أسوأ انكماش منذ الحرب مع العراق يمزق إيران

أسوأ انكماش منذ الحرب مع العراق يمزق إيران
أسوأ انكماش منذ الحرب مع العراق يمزق إيران

سينكمش الاقتصاد الإيراني هذا العام بأسرع وتيرة منذ الحرب مع العراق في الثمانينيات، بسبب التأثير "الباعث على الشلل" للعقوبات الأمريكية المشددة، وفقا لحسابات تستند إلى توقعات إقليمية صادرة عن صندوق النقد الدولي.
يشير تحليل صحيفة فاينانشيال تايمز لمراجعة تقرير للصندوق الذي يتخذ من واشنطن مقرا له في تموز (يوليو) الماضي لتوقعاته الاقتصادية العالمية إلى أنه يتوقع الآن أن تنكمش إيران بنحو 9.3 في المائة هذا العام، وهو رقم أسوأ بكثير من التراجع البالغ 6 في المائة في نيسان (أبريل) الماضي.
سيكون الانكماش بهذا الحجم هو الأكبر الذي تشهده إيران منذ عام 1988، وهو العام الأخير من صراع شرس استمر ثماني سنوات مع العراق تحت رئاسة صدام حسين الذي أودى بحياة نصف مليون إيراني.
لن يصدر صندوق النقد الدولي توقعاته المحدثة لإيران حتى تشرين الأول (أكتوبر) المقبل ورفض التحدث إلى صحيفة فاينانشيال تايمز من أجل هذا المقال.
على أن الصندوق في تحديثه لتوقعاته عن شهر تموز (يوليو) الماضي، خفض توقعاته للنمو لعام 2019 للمنطقة الأرحب في الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا، وأفغانستان وباكستان بنسبة 0.5 نقطة مئوية لتصل النسبة إلى 1 في المائة، قائلا إن هذا "يرجع إلى حد كبير" إلى التعديل النزولي لإيران من توقعات الانكماش بنسبة 6 في المائة في نيسان (أبريل) الماضي.
وهذا يعكس حقيقة أنه في أواخر نيسان (أبريل) الماضي، قالت الولايات المتحدة إنها لن تجدد الإعفاءات التي سمحت لثمانية بلدان، بما فيها الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وتركيا، بشراء النفط الإيراني دون الوقوع في شرك العقوبات.
بالنظر إلى وزن إيران في منطقة الشرق الأوسط، فإنه إذا ما نسبت كل التخفيض الإقليمي إليها، فإن ذلك السبب سيعني انكماشا بنسبة 9.3 في المائة، في اقتصاد طهران.

زيادة وزن السعودية على حساب إيران

في الواقع، من المحتمل أن يكون الأمر أسوأ بالنظر إلى أن صندوق النقد الدولي قام بتحديث توقعاته إلى الأعلى بالنسبة إلى السعودية أكبر اقتصاد في المنطقة، في تموز (يوليو) الماضي، وهو تحديث يجب موازنته من خلال تخفيضات أكبر لتوقعات النمو في بلدان كثيرة أخرى في المنطقة.
أشار صندوق النقد الدولي بالفعل إلى أن: "النزاع المدني عبر الاقتصادات الأخرى، بما في ذلك سورية واليمن باعتبارها تعمق التوقعات الصعبة في المنطقة".
على أنه بالنظر إلى أن سورية لم تمثل سوى 2.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي عام 2010، حتى قبل بدء حربها الأهلية المدمرة، وأن وزن اليمن الإقليمي لم يتجاوز 0.7 في المائة، فإن التخفيضات الكبيرة في توقعات النمو لهذه الدول كان لها تأثير ضئيل في القراءة الإقليمية.
انخفاض بهذا الحجم من شأنه أن يتجاوز تقديرات معظم المتنبئين باتجاهات نمو القطاع الخاص، حيث إن التقديرات التي قامت بجمعها وتحليها مؤسسة فوكاس إيكونوميكس FocusEconomics تشير إلى انكماش بنسبة 5.9 في المائة في العام المالي المنتهي في آذار (مارس) 2020.
قال جون سفاكياناكيس، كبير الاقتصاديين في مكتب مركز الخليج للبحوث في الرياض: "نعلم أن الانكماش لا يستهان به، لكن 9 في المائة بالنسبة إلي تبدو رقما مهولا. لم أر ذلك منذ سنوات كثيرة بالنسبة إلى اقتصاد قائم على النفط".
قال حسن حكيميان مدير معهد لندن للشرق الأوسط ورئيس الرابطة الاقتصادية الإيرانية الدولية: "كنت أعتقد أن 8-9 في المائة ليست بعيدة عن الوضع الحقيقي. القضية الأكثر إلحاحا هي ما إذا كان من المحتمل أن يستمر ذلك أم أنه مجرد لمحة".
كذلك يخشى تشارلز روبرتسون، كبير الاقتصاديين في شركة رينيسانس كابيتال الاستشارية التي تركز أعمالها على الأسواق الناشئة، من أن التوقعات السابقة لصندوق النقد الدولي بتقلص بنسبة 6 في المائة في معدل نمو اقتصاد إيران: "قد يتبين أنها متفائلة فوق الحد".

إيران في انتظار الضربة القاضية

وأضاف روبرتسون أن: "بيانات الناتج المحلي الإجمالي ستكون أليمة في إيران هذا العام". عندما خفضت العقوبات صادرات النفط بأكثر من 40 في المائة عام 2012، انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6.6 في المائة، لذلك يجب أن نتوقع حدوث ضربة كبيرة عام 2019 أيضا.
"كان معدل نمو الاقتصاد الإيراني في 1984 سالب 9.9 في المائة، وكان في 1986 سالب 9 في المائة وفي 1988 كان سالب 9.5 في المائة. أعتقد أن هذا النوع من الأرقام لن يفاجئني كثيرا".
أضاف حكيميان أنه حتى لو كان الانكماش هو 6 في المائة فقط، فإن "ما يتم التغاضي عنه في كثير من الأحيان" هو أنه قبل انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة أثناء رئاسة أوباما، والاتفاقية النووية الموقعة مع إيران عام 2015، كانت توقعات النمو المسبق لإيران عند 4 في المائة، وبالتالي فإن مدى الانخفاض في نمو الناتج المحلي الإجمالي سيتجاوز في الواقع 10 في المائة. هذا يعني القضاء على أكثر من 40 مليار دولار" من إجمالي الاحتياطي النقدي الإيراني.
أيا كان النطاق النهائي لركود هذا العام، فإن تشديد العقوبات هو آخر ضربة لبلد يضم 83 مليون شخص على دراية تامة بالتراجع الاقتصادي.
قال سفاكياناكيس: "في الثمانينيات شهدوا ثمانية أعوام من الجحيم. كان على إيران تحويل اقتصادها بالكامل إلى المجهود الحربي. وحاولوا التعافي في تسعينيات القرن الماضي فكان أداؤهم أفضل قليلا، لكن منذ عام 2000 تفككوا. إنها قصة حزينة. إنهم ينتقلون من سيئ إلى أسوأ".
"السياسة عطلت تماما إمكانية النمو، خصوصا في العقد الأول من القرن الحالي، حين تمتعت جميع البلدان المصدرة للنفط بأداء جيد، عدا إيران فهي لم تستطع اغتنام الفرصة" حسبما أضاف.

الملالي يعيدون إيران إلى الوراء

حكيميان، وهو أيضا معيد في الاقتصاد في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في لندن، قال: "في الستينيات والسبعينيات، أي في فترة ما قبل الثورة كانت نسبة النمو 9 في المائة بالمعدلات الحقيقية، وهي النسبة نفسها التي حققتها الصين خلال فترة نموها. وكان حجم اقتصاد إيران ومعدل النمو الاقتصادي السنوي فيها أكبر مما هو عليه الوضع في كوريا الجنوبية.
"ماضي إيران يبرهن على قدرتها على تحقيق النمو. ولو أنهم لم يغيروا الاتجاه، لكانت إيران واحدة من نمور النمو الآسيوية. وهي واحدة من أكثر البلدان المصدرة للنفط تنوعا. إمكانات إيران كانت موجودة ولا تزال" لولا سوء الإدارة.
أما بالنسبة إلى الحاضر، فقد قال سفاكياناكيس إنه على الرغم أن معدل التضخم الرسمي هو 48 في المائة، إلا أن "الإيرانيين سيقولون لك إنه نحو 80 في المائة"، كما أن معدل البطالة هو 25 في المائة على الأقل، وليس نسبة 12 في المائة التي يذكرها المصرف المركزي الإيراني، جزافا.
إضافة إلى ذلك، فإن سعر صرف الدولار الواحد في السوق السوداء هو نحو 117 ألف ريال، وهو سعر أعلى كثيرا إذ يبلغ نحو ثلاثة أضعاف السعر الرسمي البالغ 42 ألف ريال، ما يزيد تكلفة السلع المستوردة التي تستطيع طهران استيرادها.
قال حكيميان: "تجربة الإيرانيين العاديين مؤلمة. هناك تقارير متزايدة تفيد بحالات النقص في الأدوية، وتصل زيادات أسعار المواد الغذائية إلى 75 في المائة، على الرغم من أنها معفاة من العقوبات. هذا الأمر صعب مع الأنظمة المصرفية الدولية".
"تعمل العقوبات على شكل عقاب جماعي. حسب معرفتي، ليس هناك شك أن الألم الذي يعانيه الشخص الإيراني العادي ألم هائل، كما أنه وقع خلال فترة زمنية قصيرة للغاية. على الأرجح يشعر الإيرانيون أنهم يحملون شهادة دكتوراه في العقوبات الاقتصادية، إلا أن وقع العقوبات هذه المرة جاءهم بغتة على الأرجح".

تراجع الصادرات بنحو الثلث

إنتاج النفط في إيران بلغ في المتوسط 3.5 مليون برميل يوميا، إلا أنه تراجع إلى 2.2 مليون برميل يوميا في تموز (يوليو) الماضي، وفقا لتقرير "أوبك" الشهري.
لا تزال مستويات التصدير أدنى بكثير، ربما بنحو نصف مليون برميل يوميا، في الوقت الذي يعترك فيه البلد من أجل العثور على مشترين وسط العقوبات.
قال حكيميان إنه حتى عندما تستطيع إيران أن تبيع النفط، فإنه: "يجب ألا نستهين بعدم قدرتها على وضع يدها على العوائد المتحصلة من البيع"، نظرا للقبضة الحديدية للولايات المتحدة على النظام المصرفي العالمي.
قال سفاكياناكيس: "موضوع العقوبات من جانب الطاقة، وارتباطه بالجانب المالي، أمر في غاية الصعوبة بالنسبة إليهم. وحتى لو أرادت جهات أخرى بخلاف الصين شراء النفط الإيراني، فإنها لن تستطيع ذلك في الواقع لأن كثيرا من المؤسسات المالية لا تستطيع التصرف".
الضرر الذي أصاب الاقتصاد بات على نطاق واسع، حيث إن من المرجح أن يتراجع الاستهلاك الخاص بنسبة 2.8 في المائة في السنة المالية 2019-20، وفقا لتوقعات وكالة فوكاس إيكونوميكس Focus Economics.
من المتوقع أن يتراجع الاستهلاك الحكومي بنسبة 1.8 في المائة، في حين أن من المتوقع أن يتراجع الاستثمار الثابت بنسبة 8.1 في المائة، وحيث ستتراجع الواردات والصادرات بأكثر من الخمس.
قال سفاكياناكيس: "فقدان الثقة العامة يجعل من الصعب القيام بالأعمال مع بقية العالم. هناك قليل من الاستثمار إلى الداخل، باستثناء عدد قليل يشمل الصين وروسيا، وهذا في رأيي ليس بذي شأن".
وأضاف: "قصة الأمد الطويل للاقتصاد الإيراني كئيبة إلى حد كبير. أعتقد أن الريال سوف يستمر في السقوط. وأعتقد أن العام المقبلة سيكون صعبا على جميع البلدان المنتجة للنفط، إذا دخلنا فعلا في نمط النمو البطيء للاقتصاد العالمي. أعتقد أن الأمور ستكون أسوأ على نحو لا يستهان به" بالنسبة إلى إيران.

إيران على خطى فنزويلا

"يعاني الاقتصاد الإيراني عددا كبيرا من المشكلات إلى درجة أنهم لا يعرفون في الواقع من أين يبدأون. هناك أوجه تشابه كثيرة مع فنزويلا. هم لم يصلوا إلى تلك المرحلة حتى الآن، لكنهم يتبعون ما مر به الاقتصاد الفنزويلي قبل بضعة أعوام".
لا يتوقع حكيميان أن يرى "تحولا كبيرا في الموقف الإيراني" حتى وإن عاد نزر يسير من النمو في العام المقبل، في الوقت الذي يتراجع فيه تأثير العقوبات لمرة واحدة وكان هناك زخم في الجهود الرامية إلى اجتذاب مزيد من السياح الأجانب نتيجة القرار الحديث بإلغاء متطلبات التأشيرة للزوار من الصين.
هناك سببان يعطيانه درجة من الأمل. الأول باستثناء حدوث تصعيد خطير، ربما لن تكون هناك أمور كثيرة أخرى لتدمير الاقتصاد الإيراني.
وقال: "ليس من الصعب للغاية أن نتصور أن يكون البيت الأبيض قادرا على الضغط على الاقتصاد الإيراني في المرحلة المقبلة. على ما يبدو ربما استخدم جميع أسلحته، باستثناء الحصار البحري، والعمل العسكري، والحرب".
يجادل حكيميان أنه على المدى الأطول، لابد من ربط نهوض إيران اقتصاديا بحل مشكلاتها في السياسة الخارجية، وهي مسألة صعبة التصور في الظروف الحالية.
وقال: "رأس المال البشري في إيران جيد جدا. وجامعاتها تخرج، خصوصا في الطب والهندسة، جامعيين من الدرجة الأولى. حجمها، ومستوى اليد العاملة، والثروات من الموارد الطبيعية، تعني أن اللعنة الأبدية والمصير المظلم" مرتبطان بسياسات النظام.

سمات

الأكثر قراءة