«ليبرا» تترك البنوك المركزية في العراء
بصفته مشروعا تجاريا، فإن مقترح "فيسبوك" إطلاق عملة رقمية آخذ في الانهيار بعد انسحاب الشركاء وفشله في جذب استحسان المنظمين. لكن في الاجتماع السنوي لصندوق النقد الدولي في واشنطن الأسبوع الماضي، كان من الواضح أن "ليبرا" حققت بالفعل نجاحا واحدا: أثارت مخاوف محافظي البنوك المركزية.
عندما أعلن مارك زوكربيرج عن "ليبرا" في حزيران (يونيو)، جعل صناع السياسة يدركون أنهم متخلفين بالفعل في سباق لم يعرفوا حتى إنهم كانوا يركضون فيه.
لقد تلقوا الرسالة الآن: إذا لم يفكروا بجدية فيما إذا كانوا سيستحدثون أموالا رقمية خاصة بهم، فإن شخصا آخر سيفعل.
منذ عامين بدأ ستيفان إنجفيس، محافظ البنك المركزي السويدي "ريكس بانك"، البحث في كرونة إلكترونية يستحدثها ويديرها البنك المركزي. في الوقت الذي كان فيه زملاؤه في بلدان أخرى مذهولون إلى حد ما، قال إنجفيس خلال الصيف "انتهى بنا المطاف إلى الخوض في كثير من المناقشات بشأن ليبرا، لأن ليبرا، على الأقل من منظور بنك مركزي، جاءت من العدم".
لايل برنارد، محافظة في بنك الاحتياطي الفيدرالي تدير مجموعة عمل في مجال المدفوعات الرقمية منذ عام 2016، قالت لـ"فاينانشيال تايمز" الأسبوع الماضي إن "ليبرا عززت الإلحاح وشحذت تركيز كبار صناع السياسة على هذه المهمة".
بعد أربعة أشهر على ظهور مقترح "ليبرا" في العناوين الرئيسية لأول مرة، احتل هذا الموضوع القاعات في واشنطن، سواء بشكل علني أو في جلسات مغلقة لمجلس الاستقرار المالي. محافظو البنوك المركزية لا يتحركون بسرعة كهذه إلا إذا كانوا يهرعون لإخماد حريق.
"ليبرا" تثير انزعاج محافظي البنوك المركزية لسببين يكملان بعضهما بعضا. الأول هو النطاق.
برنارد أشارت إلى أنه في ضوء وجود 2.7 مليار مستخدم على منصات "فيسبوك" المشتركة، يمكن للشركة طرح نظام مدفوعات على واحد من كل ثلاثة أشخاص.
قلق محافظي البنوك المركزية الآخر هو أن "ليبرا" تمثل إهانة للسيادة النقدية.
سايمون بوتر، زميل في معهد بيترسون كان يدير مكتب الأسواق في الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، لاحظ أن "ليبرا كانت صدمة للبنوك المركزية". قال: "أعتقد أن شركة فيسبوك لم تفكر مليا في مدى أهمية السيطرة على العملة بالنسبة للحكومات والبنوك المركزية".
تطبيقات الدفع الرقمي الناجحة، مثل "سويش" Swish في السويد و"علي باي" Alipay في الصين، تنقل الودائع بين المصارف التجارية القائمة باستخدام عملات موجودة ومدعومة في نهاية المطاف من البنوك المركزية القائمة. لكن "ليبرا" ذات قيمة مالية بحد ذاتها، عملة مميزة يدعمها احتياطي الودائع المصرفية والسندات السيادية من مختلف البلدان. أيا كانت المجموعة التي تدير "ليبرا" فإنها ستكون بنكها المركزي الخاص.
بالنسبة إلى المصارف الكبيرة التي تدير عملات مهمة على نحو نظامي، مثل الدولار واليورو، فإن "ليبرا" ربما تتدخل في قدرتها على توفير السيولة عندما تكون الأسواق تحت الضغط.
البلدان التي تدير عملات محلية فقط تواجه مشكلة إضافية: في بعض المناطق تحتفظ الأسر والشركات بالعملات الأجنبية الصعبة باعتبارها مستودعا فعليا للقيمة. استبدال ذلك بعملة رقمية تدار بشكل خاص مثل "ليبرا" يمكن أن يؤدي بشكل سريع إلى تحول السيطرة على الاقتصاد من البنك المركزي إلى شركة.
توبياز أدريان، مخضرم آخر من بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، يدير الآن قسم أسواق النقد ورأس المال في صندوق النقد الدولي، قدم النظرية الافتراضية لعملة رقمية مدعومة بالدولار في أحد بلدان منطقة بحر الكاريبي.
قال: "يمكن أن يفضي ذلك إلى السيطرة على أغلبية المعاملات. في تلك اللحظة يفقد البنك المركزي السيطرة على السياسة النقدية".
بعض البنوك المركزية تكثف جهودها لاستحداث عملات رقمية تديرها الدولة، بحيث تسمح لشركات التكنولوجيا بالابتكار دون التخلي عن سيطرة الدولة. إلا أن بنك الاحتياطي الفيدرالي ليس لديه خطط لتنفيذ ذلك، حسبما أوضحت برنارد.
ذكر إنجفيس إن معظم محافظي البنوك المركزية مدربون على الجدال بشأن الاقتصادات الكلية، لكن "ليبرا" أثارت معركة بشأن النظرية النقدية؛ مسألة ماهية المال.
قال: "هذا الأمر أشبه بالتعامل مع مشكلات السباكة. معظم الناس لا يتعاملون مع مشاكل السباكة".
حتى الآن، هذا يترك المجال مفتوحا أمام "فيسبوك" ومنافساتها من القطاع الخاص.
"لطالما كان للقطاع العام رأي عندما يتعلق الأمر بالمال، لذلك من الصعب تخيل أن تستحدث أنت أموالا خاصة بالكامل"، حسبما قال إنجفيس. وأضاف: "إذا كان التاريخ يمنحنا أي توجيهات إرشادية، فإن هذا النوع من الترتيبات يميل إلى الانهيار عاجلا أم آجلا. ولهذا السبب لدينا بنوك مركزية".