13 مليار دولار إنتاج العالم من الألماس سنويا .. استثمارات مهددة مع إفلاس الشركات
قلصت شركة دي دبيرز التي تستحوذ على السوق العالمية للألماس خططها الإنتاجية لعام 2019، تأتي تلك الخطوة من أكبر منتج في العالم استجابة لأزمة تمر بها الصناعة نتيجة تراجع الطلب.
وانخفضت أسعار الألماس الخام بنحو 6 في المائة خلال الأشهر السبعة الأولى من هذا العام، بينما تراجعت أسعار الألماس المصقول 1 في المائة.
يظهر تراجع معدل الطلب في الضعف الذي هيمن على مبيعات شركة دي بيرز هذا العام، فمنذ بداية شهر كانون الثاني (يناير) حتى الشهر الماضي تقلصت المبيعات بنحو 500 مليون دولار مقارنة بعام 2018.
وكانت الشركة خططت منذ بداية العام لإنتاج كميات أقل بكثير من الألماس مقارنة بالعام الماضي، وبلغ إنتاجها خلال النصف الأول من العام الجاري 15.6 مليون قيراط، أي أقل بنسبة 11 في المائة من العام السابق، في الوقت الذي انخفض فيه متوسط سعر البيع 7 في المائة.
تبدو الصورة الآن قاتمة، إذ يقول لـ"الاقتصادية"، جون نيل المختص الاستشاري في شركة ميستري جيم البريطانية للأحجار الكريمة الملونة، "إن الطلب على الألماس غير المصقول ضعيف نتيجة زيادة المخزون من الألماس المصقول، والأوضاع الاقتصادية العالمية المتردية، وهيمنة حالة عدم اليقين على الأسواق العالمية نتيجة الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين".
ويعتقد جون نيل، أن الوضع سيزداد سوءا من الآن حتى منتصف العام المقبل، بسبب تفاقم الصراع بين واشنطن وبكين، ومع هذا فإن "دي بيرز" رغم انخفاض أرباحها هذا العام، إلا أن أداءها أفضل بكثير من منافسيها الصغار، الذين تراجعت قيمة أسهمهم، ومن ثم قيمتهم السوقية إلى أدنى مستوياتها منذ عدة سنوات.
وبالفعل، فإن هوامش الربح باتت رقيقة أو اختفت تقريبا في تجارة الألماس، وزادت صعوبة إدارة المشكلات للشركات المتخصصة، إضافة إلى أن عديدا من تلك الشركات توقف عن العمل بالفعل، وأوائل هذا العام أفلست شركة يوروستار للألماس التي كانت في السابق واحدة من أكبر الشركات المشترية للأحجار الخام، كما أن أرباح شركة أنجلو أمريكان من تجارة الألماس، التي تملك 85 في المائة في "دي بيرز"، هبطت بنحو 30 في المائة في النصف الأول من هذا العام.
ولا يتردد بعض العاملين في صناعة الألماس في الإعراب عن خشيتهم أن يكون الألماس قد بدأ يفقد بريقه خاصة لدى الفتيات، وهذا يعني أن الأزمة الراهنة للصناعة ربما تكون طويلة الأمد، فالأجيال الصغيرة من الشباب والشبات يفضلون إنفاق الأموال على أشياء أخرى غير اقتناء المجوهرات، تحديدا الألماس، حيث تنصب خياراتهم أكثر على إنفاق أموالهم على السفر والسياحة والعطلات، أو تجهيز المنزل بدلا من شراء خاتم من الألماس يوضع في مكان سري في المنزل أغلب الأوقات.
وترى إيلين دوث الصحفية في مجلة ليف، أن"صناعة الألماس كانت من أوائل الصناعات التي عرفت أهمية العلامة التجارية والتسويق، وظل الألماس لفترة طويلة حكرا على الطبقات شديدة الثراء، إلا أنه تراجع وبات متاحا تقريبا للجميع، وهذا أفقده إلى حد كبير تميزه وتفرده، كما أثر وسيؤثر في الأسعار في الأمد الطويل.
تبدو المشكلات في صناعة الأماس ذات شقين، الأول ركود في مبيعات المجوهرات الراقية والتحديات الناجمة عن المنافسين مثل الأحذية وحقائب اليد الفاخرة والإجازات السياحية، تضاف إلى ذلك المصاعب التي تواجه شركات الألماس في إيجاد التمويل، لأن البنوك بدأت في كثير من الأحيان التخلي عن صناعة الألماس وتجاراته بعد تعرضها للاحتيال والقروض المتعثرة.
لكن تلك النظرة لا تبدو مقنعة للبعض، فقيمة الألماس غير المصقول المنتج عالميا تبلغ بمفردها نحو 13 مليار دولار سنويا، تسهم إفريقيا فيها بما يقارب 65 في المائة من قيمة هذا الإنتاج، ويبلغ عدد العاملين في تلك الصناعة على المستوى العالمي سواء الإنتاج المباشر أو غير المباشر نحو عشرة ملايين عامل.
ويرصد هنري لرثن المختص في مجال المجوهرات والمدير التنفيذي السابق لاتحاد السبائك في المملكة المتحدة، ثلاثة عوامل رئيسة، ستؤثر في مسيرة صناعة وتجارة الألماس في السنوات المقبلة.
يضيف لـ "الاقتصادية"، أن العوامل الثلاثة الرئيسة تتمثل في التكنولوجيا الرقمية التي تؤثر بشكل متزايد في الصناعة، وعملية الإنتاج، ما يمكن منتجي الألماس وتجار التجزئة من زيادة الكفاءة الإنتاجية، وتتيح للقائمين على التسويق تطوير علاقتها بالعملاء، أما العامل الثاني، فيتمثل في الأماس المصنوع في المختبرات أو ما يعرف بالألماس الصناعي، الذي وجد ليبقى.
ويصنع الأماس الصناعي من مواد كربونية توضع في غرف خاصة، ثم تضاف إليها الغازات، وتسخن ثم تترك أياما معدودة ثم تُكَسَّر لتتكشف عن ألماس اصطناعي، وتشير التوقعات إلى أنه بحلول عام 2030 سيستحوذ الألماس الاصطناعي على ما يراوح بين 5 و10 في المائة من أسواق الألماس، ونتيجة للوتيرة الراهنة لانخفاض تكاليف إنتاج الألماس الاصطناعي والتحسن التدريجي في النوعية، فإنه يتوقع أن تصبح تلك الأحجار المصنوعة في المعامل في متناول أعداد أكبر من المستهلكين.
أما العامل الثالث المؤثر في مسيرة صناعة وتجارة الألماس في السنوات المقبلة، فهو نمو الطلب على الألماس الخام الطبيعي بشكل ثابت بنسبة 2 في المائة سنويا حتى عام 2030 مدعوما بطلب أمريكي قوي، واستمرار نمو الطبقة المتوسطة في الصين والهند.
لكن معضلة صناعة الالماس لا تقف عند تلك الحدود، فالمعدن الذي يتوافر في 35 دولة حول العالم، تنحصر صناعته في عدد محدود من الدول، بل إن بعض كبار المنتجين لا توجد لديهم صناعة الألماس، وتنقسم البلدان المنتجة إلى فرقتين رئيستين الفرقة الشمالية وتضم روسيا وكندا أما الفرقة الجنوبية فتضم بوتسوانا وجنوب إفريقيا وناميبيا وأستراليا، إضافة إلى فرقة أخرى لكنها هامشية نسبيا تضم ساحل العاج وسيراليون في إفريقيا وفنزويلا والبرازيل في أمريكا اللاتينية.
وتضم قائمة أكبر خمس دول منتجة للألماس روسيا أكبر المنتجين والمصدرين وبوتسوانا والكونغو وأستراليا وكندا.
ويوضح لـ"الاقتصادية"، جون نيل المختص الاستشاري في شركة ميستري جيم البريطانية للأحجار الكريمة الملونة إحدى أبرز مشكلات الصناعة، أن عائدها الحقيقي لا يعود في كثير من الأحيان على البلدان المنتجة، إنما على الدول التي تقوم بتقطيع وصقل الألماس مثل الهند وبلجيكا، وهذا الخلل يؤدي في كثير من الأحيان إلى انتهاكات واسعة في عملية الإنتاج، حيث ظهر مصطلح "الألماس الدموي" في إشارة إلى الألماس القادم من مناجم البلدان الإفريقية، نتيجة النزاعات المسلحة، وهو ما فجر موجة عالمية من الانتقادات للشركات المنتجة، وأضعف رغبة قطاع كبير من المستهلكين والمستثمرين على حد سواء في التعامل مع تلك الأحجار الثمينة.