النفط يواصل مكاسبه مدعوما بانخفاض المخزونات والتفاؤل بتعميق خفض الإمدادات
ارتفعت أسعار النفط أمس مجددا مدعومة بانخفاض مفاجئ في مستوى المخزونات الأمريكية، وتوقعات المحللين بإقدام تحالف المنتجين في "أوبك+" على تعميق التخفيضات الإنتاجية القائمة بالفعل، خلال اجتماعهم المرتقب في فيينا في كانون الأول (ديسمبر) المقبل لمراجعة ظروف السوق وتقييم وضع الاتفاق.
لا تزال الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين تلقي بظلال قوية على السوق، خاصة في ضوء اتساع القلق من الركود وتباطؤ الاقتصاد العالمي مع تعثر التقدم في المفاوضات وصعوبة التوصل إلى اتفاق يرضي طموحات السوق وتطلعاتها، فيما يعزف المستثمرون عن المخاطرة لحين انتهاء حالة عدم اليقين والضبابية بشأن مسار الاقتصاد العالمي.
ويؤكد محللون نفطيون، أن "أوبك" وحلفاءها يبذلون جهودا حثيثة للحفاظ على تماسك الأسعار وتجنب الدخول في الموجات الهبوطية، مشيرين إلى أن صعود الأسعار يعني انتعاش الاستثمارات، وهو أمر ضروري لاستقرار السوق وتجنب حدوث نقص واسع في إمدادات الصيف المقبل إذا استمر تدهور الأسعار.
في هذا الإطار، يقول لـ"الاقتصادية"، مفيد ماندرا نائب رئيس شركة "إل إم إف" الدولية للطاقة، "إن التوقعات السلبية للطلب تهيمن على السوق جراء مخاوف تعقد مفاوضات التجارة واستمرار تصاعد حدة الحرب التجارية الأمريكية- الصينية"، مشيرا إلى سيطرة المعنويات السلبية على السوق باعتبار الطلب النفطي بشكل عام يتسم بالموسمية، وتعد الفترة الراهنة من فترات الضعف الموسمي للطلب، إلا أن بعض التقديرات الدولية تذهب إلى احتمال أن يرتفع الطلب العالمي بمقدار يراوح بين 1.5 ومليوني برميل يوميا خلال العام المقبل.
وأضاف ماندرا أن "الإنتاج الأمريكي خاصة من النفط الصخري يقود وفرة حالية واسعة في الإمدادات، ومن المتوقع أن تستمر تلك الوفرة على المدى القصير، لكن يجب أن يدرك المتعاملون في السوق أنه من الصعب استمرار الإنتاج الأمريكي على الوتيرة نفسها لفترات طويلة، خاصة أننا رصدنا بالفعل انخفاضا مؤثرا في أنشطة الحفر وتراجعا في أعداد منصات الحفر الصخري النشطة".
من جانبه، أوضح لـ"الاقتصادية"، ماثيو جونسون المحلل في شركة "أوكسيرا" الدولية للاستشارات، أن النضوب الطبيعي في الحقول التقليدية القائمة يقدر بنحو 5 في المائة سنويا، فيما يكون نضوب الحقول الصخرية أعلى بكثير من الحقول التقليدية، قد يصل إلى 40 في المائة، وهو ما يعني أن الحفاظ على مستوى الإنتاج والمعروض العالمي ثابتا يتطلب ضخ استثمارات جديدة باستمرار.
وأشار جونسون إلى أن البنزين والديزل سيظلان رغم ضغوط حماية المناخ والتوسع في الطاقة المتجددة الموردين الرئيسين في قطاع النقل تحديدا، وفي مزيج الطاقة العالمي بشكل عام، لافتا إلى أن الهيدروكربونات ستقود دعائم التنمية في أغلب دول العالم النامي، رغم تبني عديدا من خطط التحول في مجال الطاقة، لكن حتى الآن لا يوجد شيء في الأفق يمكن أن يحل محلهما بشكل كامل.
من ناحيته، يقول لـ"الاقتصادية"، ردولف هوبر الباحث في شؤون الطاقة ومدير أحد المواقع المتخصصة، "إن حالة التوتر في السوق تقود إلى تقلبات سعرية متوالية، والسبب الرئيس في ذلك يعود إلى تفاقم المخاوف جراء الحرب التجارية الأمريكية- الصينية وأثرها السلبي في تقليل مستويات الطلب"، عادّا بعض التباطؤ الحالي في الاقتصاد العالمي لم يصل بعد إلى مستوى الركود.
ويرى هوبر أن تراجع توقعات الطلب لا يزال هامشيا، ولا يعني ذورة الطلب على النفط أو الدخول في تباطؤ اقتصادي حاد، لافتا إلى أن تخفيض وكالة الطاقة الدولية توقعات الطلب جاء بعدة مئات الآلاف من البراميل يوميا، وهي نسبة محدودة للغاية مقارنة بحجم استهلاك النفط العالمي، الذي يتجاوز 101 مليون برميل يوميا، مضيفا أن "أسعار النفط الراهنة أقل 30 في المائة على أساس سنوي، كما خُفِّضت توقعات نمو الطلب لعامي 2019 و2020 بمقدار مائة ألف برميل يوميا، بحسب تقديرات وكالة الطاقة".
بدورها، ترى ويني أكيلو المحللة الأمريكية في شركة "أفريكا إنجنيرينج" الدولية، أن النفط الصخري الأمريكي دخل بالفعل في موجة من التباطؤ الملحوظ، وإن كانت ملامحها لم تتضح، في الوقت الذي تسارع فيه بعض الشركات إلى التخلص من الحفارات النفطية، عادّة تباطؤ الإنتاج الأمريكي سيساعد من دون شك في إعادة التوازن إلى السوق، ما قد يؤدي إلى ارتفاع جيد في مستوى الأسعار.
وأضافت لـ"الاقتصادية"، أن "الإنتاج الأمريكي قد يشهد على الأرجح زيادة إنتاجية مؤقتة في الإمدادات خلال عام 2020، وسيلي ذلك تباطؤ في جميع عمليات إنتاج النفط الصخري الزيتي في الولايات المتحدة"، مشيرة إلى أن السوق لم تتعاف بعد بشكل كامل من التراجع الحاد في الأسعار الذي بدأ في صيف عام 2014، خاصة مع تجدد موجة هبوط الأسعار، الذي أدى إلى انخفاض حاد في الاستثمارات في المشاريع الضخمة طويلة الأجل، منها مشاريع المياه العميقة للغاية، ورمال النفط الكندية نتيجة لانخفاض سعر خام برنت بأكثر من النصف.
على صعيد التداولات في الأسواق، واصلت أسعار النفط أمس ارتفاعاتها مسجلة مكاسب كبيرة عقب انخفاض مفاجئ في مخزونات الخام في الولايات المتحدة.
بحسب "رويترز"، زادت العقود الآجلة لخام برنت 39 سنتا، أو 0.62 في المائة، إلى 61.55 دولار للبرميل، وكان خام القياس العالمي ارتفع 2.5 في المائة أمس الأول ليبلغ عند التسوية 61.17 دولار للبرميل، وهي مستويات لم يبلغها منذ 30 أيلول (سبتمبر).
وزادت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 36 سنتا، أو 0.66 في المائة، إلى 56.35 دولار للبرميل، وأنهى الخام الأمريكي تعاملات اليوم السابق مرتفعا 3.3 في المائة.
وقالت كارولين بين، كبيرة اقتصاديي السلع الأولية لدى "كابيتال إيكونوميكس" في مذكرة، "إنه من المرجح أن تظل أسعار النفط مكبوحة على المدى القريب، إذ لا يزال الاقتصاد العالمي يتباطأ ويسود العزوف عن المخاطرة".
وأفادت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن مخزونات الخام في الولايات المتحدة تراجعت الأسبوع الماضي مع قيام المصافي بزيادة الإنتاج، في حين انخفض أيضا مخزون البنزين ونواتج التقطير.
وتراجعت مخزونات الخام 1.7 مليون برميل للأسبوع المنتهي في 18 تشرين الأول (أكتوبر)، بينما توقع المحللون ارتفاعها 2.2 مليون برميل.
وزادت مخزونات الخام في نقطة التسليم في كاشينج في ولاية أوكلاهوما 1.5 مليون برميل، حسبما ذكرته إدارة المعلومات.
وارتفع استهلاك الخام في مصافي التكرير 429 ألف برميل يوميا، وفقا للبيانات، بينما زاد معدل تشغيل المصافي 2.1 نقطة مئوية، بينما هبطت مخزونات البنزين 3.1 مليون برميل، في حين توقع المحللون في استطلاع أن تنخفض 2.3 مليون برميل.
وتراجعت مخزونات نواتج التقطير، التي تشمل الديزل وزيت التدفئة، 2.7 مليون برميل، مقابل توقعات لانخفاض قدره 2.8 مليون برميل.
وانخفض صافي واردات الولايات المتحدة من النفط 873 ألف برميل يوميا الأسبوع الماضي.