تشديد قواعد الاستثمار يضع الاقتصاد الياباني على طريق الخطأ

تشديد قواعد الاستثمار يضع الاقتصاد الياباني على طريق الخطأ

لا يبدو أن سوق الأسهم اليابانية تواجه ما واجهه رواد الفضاء في الفيلم الشهير "هرمجدون".
عند إغلاق بورصة طوكيو يوم الأربعاء الماضي، سجل مؤشر توبيكس للأسهم أعلى مستوى له خلال عشرة أشهر، بعد ارتفاعه بنسبة 9 في المائة حتى هذه الفترة، من هذا العام.
على أن محادثات خاصة جرت بين محامين ومستثمرين ومصرفيين، كانت مليئة بكلمات مروعة حول تغيير محتمل للقواعد التي تحكم الاستثمار الأجنبي، في البلاد. ذلك التغيير في نظرهم، يضع البلاد على شفا خطأ فادح جدا.
التحذيرات بشأن التعديل الذي اقترحته الحكومة اليابانية على قانون النقد الأجنبي والتجارة الخارجية، كانت تراوح بين المواربة والصراحة.
يحذر اثنان من الاستراتيجيين من أن القواعد الجديدة الصارمة للاستثمار الأجنبي قد "تؤذي" أسعار الأسهم اليابانية.
ووصف رئيس بورصة طوكيو الخطة بأكملها بأنها "غبية"، لا يدل أي من البيانين على ما يمكن توقعه حقا.
خلف الكواليس، تظل التوقعات قاتمة بشأن الإسراع في إدخال نظام يمكن أن يحدد إلى أي مدى سيحافظ المستثمرون الأجانب الذين كانوا بائعين صافيين في السوق هذا العام على اهتمامهم باليابان، على المدى الطويل.
تنبع المقترحات من قناعة داخل وزارات الاقتصاد والتجارة والصناعة والمالية في طوكيو، بأن اليابان بحاجة إلى تشديد قواعدها بشأن الاستثمار الأجنبي في الصناعات الحساسة (بما في ذلك صناعة الطيران والبرمجيات والزراعة).
وبفعلها ذلك، ستنضم إلى عدد من الاقتصادات المتقدمة التي تتخذ تدابير مماثلة، على غرار الصين.
يقول المحامون إنه يمكن للشركات الأجنبية أن تدرج في هذه الفئات عندما تستمد نسبة صغيرة وأحيانا يصعب تحديدها إيراداتها من الشركات الحساسة من الناحية الأمنية.
بموجب النظام الحالي لليابان، يتعين على المستثمرين الأجانب في الشركات التي يحتمل أن تكون حساسة، تقديم إخطار مسبق إذا كانوا يعتزمون امتلاك حصة تبلغ 10 في المائة أو أكثر.
عملية الموافقة مرهقة ومكلفة وتستغرق وقتا طويلا.
خفضت القوانين الجديدة المقترحة حد هذا الإخطار من 10 في المائة إلى 1 في المائة، وهو مستوى تم اختياره لأن ذلك هو ما يمثل الحد الأدنى من الحصة المطلوبة للمستثمر، لتقديم اقتراح في اجتماع للمساهمين في أي شركة مدرجة في البورصة. من ثم، فإن شراء مثل هذه النسبة أمر شائع.
يقول المحامون إن هناك خطرا كبيرا من أن الالتزامات السابقة للإخطار المسبق ستسحق ببساطة أي موارد توفرها الحكومة اليابانية لمعالجتها.
ومن هنا جاءت موجة ذعر في البورصة، لأن مجموعة واسعة من الأطراف التي ستتأثر بهذا التغيير، تفكرفي عواقبه المتعمدة وغير المتعمدة.
التفاصيل لا تزال غير واضحة. اقترحت الحكومة أن تعفي "مستثمري المحافظ المالية" الذين يعرف عادة بأنهم صناديق التقاعد، ومديرو الأصول وما شابه ذلك، من تلك القواعد لكنها لم تستقر بعد على مدى تمديد هذه الإعفاءات، أو ما إذا كان الطلب على توزيعات الأرباح أو عمليات إعادة شراء أو تغيير الإدارة من قبل هذا المستثمر، فيمكن أن يلغى هذا الإعفاء.
يتوقع بعض المحللين حدوث تأثير تقشعر له الأبدان في الأسواق، بالذات على نوع نشاط المساهمين الذي يقوده مستثمرون أجانب، وساعد على التقدم طوال نصف عقد في شأن حوكمة الشركات.
ويخشى آخرون من أن هذا سيكون بمنزلة رادع ضد الاستثمار الأجنبي في سوق الأسهم اليابانية، حيث يملك الأجانب نحو 30 في المائة من إجمالي الأسهم من حيث القيمة.
على أن النقد ليس موجها إلى حق اليابان في حماية الصناعات الحساسة من السيطرة الأجنبية، بل إلى احتمال أن يؤدي التنفيذ إلى إيجاد نظام معيب وغير متوازن ومحير.
الأمر الأكثر إثارة للدهشة حول اقتراح مدى سرعة ظهوره المفاجئ، ومدى سرعة تحوله الآن إلى قانون. لقد جاء ذكر هذا المقترح للمرة الأولى في أيلول (سبتمبر) الماضي، إلا أن مجلس الوزراء الياباني، قد يوافق على التعديل بحلول نهاية تشرين الأول (أكتوبر) الجاري. وبالتالي يمكن للبرلمان تمريره بحلول نهاية السنة.
ستتبع ذلك فترة تبلغ نحو ستة أشهر من المشاورات العامة حول التنفيذ وهي الفترة الزمنية الحقيقية الوحيدة التي يمكن لمجموعات المصالح التحدث من خلالها عن شكوكهم حول المشروع بأكمله.
قد يكون الحل جعل الناس يقتنعون بالاقتراح هو شرح سبب خروجه فجأة ولماذا يوجد هذا الزخم وراءه.
هناك نظريتان رئيستان لتفسير تقديم هذا المقترح: الأولى هي أن هذا يمثل استجابة طوكيو لضغوط الولايات المتحدة، لضمان ألا تكون اليابان قناة لتسريب التكنولوجيا إلى الصين.
لقد درس صناع السياسة اليابانيون أنظمة أكثر تشددا، وقرروا أن يأخذوا قرارا أكثر صرامة منها كلها، يتمثل في الاقتراح الأولي.
على أن من المرجح أن يكونوا براجماتيين، كما تقول النظرية عندما يتعلق الأمر بتطبيق النظام الجديد دون المخاطرة بإحداث اضطراب كبير في سوق الأسهم.
النظرية الثانية هي أنه بعد ملاحظة الارتفاع المطرد والناجح لنشاط المساهمين الأجانب في اليابان، تخفي قصة "الأمن القومي" برمتها، رغبة أمنية أكثر أهمية من جانب وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانية "ميتي" لإدخال الحكومة اليابانية في دائرة الشركات اليابانية والمستثمرين.
وفقا لأحد المسؤولين، لقد كانت "ميتي" متحفزة لفعل ذلك حقا، آخذة في الحسبان الأزمة المؤسسية التي ضربت شركة توشيبا عام 2017.
كانت تلك الأزمة قد جذبت رأسمال أجنبيا نشطا إلى سجل مساهمي الشركة، وهو الذي أرغمها في نهاية المطاف على بيع أعمال الرقائق الممتازة فيها إلى كونسورتيوم دولي لمشترين تضمن شركة إس كيه هاينكس SK Hynix الكورية الجنوبية المنافسة.
إذا ثبت أن النظرية الثانية صحيحة، وهي التي تمثل رد فعل عنيفا من اليابان ضد النشاط والضغط المتزايد على فرق الإدارة المحافظة، فإن نبوءات الهلاك قد تنتقل من حيز الأحاديث الخاصة إلى العلن، فحذار أن تؤذي اليابان نفسها، بنفسها.

سمات

الأكثر قراءة