أزمتنا مع جيل "الديجيتال"

من الأمور التي تسبب تصادما مستمرا بين الآباء والأبناء أن كل أب يريد أن يكون طفله نسخة منه، يريده أن يكون كما يريد، لا كما يريد ابنه، دون أن يمنحه أي استقلالية في إدارة أموره وتكوين شخصيته، وأن يسهم في صناعة ذاته بشكل قد يفوق والده، وغالبا ما نمارس عليهم الوصاية، ونحدد لهم ما يشربون ويأكلون ويلبسون، ونتحكم في حلاقة شعرهم وطريقة ترتيبهم لدروسهم وتنظيم وقتهم، وماذا يمارسون من رياضة، حتى في اختيار ميولهم الرياضية نتحكم أيضا في ذلك، ونختار الفريق الذي نميل إليه، ولو كان هزيلا مترديا يأكل من "الخمسات" ما لذ منها وطاب.
ومن السهام التي يوجهها أغلب الآباء للأبناء ممن يطلقون على أنفسهم جيل الطيبين ـــ على الرغم من أن الطيبة منهم براء ــــ تلك المقولة "يوم كنت كبرك.. كنت أفعل وأفعل وأفعل"، وهي في الغالب عبارة عن قصص وهمية فيها من "الشلخ" ـــ أي الكذب ـــ كثير، فأغلب المنتسبين لجيل الطيبين ما هم إلا أطفال "مؤذون" يتأذى من أفعالهم الأهل والأقارب وأيضا الجيران، حتى "القطاوة" كانت تتأذى منهم ومن أفعالهم التي يمارسونها ضدهم.
نريد من أطفالنا أن يصبحوا رجالا مثلنا وألا يمروا على مرحلة الطفولة والمراهقة، وأن يكونوا كما نحن في سن الـ 40 أو الـ 50 دون أي اعتبار لشقاوة الطفولة أو المراهقة وفوضويتها، ولا نلتمس لهم العذر عند الخطأ، على الرغم من أننا لو استرجعنا ماضينا الطفولي، وتنازلنا عن "برستيجنا" قليلا لوجدناهم يمارسون ما كنا نمارسه ونفعله.
هذا التصادم بين جيل "الطيبين" وجيل "الديجيتال"، عليه أن يتوقف، علينا كآباء وأمهات أن نتعايش مع متطلبات أبنائنا، وأن نمنحهم الحرية ـــ بحدود ـــ في ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، وألا نفرض عليهم الممارسات التي كنا نمارسها ذاتها سواء في الأكل أو الشرب أو حتى في الملبس وطريقة الاستذكار وغيرها، فلكل جيل اهتماماته واحتياجاته، وعلينا أن نتفهم أنهم مختلفون عنا في كل شيء، وليس بالضرورة أن نصنع منهم "نسخا" منا لا طعم لها ولا لون ولا رائحة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي