محللون: تقلبات سعرية في أسواق النفط .. ونمو المعروض يعزز اتجاهات تعميق التخفيضات
توقع محللون نفطيون استمرار تقلبات الأسعار خلال الأسبوع الجاري بعد أن أنهى الخام تعاملات الأسبوع الماضي على تراجع بنحو 1.8 في المائة بالنسبة لخام برنت و1.7 في المائة للخام الأمريكي.
وقالوا إن أسعار النفط تواجه موجة هبوطية، وربما يكون الحل في مزيد من قيود العرض وتعميق تخفيضات الإنتاج، مشيرين إلى تداول الخام الأمريكي بالقرب من 53 دولارا للبرميل بعد أن أظهر تقرير دولي حدوث قفزة حادة في مستوى المخزونات الأمريكية، التي سجلت أكبر زيادة منذ شباط (فبراير) 2017، وهو ما عمق حالة المخاوف من استمرار نمو المعروض وعودة تخمة الإمدادات بالتزامن مع تسجيل تراجع مؤثر في مستويات الطلب.
ويعتقد المحللون أن تقلبات السوق تعود في الأساس إلى استمرار الغموض بشأن مدى نجاح مفاوضات التجارة بين الولايات المتحدة والصين وتداعياتها على النمو الاقتصادي العالمي، خاصة مع توقعات دولية موثوقة مثل صندوق النقد الدولي ووكالة الطاقة الدولية بحدوث تباطؤ اقتصادي العام المقبل، في مقابل استمرار وفرة المعروض وارتفاع مستوى المخزونات النفطية.
في هذا الإطار، يقول لـ"الاقتصادية"، روس كيندي العضو المنتدب لشركة "كيو إتش آي" الدولية لخدمات الطاقة، إن التقلبات السعرية ما زالت تهيمن على الأسواق النفطية في ضوء استمرار تأثير عوامل قوية ومتضادة وانتشار حالة القلق من المخاطر الجيوسياسية والتصدعات في النمو العالمي.
ولفت كيندي إلى أن عديدا من التوقعات السلبية شملت السوق في الآونة الأخيرة خاصة مع تحذير وكالة الطاقة الدولية من أن "أوبك" تواجه "تحديا خطيرا" للدفاع عن أسعار النفط العام المقبل، مشيرا إلى أن الوكالة تحدثت أيضا عن حالة قوية من تباطؤ نمو الطلب على الوقود بشكل أكبر وسط موجة من الإمدادات الجديدة من الولايات المتحدة والبرازيل ونفط بحر الشمال.
من جانبه، أوضح لـ"الاقتصادية"، سيرجي فاكلينكو، المستشار في شركة "جازبروم نفت" الروسية العملاقة، أن كل المؤشرات الحالية في السوق ترجح استمرار تقلبات الأسعار، خاصة بعدما أصبحت صناديق التحوط متشائمة بشكل متزايد بشأن النفط في ضوء ارتفاع المخزونات الأمريكية وهبوط أنشطة التكرير.
ويرى فاكلينكو أن الزيارة التاريخية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين للسعودية أعطت دفعة قوية للعلاقات بين الرياض وموسكو، التي من المتوقع أن تدشن مرحلة جديدة من الشراكة الاستثمارية وتعزز التعاون بين دول "أوبك" وخارجها، ما ينعكس بشكل إيجابي واسع على استقرار السوق وتوازنه وازدهار الصناعة، خاصة بعدما تمسك أكبر منتجين في "أوبك" وخارجها بتنسيق المواقف والتعاون للتغلب على كل تحديات السوق الراهنة وإعطاء دفعة استثمارية للصناعة وقيادة السوق نحو النمو المستدام.
من ناحيته، يقول لـ"الاقتصادية"، ديفيد لديسما، المحلل في شركة "ساوث كورت" الدولية، إن وضع مفاوضات التجارة يتسم بغياب الشفافية وهو ما جعل السوق في حالة توتر مستمرة انعكست على تسجيل تقلب مستمر في مستوى الأسعار، مشيرا إلى أن التقدم نحو إبرام صفقة تجارية محدودة بين الولايات المتحدة والصين أمر جيد، لكنه يبقى أقل من طموحات السوق، التي تنتظر كثيرا من الإنجازات في حسم الصراعات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.
وأضاف لديسما أن التقدم الحالي والمتوقع محدود، ومن غير المرجح أن يكون له تأثير كبير على النمو العالمي، ما لم يتم التراجع عن التعريفات الجمركية الحالية، التي أدت إلى تراجع التجارة الدولية وزيادة مخاوف الركود العالمي، لافتا إلى أحدث بيانات "كومرتس بنك" الدولي التي تشير إلى أن أسعار النفط تواجه رياحا معاكسة ناجمة عن الزيادة غير المتوقعة، التي بلغت 10.5 مليون برميل في مخزونات الخام الأمريكي الأسبوع الماضي.
بدورها، تشير لـ"الاقتصادية"، نينا أنيجبوجو، المحللة الروسية والمختصة في التحكيم الاقتصادي الدولي، إلى أن السوق تحتاج إلى تضافر الجهود بين المنتجين والمستهلكين لاستعادة حيويتها مرة أخرى وعلاج أوجه الخلل وقطع خطوات مهمة في طريق التوازن، مشيرة إلى أن ارتفاع المخزونات الأمريكية للأسبوع الخامس، وخفض مصافي التكرير أنشطتها لأدنى مستوى منذ عام 2017 يعزز التوقعات الهبوطية.
وشددت أنيجبوجو، على حاجة السوق إلى الخروج من المستنقع القاتم للطلب، خاصة أن أغلب التوقعات والمراهنات ترجح حدوث انخفاض مؤثر في مستويات الطلب العام المقبل، وسيقود ذلك إلى تراجع الأسعار لافتة إلى أن المتفائلين بوضع الطلب أصبحوا أقل عددا، وهو ما دفع الخام الأمريكي للبقاء عند منتصف الخمسينات من الدولارات للبرميل.
من ناحية أخرى، هيمن ملف الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين على أسواق النفط خلال الأسبوع الماضي، وسط تراجع نسبي في آمال تحقيق تقدم في المفاوضات، ما أدى إلى ختام تعاملات الأسبوع على تراجع، كما أنهى الخامان القياسيان الأسبوع على خسائر مع هبوط برنت 1.8 في المائة والخام الأمريكي 1.7 في المائة.
وتتجه أنظار السوق إلى اجتماعات المنتجين المرتقبة خلال شهر كانون الأول (ديسمبر) المقبل بين "أوبك" وخارجها في ضوء الدفعة، التي تلقتها من الزيارة التاريخية الناجحة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الرياض وتوقيع 20 اتفاقية للتعاون المشترك السعودي- الروسي شاملة النفط والاستثمار، ما يرجح معه التوصل إلى مزيد من التنسيق بين مواقف "أوبك" وحلفائها.
وهبطت أسعار النفط في ختام الأسبوع الماضي بفعل المخاوف بشأن الاقتصاد الصيني، التي غطت على إشارات إيجابية من قطاعها للتكرير، لكن الخسائر قيدتها آمال بتحقيق تقدم نحو اتفاقية للتجارة بين الولايات المتحدة والصين.
ووفقا لـ"رويترز"، أنهت عقود خام القياس العالمي مزيج برنت جلسة التداول منخفضة 49 سنتا لتبلغ عند التسوية 59.42 دولار للبرميل.
وتراجعت عقود خام القياس الأمريكي غرب تكساس الوسيط 15 سنتا لتسجل عند التسوية 53.78 دولار للبرميل.
وأنهى الخامان القياسيان الأسبوع على خسائر مع هبوط برنت 1.8 في المائة والخام الأمريكي 1.7 في المائة.
وتباطأ النمو الاقتصادي في الصين، أكبر مستهلك عالمي للنفط، إلى 6 في المائة على أساس سنوي في الربع الثالث وهو أضعف معدل في أكثر من 27 عاما وأقل من التوقعات بسبب تباطؤ إنتاج المصانع واستمرار التوترات التجارية مع الولايات المتحدة.
لكن الطاقة الإنتاجية لمصافي التكرير في الصين في أيلول (سبتمبر) ارتفعت 9.4 في المائة على أساس سنوي في علامة على أن الطلب على المنتجات البترولية في الصين يبقى قويا على الرغم من عوامل اقتصادية معاكسة.
من جانب آخر، زادت شركات الطاقة الأمريكية عدد حفارات النفط العاملة لثاني أسبوع على التوالي للمرة الأولى منذ حزيران (يونيو) على الرغم من قيام منتجين بتنفيذ خطط لخفض الإنفاق على عمليات الحفر الجديدة هذا العام.
وقالت شركة بيكر هيوز لخدمات الطاقة، في تقريرها الأسبوعي، الذي يحظى بمتابعة وثيقة، إن الشركات أضافت حفارا نفطيا واحدا في الأسبوع المنتهي في الـ18 من تشرين الأول (أكتوبر) ليصل إجمالي عدد الحفارات النشطة إلى 713 حفارا، وفي هذا الأسبوع نفسه قبل عام، كان هناك 873 حفارا نفطيا قيد التشغيل.
وتراجع عدد الحفارات النفطية النشطة، وهو مؤشر أولي للإنتاج مستقبلا، على مدار عشرة أشهر مع قيام شركات مستقلة للاستكشاف والإنتاج بخفض الإنفاق على عمليات الحفر الجديدة بينما تركز بشكل أكبر على نمو الأرباح بدلا من زيادة الإنتاج.
وهناك مخاوف من جانب المستثمرين تجاه مستويات الطلب على الخام، بعد أن أظهرت بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية ارتفاع مخزونات النفط بمقدار 9.3 مليون برميل خلال الأسبوع المنتهي في 11 تشرين الأول (أكتوبر) لتصل إلى 434.9 مليون برميل.
وكانت توقعات المحللين تشير إلى ارتفاع مخزونات الولايات المتحدة بمقدار 2.7 مليون برميل خلال الفترة نفسها، في حين تراجعت مخزونات البنزين بنحو 2.6 مليون برميل خلال الأسبوع الماضي.
واستقر إنتاج النفط في الولايات المتحدة عند أعلى مستوياته على الإطلاق خلال الأسبوع الماضي، مع تجاوز صافي واردات الخام الأمريكية ثلاثة ملايين برميل يوميا.
وكشف التقرير الأسبوعي، أن متوسط الإنتاج بلغ 12.600 مليون برميل يوميا في الأسبوع الماضي وهي مستويات الأسبوع السابق له نفسها.
وبذلك يقف إنتاج النفط الأمريكي عند أعلى مستوياته في التاريخ على الصعيد الأسبوعي، التي سجلها في الأسبوع الأول من هذا الشهر.
وارتفعت واردات النفط الأمريكي بنحو 70 ألف برميل يوميا في الأسبوع الماضي لتصل إلى 6.295 مليون برميل يوميا.
في حين تراجعت الصادرات الأمريكية بنحو 153 ألف برميل يوميا مسجلة 3.248 مليون برميل يوميا في الأسبوع المنقضي.
ومع صعود الواردات النفطية وتراجع الصادرات، فإن صافي واردات الولايات المتحدة سجل 3.047 مليون برميل يوميا في الأسبوع الماضي، وهو أعلى بنحو 223 ألف برميل يوميا عن مستويات الأسبوع السابق.