عيوبنا الجميلة
لدي صديق مبهر في شخصيته. آسر في عمله. يقوم بأي شيء كأنه كل شيء. يعمل على خمسة مواضيع وكل موضوع تعتقد أنه موضوعه الأول وقضيته المصيرية. لا يجيد الحديث عن الأشياء وإنما يجيد تجسيدها واقعا. في كل مرة يخوض معركة جديدة أراهن على انتصاره فيها لأنه يحشد في سبيلها العدة والعتاد. كنت أراقبه لسنوات. أشيد بأعماله وأفعاله، لكن أخجل أن أسأله سؤالا محددا نضج في رأسي: ما سر نجاحك؟
ترددت طويلا في إفشاء هذا السؤال الملح في داخلي. تحول إلى جمرة تشغلني وتشعلني، لكن في لحظة صفاء سأل السؤال على طاولته بعد أن عاد من اجتماع مكللا بفوز جديد.
سألته بدهشة وعلامات الفخر تحيطني: كيف تستطيع أن تنجح بهذه الكفاءة وهذه المهارة؟
أجاب وهو يبتسم: "لأني أعرف عيوبي. هذه الثقوب في شخصيتي ينساب منها الضوء إلى أعماقي، من يعرف عيوبه يعرف كيف يتطور ويتحسن ويربح".
ذكرني حديثه بكلمات ملهمة قالها ابن المقفع، في كتابه الشهير "الأدب الصغير والأدب الكبير": "من أشد عيوب الإنسان خفاء عيوبه عليه. فإن من خفي عليه عيبه، خفيت عليه محاسن غيره؛ ومن خفي عليه عيب نفسه ومحاسن غيره فلن يقله عن عيبه الذي لا يعرف، ولن ينال محاسن غيره التي لا يبصر أبدا".
إن عيوبنا يا أصدقاء هي مصدر القوة لدينا. فإذا عرفنا كيف نتعاطى معها وندير علاقتنا بها استطعنا أن نظفر بما نريد. ونحقق ما نصبو إليه.
ثمة أشخاص يتفادون عيوبهم ويجنبونها. يتحاشونها ويديرون ظهورهم لها.
يا صديقي، ارصد عيوبك وسجلها وتغلب عليها وحولها إلى محاسن تهدك وتزدك. وكل مرة تتخلص من عيب وتتعامل معه كلما أصبحت أقوى وأحسن، هذا العيب سيصبح إضافة لك عندما تكتشفه وتكاشفه. وسيصبح وبالا وعاصفة تقتلعك عندما تهمله وتتجاهله. سيصبح وحشا يفترسك وينقض على محاسنك.
لا تخجل من عيوبك. اخجل من خجلك منها. واجه العيب ليتحول من مصدر لضعفك إلى مصدر لقوتك وانطلاقك. كلنا نزخر بالعيوب لكن القليل منا من يعترف بها ويواجهها. واجهها لتفوز. اعترف بها لتنال ما تبتغي وتحوز.