نظام بريتون وودز وتجديد التعاون الاقتصادي «2 من 2»
يجب على صناع السياسات أن يوفروا ظروفا داخلية تساعد الناس على النجاح، وهنا تكتسب سياسة المالية العامة أهمية بالغة في توسيع الفرص المتاحة بتوفير إمكانات الحصول على التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية على مستوى عال من الجودة، خاصة لأولئك الذين لم يلحقوا بالركب. وفي كثير من البلدان، يعني ذلك إعطاء أهمية خاصة للشباب والنساء.
وينطوي هذا أيضا على معالجة عدم المساواة المفرط. ومرة أخرى، يمكن لسياسة المالية العامة أن تقوم بدور أساسي، بما في ذلك عن طريق اتخاذ إجراءات لتطبيق الضرائب التصاعدية، التي ينبغي تصميمها، حسبما يناسب كل بلد، وتقوية شبكات الأمان الاجتماعي التي يمكن أن تساعد على معالجة الاضطرابات المترتبة على التغير التكنولوجي والعولمة. ويتعين أن تعمل البنوك المركزية على درء مخاطر التضخم، وهي أسوأ ضريبة يدفعها الفقراء. وينبغي للجهات التنظيمية حماية الجمهور من هذا النوع من التجاوزات المالية، التي أفضت إلى الأزمة المالية العالمية المنهِكة منذ عشرة أعوام.
إن هذا النوع من الإجراءات المتعلقة بالسياسات يمكن أن يساعد على بناء الطمأنينة والثقة، وتجاوز تصورات الاقتسام الجائر للمزايا الاقتصادية.
وعلى المستوى الدولي، نحن في حاجة إلى زيادة تكافؤ الفرص عبر الحدود. وفي هذا الصدد، يبرز دور التجارة، ونحن نعلم أن فتح الحدود أمام التجارة، على مدى عقود طويلة، أسهم في نشر التكنولوجيا وزيادة الإنتاجية، ووفر ملايين الوظائف الجديدة بأجور أعلى. وفي الوقت نفسه، نحن نعلم أن المنفعة لم تعُم وأن هناك تشوهات في نظام التجارة وأنه في حاجة إلى الإصلاح.
وتشكل الضرائب الدولية تحديا آخر. ويجب علينا أن نتأكد من أن الشركات الدولية تسدد نصيبها العادل من الضرائب، وعدم إصلاح نظام ضرائب الشركات الدولية يحول دون تحصيل البلدان للإيرادات الضريبية، التي تحتاج إليها لتمويل الاستثمار اللازم في الموارد البشرية والبنية التحتية. هذه هي بعض التحديات التي أراها، وهناك تحديان آخران، أنتم أيها الجيل الصاعد، جذبتم انتباه العالم إليهما. وأتحدث هنا عن تغير المناخ، الذي يهدد مستقبل كوكبنا، أنتم ربما لمستم التأثير المتزايد بأنفسكم، من حرائق الغابات في كاليفورنيا إلى العواصف الاستوائية في موزامبيق. ومن المؤكد أنكم تعلمون أن السياسات الاقتصادية الأكثر مراعاة للاعتبارات البيئية يمكن أن تساعد على التصدي لهذا الخطر الوجودي. وبعبارة أخرى، إذا لم تكن لديكم خطة للبيئة، فليست لديكم خطة للاقتصاد.
والقضية الأخرى، التي تتبادر إلى أذهان الشباب هي الفساد، أنتم ترونها قضية غير عادلة، وأنتم محقون في ذلك، فالتكلفة العالمية للرشوة وحدها تبلغ بين 1.5 تريليون دولار وتريليوني دولار سنويا. وهذا الرقم لا يأخذ في حسبانه أثر الفساد في إضعاف المجتمع. وإذا أردنا أن نبني اقتصادات أكثر إنصافا وقوة، يجب علينا معالجة سرطان الفساد.
وفي حديثه أمام مؤتمر بريتون وودز الأصلي، قال هنري مورجنتاو الابن، وزير الخزانة الأمريكي آنذاك "ليس للرخاء حدود ثابتة.. فالرخاء، مثله مثل السلام، غير قابل للقسمة، إذ لا يمكن توزيع الرخاء بين البلدان الأوفر حظا أو التمتع بالرخاء على حساب الآخرين".
75 عاما مضت، وقائمة التحديات تبدو جسيمة، لكنها ليست أكثر جسامة من القائمة، التي كانت أمام المندوبين، حينما اجتمعوا في نيوهامبشير. وأعتقد أن الوقت قد حان مرة أخرى لكي نجدد التزامنا بالتعاون الاقتصادي العالمي، حتى نتمكن من تحقيق مزيد من الرخاء، ليس للقلة المحظوظة وحدها، وإنما للجميع.