خطة صينية لتنويع واردات النفط بعيدا عن الخام الأمريكي .. والبديل "أوبك" وبحر الشمال
أكد محللون نفطيون أن استمرار التوترات التجارية التي طالت تجارة النفط بين واشنطن وبكين، وحجمت صادرات الخام الأمريكية على نحو واسع إلى السوق الصينية، أثرت في أسعار النفط، واضطرت بكين إلى تنويع وارداتها بعيدا عن الخام الأمريكي، مستحوذة على مزيد من نفط "أوبك" وبحر الشمال.
وأشار المحللون إلى أن الأمر ذاته يتكرر مع الهند التي كانت تعتمد على الخام الإيراني لفترات طويلة، ثم اضطرت إلى تنويع وارداتها بالاعتماد على نفط "أوبك" خاصة خامي السعودية والعراق، في إطار خطة نيودلهي الشاملة لتنويع واردات النفط.
ومالت أسعار النفط أمس إلى التراجع بتأثير من زيادة واسعة وغير متوقعة في مستوى المخزونات الأمريكية، ما جدد المخاوف بشأن ضعف الطلب العالمي، على الرغم من أنباء أخرى داعمة للأسعار، بشأن التوصل إلى اتفاق تجاري جديد بين الولايات المتحدة والصين.
وتتلقى الأسعار دعما من توقعات بتعميق تخفيضات الإنتاج التي ينفذها تحالف المنتجين في "أوبك+"، خلال المراجعة التي ستجرى للسوق في إطار الاجتماع الوزاري المرتقب للمنتجين في فيينا خلال شهر كانون الأول (ديسمبر) المقبل.
في هذا الإطار، يقول لـ"الاقتصادية"، أندرو موريس مدير شركة "بويري" الدولية للاستشارات، "إن الارتفاعات المتواصلة التى تفوق التوقعات المسبقة بشأن مستوى المخزونات أسهمت في زيادة الضغوط الهبوطية على أسعار النفط"، مضيفا "هذه الموجة من التراجع تعززت بفعل استمرار عدم وضوح الرؤية بشأن التوصل إلى اتفاق تجاري ينهي النزاعات الأمريكية الصينية، ويوقف التعريفات الانتقامية التي أدت إلى محاصرة النمو العالمي بتوقعات متشائمة تدور حول احتمالية توسع الركود والتباطؤ.
وأشار موريس، إلى أهمية اجتماع "أوبك" وحلفائها المؤثر في كانون الأول (ديسمبر) المقبل، في وقت ما زالت فيه أجواء الاقتصاد العالمي متوترة وتوقعات النمو ضعيفة، لكن تزايد المخزونات المستمر، والمراهنات على ضعف الطلب خلال العام المقبل قد تدفع المنتجين إلى تعميق التخفيضات لتفادي تكرار حالة تخمة الإمدادات، التي لها تداعيات سلبية واسعة على استقرار السوق وتماسك الأسعار.
من جانبه، أوضح لـ"الاقتصادية"، بيل فارين برايس مدير شركة "بتروليوم بوليسي إنتجلنس" الدولية، أن السوق ما زالت في وضع قلق ومضطرب وسريعة التغيرات والمؤثرات، ما جعل الأسعار في دائرة التقلبات المستمرة، بسبب تضاد تأثير عديد من العوامل المهمة، مشيرا إلى أن المخاطر المتعلقة بالعوامل الجيوسياسية ومتغيرات التجارة الدولية ستستمر في السيطرة على تحديد اتجاه أسعار النفط.
ويعتقد برايس أن المخاطر الجيوسياسية ما زالت السمة المهيمنة على أسواق النفط خاصة في منطقة الشرق الأوسط التي تعد محور التجارة العالمية للنفط، مشيرا إلى أن جميع المعنيين في السوق يتطلعون إلى انفراجة في الحرب التجارية بما يدعم نمو الاقتصاد العالمي، خاصة مع اعتزام الولايات المتحدة والصين إبرام صفقة تجارية جزئية.
من ناحيته، يقول لـ"الاقتصادية"، رينهولد جوتير مدير قطاع النفط والغاز في شركة سيمنس الدولية، "الإنتاج الأمريكي يسعى إلى تعزيز وجوده في الأسواق الآسيوية خاصة الهند التي تتمتع بمعدل نمو سريع وبمستويات مرتفعة للطلب"، مشيرا إلى أنه تم شحن كثير من صفقات غاز النفط المسال إلى نيودلهي من واشنطن خلال تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، ما يجعل الإنتاج الأمريكي موردا منتظما لثاني أكبر مستورد للنفط في آسيا.
ونوه جوتير، بأن الهند تسعى منذ توقيع عقوبات صارمة على إيران إلى تنويع وارداتها النفطية من خلال توسيع دائرة الموردين للسوق الهندية، ذلك للوفاء بالالتزامات الفورية أو المحددة الأجل ومواجهة المخاطر الجيوسياسية في الشرق الأوسط واحتمالات حدوث انقطاعات مفاجئة، على الرغم من التعافي السريع والمبهر للإنتاج السعودي عقب الهجمات الإرهابية على منشآت النفط السعودية، التى أدت إلى تأثر المعروض لفترة قصيرة ومحدودة.
بدوره، يقول لـ"الاقتصادية"، ماثيو جونسون المحلل في مجموعة "أوكسيرا" للاستشارات الدولية، "ارتفاع المخزونات وانسداد آفاق الحرب التجارية في أحيان كثيرة يهيمنان على السوق، وتسببا في خفض أسعار النفط بأكبر قدر في أسبوعين، خاصة مع تصاعد المخاوف بشأن مصير المحادثات التجارية الأمريكية - الصينية".
وأضاف جونسون "تحديات العرض لم تعد تشغل السوق بشكل كبير في ظل مراهنات على استمرار الوفرة في الأسواق خاصة مع التعافي السريع في مستويات الإنتاج السعودي"، مشيرا إلى تركيز المستثمرين بقوة على حالة عدم اليقين بشأن المحادثات التجارية وضعف توقعات الطلب العالمي.
على صعيد تعاملات الأسواق، انخفضت أسعار النفط 1 في المائة أمس بعد أن أظهرت بيانات للقطاع زيادة تفوق المتوقع لمخزونات الخام في الولايات المتحدة، على الرغم من أن الخسائر كبحتها تعليقات لستيفن منوتشين وزير الخزانة الأمريكي بشأن اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة والصين.
بحسب "رويترز"، تراجعت العقود الآجلة لخام القياس العالمي مزيج برنت 57 سنتا أو نحو 1 في المائة إلى 58.85 دولار للبرميل.
وهبطت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 56 سنتا أو 1 في المائة إلى 52.80 دولار للبرميل.
وارتفعت المخزونات الأمريكية 10.5 مليون برميل إلى 432.5 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 11 تشرين الأول (أكتوبر) وفقا للتقرير الأسبوعي لمعهد النفط الأمريكي، ويقدر محللون الزيادة بنحو 2.8 مليون برميل الأسبوع الماضي.
ويتزامن ذلك، مع مخاوف بشأن الاقتصاد العالمي وبالتالي الطلب على النفط، في الوقت الذي كشفت فيه بيانات من الولايات المتحدة أن مبيعات التجزئة انخفضت للمرة الأولى في سبعة أشهر في أيلول (سبتمبر) عقب بيانات أخرى كشفت عن تواضع نمو الوظائف وأنشطة قطاع الخدمات في الولايات المتحدة.
لكن الآمال في التوصل إلى اتفاق تجاري محتمل بين الولايات المتحدة والصين أسهمت في تقليص انخفاض أسعار النفط بعد أن ذكر منوتشين أن المفاوضين التجاريين في واشنطن وبكين يعكفون على وضع نص المرحلة الأولى من اتفاق تجاري يوقع عليه رئيسا الدولتين الشهر المقبل.