انخفاضات قياسية لعوائد الصكوك الحكومية .. تكلفة تمويل متدنية على خزانة الدولة
استمرت عوائد الإصدارات الحكومية في جميع شرائحها في توسيع نطاق انخفاضاتها القياسية التي أصبحت تراوح بين 15.2 في المائة و38.6 في المائة، مقارنة بأعلى عائد تاريخي تم تسجيله منذ طرح برنامج الصكوك الحكومية في منتصف 2017.
وفي الوقت الذي تطرح فيه حكومة السعودية اليوم الأحد إصدارها الشهري من الصكوك الادخارية الخاص بشهر آب (أغسطس)، دخلت الإصدارات السيادية حول العالم مرحلة تدني مستويات العائد على أدوات الدخل الثابت.
وعلى الرغم من أن الإصدار الحكومي سيتم تسويته يوم الأربعاء المقبل من هذا الأسبوع، فإن تقويم الإصدارات الحكومية المنشور مسبقا في موقع وزارة المالية أشار إلى أن تقويم إصدارات العام الحالي خاضع للتغيير بناء على الإجازات والعطل الرسمية.
ولا يعرف حتى الآن ما إذا كانت جهة الإصدار السيادية تنوي إعادة فتح إصدار سابق أو طرح إصدار جديد بالكامل أو مزيج بين المنهجيتين، وينتظر بعد أن تتم التسوية بأيام أن تتوافر بيانات عوائد شرائح الإصدار من الموقع الإلكتروني لمكتب الدين العام.
وأظهر رصد أجرته صحيفة "الاقتصادية" لجميع إصدارات الصكوك الحكومية منذ بداية العام، مساهمة عوائد بعض شرائح تلك الإصدارات في تسجيل تكلفة تمويل متدنية على خزانة الدولة.
وبات جليا أن شرائح الإصدارات الأخيرة استمرت في تسجيل انخفاضات تاريخية لم يسبق تحقيقها وذلك في ظل الدخول التدريجي لأسواق الائتمان العالمية لمرحلة الفوائد المتدنية، التي امتد أثرها في عوائد الصكوك الادخارية التي تصدرها حكومة المملكة.
ويأتي إصدار شهر آب (أغسطس) في وقت لم يتم طرح إصدارات جديدة منذ ثلاثة أشهر "وكان آخر إصدار جديد قد تم على الصكوك الثلاثينية في نيسان (أبريل) الماضي.
وهذه هي المرة الأولى في تاريخ برنامج الصكوك الحكومية المقومة بالريال التي يتم الاعتماد على منهجية "إعادة فتح" إصدارات سابقة "وذلك لثلاثة أشهر متواصلة" بدلا من طرح إصدارات جديدة، يتم بها تحديث مؤشرات منحنى العائد السيادي الخاص بالآجال المتوسطة والطويلة.
ومن غير المعتاد إطالة أمد فتح الإصدارات القديمة لفترة أطول "دون وجود أطروحات جديدة لجميع الآجال ولو جاء ذلك على حجم إصدار رمزي لكل شريحة".
ويظهر رصد "الاقتصادية" لإصدارات 2017 و2018 أن مكتب الدين العام قد دأب على طرح إصدار جديد، ثم يتم إعادة فتحه لشهرين متواصلين، وبعد ذلك يتم تحديث منحنى العائد بطرح جديد آخر.
ومع الانخفاضات التي تشهدها جميع استحقاقات "السايبور"، بات المجتمع الاستثماري في السعودية متقبلا للواقع الجديد وهو رؤية عوائد متدنية على جميع آجال الاستحقاقات المتوسطة والطويلة الأجل للصكوك الحكومية.
متغيرات الساحة الائتمانية
ويأتي الإصدار الحكومي في وقت تشهد فيه الساحة الائتمانية على الصعيدين المحلي والدولي تغيرات حادة في معدلات أسعار الفائدة.
وهذا هو الإصدار الأول الذي يأتي منذ أن قامت مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما" في أواخر تموز (يوليو) بتخفيض معدل الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس "على الريبو والريبو العكسي"، وتبع ذلك أن أغلقت جميع آجال استحقاق أسعار الفائدة على التعاملات بالريال بين البنوك "السايبور" على تراجعات حادة.
والأمر نفسه حدث لمؤشر عقود المبادلة المقوم بالريال السعودي، وذلك على جميع آجال الاستحقاقات.
وفي تطور لافت قد ينذر بدخول أكثر من مؤشر طويل الأجل ليتداول دون نظير الاستحقاقات قصيرة الأجل، وبعد "السايبور" لأجل ستة أشهر، باتت الفائدة بين المصارف السعودية لأجل 12 شهرا على مقربة من ملامسة مستويات "السايبور" لأجل ثلاثة أشهر "إن لم تكن توشك أن تتداول دونها"، وذلك في ظاهره مماثلة لما تشهده بعض أسواق النقد "قصيرة الأجل" العالمية.
وتعد آجال "السايبور" بمنزلة المعيار المرجعي لتسعير الائتمان في القطاع المالي المحلي.
أما على الصعيد العالمي، فالإصدارات الحكومية تتأثر بشكل أو بآخر "على الجانب التسعيري" بالتغيرات الجارية على عوائد الخزانة الأمريكية "التي بدأت تسجل انخفاضات قياسية في انخفاضاتها".
وإضافة إلى ذلك، فإن أسواق الدخل الثابت أخذت تسعر احتمالية قيام الفيدرالي بمواصلة خفض الفائدة الأمريكية لهذا العام.
ويأتي ذلك في الوقت الذي بلغ فيه حجم السندات سالبة العائد إلى أكثر من 16 تريليون دولار، أو ما حجمه 27 في المائة من سوق السندات العالمية.
تحديث منحنى العائد
ويظهر الرصد، أنه مرت ثلاثة أشهر منذ آخر إصدار حكومي جديد وما تلا ذلك كان عبارة عن إعادة فتح لإصدارات سابقة، إلا أنه في ظل المتغيرات الحالية لمستويات العوائد لسندات الأسواق الناشئة والمتطورة فقد يكون توقيت طرح إصدارات جديدة بات قريبا، وذلك لكونها تعطي وصفا دقيقا لعوائد منحنى العائد الخاص بالآجال المتوسطة والطويلة لإحدى دول مجموعة العشرين.
ووجود أطروحات جديدة "لكل الآجال" بات الآن أمرا ملحا، ليس فقط للشركات المحلية "التي تستفيد من ذلك المرجع في تسعير ديونها"، لكن المتغيرات التي تم رؤيتها في الآجال القصيرة الأجل في أسواق النقد و"السايبور" تفرض مواكبة منحى العائد لذلك "عبر تحديث مؤشراته بأطروحات جديدة".
ويعرف منحنى العائد بأنه خط يحدد الفائدة على أدوات الدين في وقت بعينه تمتلك فيه جهة الإصدار جدارة ائتمانية متوازنة، لكنها متباينة من حيث الاستحقاق، حيث يكون هناك على سبيل المثال فارق فائدة بين الصكوك والسندات لأجل خمسة أعوام ولأجل 30 عاما.
الصكوك السبعية
مع إصدار شهر تموز (يوليو) لهذا العام، تسجل الصكوك السبعة أدنى عائد في تاريخها، حيث تم إعادة فتح الإصدار عند 2.38 في المائة مقارنة بأعلى عائد سجلته في تشرين الأول (أكتوبر) 2018 وهو 3.88 في المائة أي أن إعادة فتح الإصدار جلب معه انخفاضات بمقدار 38.6 في المائة "وذلك عند مقارنة أعلى وأدنى عائد".
وعلى الرغم من أنه قد تم إعادة فتح الصكوك السبعية لعام 2017 إلا أن ما تبقى منها من آجال يصل إلى خمسة أعوام، ولذلك نظريا فإن هذا هو أول إعادة فتح لصكوك سبعية لهذا العام "والطرح الأول منذ ستة أشهر"، إلا أنه فعليا من وجهة نظر المستثمرين فإن إعادة الفتح أقرب لما تكون إلى صكوك خمسية.
وتم رصد تسجيل أقل عائد مماثل لصكوك خمسية "تم إعادة فتحها في نيسان (أبريل)" منذ إصدار أيلول (سبتمبر) 2017 "الذي وصل إلى 2.75 في المائة". إذ سجل عائد صكوك نيسان (أبريل) 2.75 في المائة.
ويشير رصد "الاقتصادية" إلى أن مقدار نسبة الانخفاض مقارنة بأعلى عائد تاريخي لهذه الشريحة يبلغ 25.2 في المائة.
الصكوك العشرية
خلال السبعة أشهر الأولى من هذا العام، استمرت عوائد الصكوك العشرية في تسجيل أدنى عائد تاريخي لها منذ بدأ العمل في برنامج إصدارات الصكوك الحكومية المقومة بالريال في منتصف 2017. ومقدار نسبة الانخفاض مقارنة بأعلى عائد تاريخي لهذه الشريحة يبلغ 28.5 في المائة.
وأظهرت أحدث البيانات الصادرة من مكتب الدين العام بوزارة المالية المتعلقة بإصدار شهر تموز (يوليو)، أن عائد الصكوك العشرية "إعادة فتح إصدار سابق" سجلت 2.90 في المائة.
شريحة الـ12 و15 عاما
الانخفاضات في تكلفة التمويل للحكومة السعودية لم تتوقف هنا، بل امتدت إلى شريحة الـ12 عاما التي تم إصدارها "في حزيران (يونيو)" بعائد 3.24 في المائة بعدما كانت قد طرحت في شباط (فبراير) عند 4.10 في المائة. ومقدار نسبة الانخفاض مقارنة بأعلى عائد تاريخي لهذه الشريحة يلامس 21 في المائة.
واستمرت ظاهرة الهبوط القياسي لعوائد الصكوك الحكومية لتصل لشريحة 15 عاما "التي تم طرحها في آذار (مارس) من هذا العام للمرة الأولى بعائد 4.01 في المائة"، وذلك قبل أن يتم إعادة فتح الإصدار في شهر نيسان (أبريل) "بعائد ربحي نهائي بلغ 3.97 في المائة".
واستمر هذا المنحنى المنخفض مع إعادة الفتح التي تمت في تموز (يوليو) "بعائد نهائي وصل إلى 3.40 في المائة"، علما أن مقدار نسبة الانخفاض مقارنة بأعلى عائد تاريخي لهذه الشريحة يبلغ 15.2 في المائة.
وكان اللافت في إصدار تموز (يوليو) أنه لم يتم طرح الصكوك الثلاثينية للشهر الثالث على التوالي مقارنة بصكوك الـ12 و15 عاما التي تم إعادة فتح إصداراتها مرتين لكل واحد منها، وذلك بعد الأطروحات الرئيسة التي تمت في شباط (فبراير) وآذار (مارس) من هذا العام.
* محلل أدوات الدين والائتمان