الاستعانة بالحماية الاجتماعية في الاستثمار في البشر «1 من 2»
في مجتمع محلي صغير قبالة سواحل سيراليون، كانت سلاماتو بانجورا تكافح كثيرا من أجل إطعام صغارها، وعلى الرغم من عملها لساعات طويلة في بيع الأطعمة البحرية وشرائها من الصيادين المحليين في قريتها، لم يكن ذلك يكفيها؛ إلى وقت قريب، وهي تذكر تلك الأيام قائلة: "لم أكن أطهو كل يوم لقلة ذات اليد"،
ولكن ذلك تغير عندما بدأت في الحصول على عشرة دولارات شهريا، من أحد برامج شبكات الأمان الاجتماعي التي تستهدف الأسر شديدة الفقر. بدأت بانجورا في الاستفادة من المال في جلب الطعام، ودفع مصاريف المدارس، والاستثمار في عملها الخاص. وعندما نابتها إحدى المصائب واحترق بيتها، استعانت بانجورا بهذا المال في إعادة بنائه، مع ضمان استمرار حصول صغارها على تغذية جيدة وانتظامهم في الدراسة.
وتعمل برامج شبكات الأمان الاجتماعي على إيجاد الفرص، وتمكين الأسر من الاستثمار في رأس المال البشري، وكسر دائرة الفقر الممتدة عبر الأجيال. وتمد هذه البرامج الأسر، مثل أسرة بانجورا، بالقدرة على مواجهة الأزمات؛ فتتمكن من إدارة المخاطر، ومقاومة الصدمات، ومواصلة الاستثمار في أبنائها، حتى ولو نابتهم النوائب.
شاهد: كيف تبني أنظمة الحماية الاجتماعية رأس المال البشري، وتوظفه، وتحميه؟
كما ترسي أنظمة الحماية الاجتماعية الأسس لمجتمعات أكثر عدالة، وإنصافا، واحتواء، وتساعد في ضمان رخاء الأمم واستقرارها".
وتسعى البلدان إلى التوصل إلى حلول، وتعمل مجموعة البنك الدولي، مع الشركاء في جميع أنحاء المعمورة، على تقديم المشورة، والتمويل، والمساندة اللازمة للتصدي للفقر، وبناء رأس المال البشري، وتحسين الصحة، والتعليم، والمهارات لدى الأسر الفقيرة والأولى بالرعاية. ويساعد البنك الدولي البلدان المعنية حول العالم على تصميم أنظمة الحماية الاجتماعية وتدشينها وتمويلها، وذلك لتسليح الأفراد في نهاية المطاف بأدوات تحقق لهم الازدهار.
يقول ميكال روتكوفسكي، مدير قطاع الحماية الاجتماعية والوظائف بالبنك الدولي: "تمثل برامج الحماية الاجتماعية جوهر عملية تعزيز رأس المال البشري للفئات الأكثر معاناة في العالم؛ فهي تمكن الناس من التمتع بمستوى صحي جيد، ومتابعة تعليمهم، والسعي وراء الفرص التي تنتشلهم وأسرهم من براثن الفقر".
بدأت مجموعة البنك الدولي، العام الماضي، مشروع رأس المال البشري، لتسريع خطى زيادة الاستثمار في البشر كما وكيفا. ويفتح مشروع رأس المال البشري الباب لإعطاء دفعة كبرى تشجع بلدان العالم على تحسين تنمية رأس المال البشري لمواطنيها – أي المعارف والمهارات والقدرات الصحية التي تتراكم لدى الأشخاص على مدار حياتهم بما يمكنهم من استغلال إمكاناتهم كأفراد منتجين في المجتمع.
وكانت الحماية الاجتماعية محورا أساسيا في هذا الجهد، واعتمد عديد من البلدان أدوات الحماية الاجتماعية مثل برامج شبكات الأمان الاجتماعي وسيلة للاستفادة من رأس المال البشري.
"يعد تعزيز الحماية الاجتماعية أحد العناصر الأساسية في استراتيجيتنا العالمية لرأس المال البشري نظرا للنفع الذي تحققه تلك البرامج؛ لا للأبناء فحسب، ولكن للأسرة كلها، ما يوفر الحماية للفئات الأشد ضعفا والأولى بالرعاية في العالم، على مدار دورة حياتهم كلها".
تعد إندونيسيا من أوائل البلدان التي اعتمدت مشروع رأس المال البشري، ومن بين عديد من البلدان على مستوى العالم التي تستعين بشبكات الأمان الاجتماعي لمساعدة ما يقرب من عشرة ملايين من مواطنيها الأشد فقرا واحتياجا. ويأتي برنامجا المساعدات الاجتماعية الرئيسان في إندونيسيا – برنامج كيلوارجا هارابان وبرنامج بانتوان بانجان نون-توناي – في إطار التزام الحكومة بتسريع وتيرة الاستثمار في رأس المال البشري، من خلال برامج على غرار استراتيجية تسريع وتيرة خفض الإصابة بالتقزم، حيث يقدم برنامج كيلوارجا هارابان تحويلات نقدية مشروطة وموارد لتشجيع السلوكيات الإيجابية: تحصل بموجبه الأسر المستحقة على مدفوعات تساعدها على تغطية الضروريات – كالطعام – شريطة إرسال أبنائها إلى المدارس، وإحضارهم لعمل فحوص صحية بصورة منتظمة. وأدى هذا إلى انخفاض التقزم بمقدار 11 نقطة مئوية، ويعد هذا أمرا بالغ الأهمية نظرا لما يعانيه الأطفال الأقصر كثيرا عن المعدل الطبيعي لأعمارهم من جراء سوء التغذية من جوانب عجز في الصحة والتعلم تلازمهم طوال حياتهم، كما أدى البرنامج إلى زيادة معدل الالتحاق بالتعليم الابتدائي بنسبة تقدر بنقطتين مئويتين، وزيادة في التعليم الثانوي بمقدار تسع نقاط مئوية. ويقدم البنك الدولي تمويلا قدره 200 مليون دولار لمساندة البرنامج الذي تبلغ تكلفته السنوية 1.8 مليار دولار.
وتستعين مصر أيضا ببرامج الحماية الاجتماعية لمساعدة الفئات الأكثر احتياجا، حيث بدأ برنامج تكافل وكرامة عام 2015، بتمويل بلغ 400 مليون دولار من البنك الدولي، وكما هو الحال في إندونيسيا، يقدم هذا الدعم للدخل بشرط إبقاء الأبناء بالدراسة وضمان حصولهم على الرعاية الصحية، ولكن البرنامج في مصر يقدم مساعدات للمسنين، حيث يمنح المواطنين الفقراء الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاما معاشا شهريا صغيرا دون شروط. وإلى الآن، استفاد أكثر من تسعة ملايين شخص من تكافل وكرامة – أي ما يقارب 10 في المائة من تعداد سكان مصر.