السعودية 42 عالميا في الإنفاق على البحث والتطوير .. وتنفق 0.8 % من إجمالي الناتج المحلي
ينبهر الزائر لمدينة الرياض بأبراجها الشاهقة وكثافة سكانها ومشروعاتها التنموية التي لا تتوقف مع تعاقب الليل والنهار حتى شكلت صورة عصرية لمدينة الرياض لا تكتمل أبعادها إلا بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم التقنية التي يخترق الضوء أسوارها من 3 اتجاهات وعدت أسطورة الخيال العلمي science fiction التي صنعت من العلوم الفيزيائية والبيولوجية والتقنية آفاقا رحبة نحو مستقبل سعودي مشرق يواكب رؤية 2030 ويزيد من رفعة المملكة في مختلف الميادين.
ومع بداية النهضة التنموية في المملكة وتحديدا في الرياض بدأ بريق هذه المدينة الواعدة يلوح في الأفق قبل 42 عاما عندما كان نواتها "المركز الوطني العربي السعودي للعلوم والتقنية" الذي أنشئ 1977 ليضطلع بدوره في إجراء البحوث العلمية التطبيقية لخدمة التنمية وتقديم المشورة العلمية على المستوى الوطني إلى أن حل عام 1985 وصدر مرسوم ملكي بتغيير اسم المركز إلى مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية للنهوض بهذا القطاع الحيوي.
وعلى الرغم من أن ذاكرة المتابعين لمسيرة المدينة ظلت مرتبطة لسنين عديدة في حدود تشغيل الإنترنت ودعم البحوث العلمية فقط إلا أن المدينة ما لبثت حتى أصبحت جزءا مهما من منظومة الاقتصاد الوطني وشريكا استراتيجيا في أي مشروع وطني وعملت مع 15 قطاعا من قطاعات التنمية في المملكة في مجال البحث والتطوير لتنفيذ برامج ومشروعات علمية في مجالات : الطاقة والمياه والتعدين والنفط والغاز المواد المتقدمة والبناء والتشييد والصحة والاتصالات وتقنية المعلومات والزراعة والنقل والخدمات اللوجستية والعلوم النووية والفضاء والطيران والبيئة.
وتتكون مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية من مجموعة متناسقة من المباني الذكية والطرق المعبدة غرب مدينة الرياض وتزخر بكوادر وطنية من الجنسين يعملون بصمت في شتى مجالات العلوم التطبيقية لكنهم إذا شاركوا في أي مشروع علمي إقليمي أو دولي لا يقنعون بما دون النجوم حتى أن المملكة بفضل الله تعالى ثم بهذه الجهود النوعية حلت في المركز 36 عالميا في عدد الأوراق العلمية المنشورة حيث تنشر نحو 0.6 ورقة علمية لكل ألف نسمة مقارنة مع 2.46 ورقة علمية في المتوسط العالمي لأفضل 30 دولة وحلت في المرتبة الأولى عربيا والمرتبة 41 عالميا وفقا لمقاييس مؤشر جودة النشر العلمي (H-index).
كما حلت المملكة الأولى عربيا وإقليميا في عدد براءات الاختراع الممنوحة للفرد الواحد حيث بلغ عددها (569) براءة اختراع 2018 وفي المرتبة 47 ضمن مؤشر صادرات المنتجات عالية التقنية وفي المرتبة 45 وفقا لمؤشر نصيب الفرد من الصادرات عالية التقنية بينما حققت المرتبة 42 عالميا في معدل الإنفاق على البحث والتطوير نسبة إلى الناتج المحلي حيث تنفق المملكة 0.8 % من إجمالي الناتج المحلي مقارنة مع 2.2 % الذي يمثل متوسط إنفاق أكثر من 30 دولة على البحث والتطوير.
وبتوجيهات قادة هذه البلاد المباركة الذين آمنوا بأهمية مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية والأدوار التي يعوّل عليها في مواكبة مجالات العلوم لاسيما بعد أن تغلغلت تقنياتها في جميع مناحي الحياة أكملت المدينة مسيرتها العلمية والبحثية بكل اقتدار وحققت إنجازات عديدة لتصل إلى الفضاء عبر 15 قمرا صناعيا سعوديا وتوسعت في مجالات البحث مع دول العالم المتقدم لتضرب أطنابها في أرقى مراكز البحث والجامعات العالمية.
وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي أطلق رؤية المملكة 2030 رفعت المدينة من سقف طموحاتها لتصل إلى سطح القمر في رحلة نادرة مع الصين لاستكشاف الجانب غير المرئي للقمر وقدمت مبادرات نوعية ضمن برنامج التحول الوطني 2020 لتدعم تحول المملكة إلى قوة صناعية رائدة وتجعلها مركزًا عالميًا للخدمات اللوجستية في قطاعات النمو الواعدة من أجل دعم الاقتصاد الوطني.
إضافة إلى ذلك سجل الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع مرحلة جديدة في مسيرة المدينة حينما وضع في الخامس من نوفمبر من 2018 حجر أساس 7 مشروعات إستراتيجية في مجالات الطاقة المتجددة والذرية وتحلية المياه والطب الجيني وصناعة الطائرات واشتملت كذلك على مشروعات كبرى من بينها أول مفاعل للأبحاث النووية ومركز لتطوير هياكل الطائرات.
والمتابع لمشروعات مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وتقدمها المذهل في ظل ما تجده من دعم واهتمام من لدن خادم الحرمين الشريفين وولي عهده سيجد أنها مواكبة لكل جديد في عالم التقنية بكل اتجاهاته.. الأمر الذي يؤكد أنها لن تكون بمعزل عن موضوعات قمة قادة مجموعة العشرين التي تستعد السعودية لاستضافتها خلال شهر نوفمبر 2020 حيث تنسجم بعض موضوعاتها المتوقع مناقشتها فيها - كما أعلن في قمة اليابان الماضية - مع استراتيجية المدينة البحثية مثل : الابتكار والحفاظ على البيئة ومصادر الطاقة والمياه وأمن المياه التي تشغل اهتمام قادة دول أكبر اقتصادات العالم نظير أهميتها للإنسان.
وتأكيدًا لهذه الجهود المثمرة، أعدت المدينة استراتيجية البحث والتطوير والابتكار كإحدى ممكنات "برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية" لتكون بديلاً لبرنامج الخطة الوطنية للعلوم والتقنية والابتكار الهادفة إلى تطوير منظومة العلوم والتقنية في المملكة وذلك بمشاركة 88 مسؤولا من منتسبي مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وممثلين عن 21 جهة حكومية وخاصة و 20 خبيرا من الخبراء العالميين وتشمل هذه الاستراتيجية ممكنات منظومة البحث والتطوير والابتكار ومؤسسات البحث والتطوير ووسطاء التقنية العالميين في قطاعات : الطاقة والصناعة والتعدين والخدمات اللوجستية.
وتقود مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية "استراتيجية الثورة الصناعية الرابعة" لتحدد من خلالها الآليات الممكنة للصناعة الرابعة في المملكة عبر 12 مبادرة قامت بإعدادها واعتمادها وتشمل : دعم البحث العلمي والبحث والتطوير ودعم الابتكار وجرى إنشاء مركز الابتكار للصناعة الرابعة في الرياض ويجري التخطيط حاليًا لإنشاء عدد من المراكز المماثلة في مناطق المملكة بالتعاون مع الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية "مدن" وبرنامج التجمعات الصناعية .
ويتنوع العمل الدؤوب الذي تقوده المدينة في مجال العلوم والتقنية ومنها على سبيل الذكر لا الحصر : دعم أنشطة البحث العلمي والتطوير في المؤسسات ومراكز البحوث الوطنية الحكومية والخاصة من خلال مبادرات برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية الذي يضم برامج أبحاث : العلوم الأساسية والتطبيقية وطلبة الدراسات العليا والموجهة وفي 2018 تم إجازة 195 طلبا لمنح البحوث التطبيقية و 281 طلبا في البحوث الأساسية و 487 طلبا لمشروعات الدراسات العليا.
وتقدم المدينة عددا من المبادرات الرئيسة التي تنطلق من منظور العرض والطلب لأسواق العمل فتسعى عبر مبادرة تأهيل الكوادر البشرية إلى تطوير منظومة البحث والتطوير والابتكار في المملكة ورفع نسبة الباحثين السعوديين من 1150 باحثا إلى 3000 باحث لكل مليون نسمة إلى جانب تأهيل الكوادر المحلية والاحتفاظ بها من خلال البرامج التدريبية : علماء المستقبل القادة التقنيون باحثو ما بعد الدكتوراه وتوفير الحوافز المالية الضريبية لجذب المواهب وتسجيعهم على العمل في مجال البحث والتطوير في المملكة.
وأنشأت المدينة 14 مركزا من مراكز التميز المشتركة بالاشتراك مع كبرى المؤسسات البحثية والجامعات في مجال البحث العلمي بهدف تنفيذ مشروعات بحثية ذات أولوية قصوى للمملكة في المجالات الحيوية والاستراتيجية، وتوفر فرصًا تدريبية وبحثية للباحثين السعوديين الناشئين مما يمكنهم من المنافسة في إكمال دراساتهم العليا في أرقى الجامعات العالمية، وخلال عام 2018م تم قبول عدد من السعوديين لمرحلتي الماجستير والدكتوراه في : معهد ماساتشوستس للتقنية، وجامعة أكسفورد، وجامعة بيركلي.
وفي مجال علوم الطيران نفذت المدينة عددا من المشروعات شملت : مشروع المحرك التوربيني النفاث TKF-500 Turbofan ومشروع تصميم مبنى اختبار المحركات النفاثة وتوريد منصات الاختبار ومشروع تحويل طائرة عمودية إلى طائرة بدون طيار ومشروع تحديد النظام الديناميكي للطائرات ذاتية التحكم باستخدام الذكاء الصناعي ومشروع صقر 4 - ب للطائرات بدون طيار ومشروعات الدراسات الأساسية لوقود الدفع الأخضر ومشروع استخدام التقنيات الحاسوبية لمحاكاة ديناميكية المركبات الهوائية الصغيرة.
ولمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية نافذة علمية أخرى فقد أسهم برنامج "بادر" لحاضنات ومسرعات التقنية أحد أهم البيئات الوطنية والإبداعية التابعة للمدينة في دعم ريادة الأعمال والابتكار في المملكة ومنذ تأسيسه عام 2007 حتى 2017 تم دعم 335 مشروعا تقنيا من حاضنات بادر الثمان وأسهمت الشركات المختصة بذلك في استحداث قرابة 2053 وظيفة لأبناء الوطن سواءً بدوام كامل أو جزئي وبلغ إجمالي الاستثمارات التي حققتها الشركات الناشئة لدى البرنامج حتى 2018 مبلغا قدره 271 مليون ريال.
أما في مجال الإنترنت فقد أنشأت المدينة بسواعد وطنية الشبكة السعودية للبحث والابتكار "معين" كشبكة وطنية موازية لشبكة الإنترنت الحالية وتتميز بقدرتها على تحقيق متطلبات البحث العلمي وكفاءة نقل البيانات بين مشتركيها وإنشاء قاعدة الأبحاث السعودية "قبس" والبنك الآلي السعودي للمصطلحات "باسم" وقاعدة البيانات الوطنية والمرصد الوطني للأنشطة البحثية والتطوير والابتكار في المملكة وقواعد المعلومات العلمية العربية والإنجليزية والمكتبة الرقمية.
ولنقل هذه العلوم والمعارف إلى المجتمع المحلي والعالمي بشكل مبسط كثفت المدينة جهودها في مجال نشر الثقافة العلمية عبر إسهاماتها في النشر العلمي المتمثل في إصدار عدد من المجلات العلمية تشمل : مجلة العلوم والتقنية ومجلة العلوم والتقنية للفتيان، ومجلة "نيتشر" الطبعة العربية بالتعاون مع مجموعة "سبرنجر نيتشر البريطانية" كما تصدر 8 مجلات علمية محكمة بالشراكة مع الناشر العلمي سبرنجر وهي : التقنية الحيوية وعلم النانو التطبيقي وعلوم المياه التطبيقية وبحوث البتروكيماويات التطبيقية وتقنية الاستكشاف والإنتاج البترولي ومولدات الطاقة المتجددة والمستدامة وعلاوة على جهود علمية أخرى في مجال التأليف والترجمة.