجعة شبكة السكك الحديدية عالية السرعة الصينية (في 2015) وجدنا أنها ينبغي أن تكون قادرة على تغطية تكاليفها على المدى الطويل، بشرط ازدياد أسعار التذاكر لتغطية التضخم (...) وهذا لا يعني أنه لن تكون هناك حاجة على المدى القصير لإعادة تمويل بعض المدفوعات الأساسية، لأن مدة القروض تميل إلى أن تكون أقصر بكثير من عمر الأصول".
وولّد رهان الصين على الرفع المالي الضخم لشبكة السكك الحديدية عديد من الفوائد، فهو يقلل المسافات بشكل كبير، ويغير حياة الناس، ويعزز الاقتصادات الإقليمية. رحلة القطار التي تستغرق الآن ثلاث ساعات بين غوانجزو ووهان كانت تستغرق سابقا 11 ساعة، وسعر التذاكر الآن 464 رنمينبي فقط.
معدل السفر السنوي على الخطوط عالية السرعة - 1.7 مليار رحلة - يتجاوز معدل السفر على خدمات السكك الحديدية التقليدية. ونحو نصف جميع رحلات الخطوط عالية السرعة، مثل ليو، ذات صلة بالأعمال التجارية.
قال أوليفييه، "عندما تفكر في ذلك، تجد أن عددا مذهلا يبلغ 850 مليون شخص يسافرون (على الخطوط عالية السرعة) لمقابلة العملاء، والوصول إلى أعمالهم، وزيارة مراكز الأبحاث وما إلى ذلك".
إذا كانت شبكة السكك الحديدية عالية السرعة التابعة لـ "تشاينا ريلواي" قادرة في النهاية على سداد تكاليفها، فستكون بمنزلة شهادة على المعجزات التي يمكن أن تحدث عندما يجمع الحزب الشيوعي الصيني الموارد المالية الهائلة المتاحة له لخدمة منفعة عامة. لكن إذا لم تستطع ذلك، فليس هناك شك حول من سيضطر إلى تعويض الفرق.
قال البروفيسور لي، "إن ديون تشاينا ريلواي تدعمها الحكومة. لن تتخلف عن السداد".