طوابير الانتظار .. تكتيك الإلهاء والترفيه
جيليان تيت من لندن
في هذا الشهر، بينما ينغمس العالم الغربي في موسم الأعياد، يمكن توقع حدوث أمرين بكل ثقة. أولا، أن معظمنا سيقضي بعض الوقت واقفا في طابور، انتظارا لشراء سلع أو للسفر إلى مكان ما، حتى ونحن نقضي مزيدا من الوقت في التسوق الإلكتروني. ثانيا، بغض النظر عن مدى جدية محاولاتنا للتحلي بروح الأعياد بينما ننتظر في الطابور، طابور العالم الحقيقي سيثير انزعاجنا في مرحلة ما، إن لم يثر غضبنا. كلما وعد عالم الإنترنت بتوفير الإشباع الفوري، أصبح الانتظار أصعب.
هل هناك طريقة للتخفيف من الشعور بالانزعاج؟ هذا هو السؤال الذي تمت دراسته في السنوات الأخيرة من قبل شركات مختلفة، ابتداء من "ديزني" وصولا إلى "دلتا آيرلاينز" في مجال يعرف باسم سيكولوجيا طوابير الانتظار. جوست فيلس، المختص في إدارة العمليات في جامعة بفالو في نيويورك، أجرى أخيرا دراسة تحليلية لهذا الأمر، بمساعدة ساعة توقيت وزيارات متعددة إلى محال تجارية ومطارات.
كان تحليله مشجعا بشكل غير متوقع. يؤمن فيلس بأن فهم طوابير الانتظار يستلزم البدء في التفكير في مفهوم ما يعرف بـ "قانون ليتل" Little’s Law، وهو نظرية رياضية صممها جون داتون كونانت ليتل في ستينيات القرن العشرين. القانون يضع فكرة أساسية إلى حد كبير هي أن الشركات الحديثة غالبا ما يشمل تخطيطها: عدد العملاء في أي طابور انتظار يعادل معدل وقت صولهم، مضروبا في طول المدة التي يستغرقونها في المرور عبر النظام.
مع ذلك، يشير فيلس إلى حيلة مثيرة للاهتمام. عندما يصل العملاء أولا إلى الطابور يفترضون عادة أنه إذا كان هناك عدد من الطوابير القصيرة، فإن هذا يدل على تخطيط جيد – لكن إذا كان هناك خط واحد طويل جدا، فهو دلالة على كثرة الضغط على النظام وبالتالي يبدو مروعا. بحسب فيلس، يمكن إثبات عدم صحة ذلك في حال كان طابور واحد يدار من قبل عدة موظفين. كتب أخيرا في مدونة: "رؤية طابور طويل على شكل ثعبان يتحرك يمينا ويسارا بعرض المتجر ثلاث مرات يمكن أن يكون أمرا خادعا فيما يتعلق بالوقت الذي قد تضطر فيه إلى الانتظار. يبدو أنه طابور طويل جدا، لكن يمكن أن يكون معدل الخدمة جيدا بحيث يتحرك الطابور بسرعة كبيرة".
أدركت الشركات الاستهلاكية بشكل متزايد أن وجود كثير من الطوابير "القصيرة" عند نقاط الخدمة الفردية يمكن أن يكون أمرا خاطئا. يعود ذلك جزئيا إلى أنها يمكن أن تتسبب في خلق عوائق لوجستية (إذا تعطلت إحدى نقاط الخدمة هذه، فإن الطابور الكامل أمامها يتعطل). لكن هناك أيضا نقطة أكثر دقة: وجود العديد من الطوابير يمنح خيارا للمستهلك. على الرغم من أن المستهلكين يزعمون في كثير من الأحيان أنهم يريدون أكبر قدر ممكن من الاختيارات، إلا أن خيار اختيار طابور انتظار يمكن أن يؤدي بحد ذاته إلى التردد والتوتر والغضب بسبب التنافس على الطوابير. ففي النهاية، الشيء الوحيد الأسوأ من الانتظار في الطابور هو مشاهدة الآخرين يتخطون الطابور عن طريق الحظ أو المهارة. ما يميز وجود طابور واحد على النقيض من ذلك، هو كما يقول فيلس إن أي تأخير يحدث "يتم توزيعه عبر النظام بأكمله". إذا كنت تحب الجانب الإيجابي للاشتراكية، تستطيع القول: في بعض الأحيان الألم المشترك يكاد يشعرك بالطمأنينة.
هناك نقطة أخرى: إذا تم ترتيب الطابور على هيئة ثعبان، ينشأ وهم بوجود تقدم مستمر (مهما كان صغيرا). اعتماد طابور واحد في بعض الأحيان يتيح للشركات تخفيف ألم الانتظار عن طريق توفير بعض الملهيات أو الترفيه. يقول ريتشارد لارسون، أستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا درس نظرية طوابير الانتظار، إن تكتيك الإلهاء والترفيه يطبق بشكل جيد من قبل شركات مثل ديزني. وحتى بدون مثل هذه الحيل يمكن لطابور واحد، كما يقول اختصاصيو علم النفس المهتمون بطوابير الانتظار، أن يوفر إشارات مطمئنة للمستهلكين. من هنا يأتي التوجه المتزايد في المطارات والمتاجر ومتنزهات "ديزني لاند" الترفيهية لوضع العملاء في طابور انتظار واحد. استنتج فيلس أنه "حتى إذا كنت ترى طابورا طويلا جدا، طالما أنه هو الخيار الوحيد، يجب أن تكون مسرورا. فأنت لن تضطر إلى تخمين في أي طابور تقف"، مضيفا أن "قانون ليتل يعني أن طابورا واحدا طويلا هو أنسب طريقة لتمرير الجميع في أسرع وقت ممكن".
قد يكون لسيكولوجيا الطوابير آثار أوسع. نحن نعيش في عصر نعتبر فيه أن رغبة الزبائن في أكبر قدر من الخيارات أمر بدهي. لكن عندما نفكر في الطريقة التي تنظم الشركات الاستهلاكية ومجموعات النقل طوابيرها بها، يبدو أن هناك درسا آخر أيضا: الناس يجدون أن توافر شعور بالعدل أمر مطمئن وأن الشعور بالتقدم (مهما كان صغيرا) أمر مهم. بعبارة أخرى، عندما يتعلق الأمر بالطوابير، الشعور بنظام يدار بشكل عادل غالبا ما يكون مفضلا على حرية الاختيار والتنافس غير المقيد. قد نقبل فكرة أن دفع سعر أعلى يمكن أن يعطيك بعض الامتياز، لكننا نريد أن يتم هذا بشفافية. الخيارات التي تؤدي إلى نتائج غير عادلة لأسباب غير واضحة – التي من المفترض أنها تضع مسؤولية "الخيار" على عواتقنا – تبعث على التوتر.